السبت 27 إبريل 2024
فن وثقافة

هذه هي دلالات الجذور التاريخية للعيطة المغربية بشكل عام والحوزية بشكل خاص (2)

هذه هي دلالات الجذور التاريخية للعيطة المغربية بشكل عام والحوزية بشكل خاص (2) الصانع سي عياد أشهر مغلف لآلة الطعريجة بالجلد بمدينة أسفي بجانب أحد شيوخ الحلقة

كيف عالجت مجموعة البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد موضوع دلالات الجذور التاريخية للعيطة المغربية بشكل عام والعيطة الحوزية بشكل خاص؟ هذا السؤال تجيب عليه ثلاثة حلقات تنشرها جريدة "أنفاس بريس".. نستنتج من خلالها إلى أن العيطة الحوزية رافدا من روافد ثقافتنا الشعبية الوطنية التي تحيل على الذاكرة على اعتبار أن "من لا ذاكرة له لا حاضر ولا مستقبل له"

لقد سجلنا في الحلقة الأولى ملاحظة أساسية مفادها أن "كل قراءة للفن الشعبي تنطلق من مرتكز واحد ووحيد لن تفهم "العيط" المغربي بشكل عام والحوزي بشكل خاص. فالقراءة التي تنطلق من المتن الشعري لن تصل إلى كنهه، والتي تعتبره وثيقة لا تسبر غوره، إنه شيء آخر أوسع وأعمق، لا يمكن أن تحيط به إلا مقاربة دينامية تستند إلى الكثير من المقاربات"

 

إشكالية التسمية

لعل التسمية تشير إلى البعد الجغرافي فقط، دون أن تحيل إلى أبعاد أخرى تسم العيطة بميسمها ! ألا يمكن اعتبار التسمية بـ "الحوزي" لا يشير إلى مجال ذي أبعاد حضارية بشكل عام يؤطرها، ويميزها عن باق الألوان الأخرى التي تشكل "العيط" المغربي بمختلف أنواعه من أقصى جنوب المغرب إلى شماله، بدءا من "الكدرة" بالصحراء المغربية، انتهاء بالطقطوقة الجبلية!

ألا يمكن اعتبار التسمية بـ "الحوزي" يجعلها ذات امتداد جغرافي واسع يقتضي تفسيرا جد معقول وقريب من المنطق؟. إذ أن المجال تلفه ألوانا عديدة بدء بالأمازيغي، ثم الكناوي فحمادة التي تنتشر في الكثير من الأماكن من منطقة الحوز. تشترك فيه وتلتقي التعبيرات الأمازيغية و العربية انطلاقا من قبائل أولاد مطاع، وأولاد بن السبع، وبوشان، والنواجي وأولاد با، أي المرابطين، انتهاء بحمادة المشهورة في أمزميز التي تؤدي فيه الفرق اللون العربي و الأمازيغي في قالب جذاب وأخاذ، وكذلك الأمر بالنسبة للكناوي الذي توجد زواياه التي تضخ فيه نفسها الصوفي بكل من الصويرة مراكش انتهاء بمدينة أسفي.

 

لماذا سرد كل هذه الألوان الموجودة بالحوز أو بجهة مراكش تاسيفت الحوز؟

إن هذا السرد الدافع إليه التسمية في المرتبة الأولى، ثم التوضيح والمقاربة ثانية قدر المستطاع ، مفادها أن العيطة الحوزية هي نتاج هذا المناخ الفني والسوسيوثقافي الذي يطبع منطقة الحوز برمتها.

وبناء عليه، ألا يمكن اعتبار جذور العيطة الحوزية أمازيغي عربي، وبأن شكلها ينبني على تعبيرات حمادة ذات الأصول العربية الأمازيغية، في حين أن تعبيراتها اللغوية عربية إلى حد ما، لماذا؟ لأن أي مقاربة لهذا اللون انطلاقا من بعد واحد فيه تجني، أو ربما عدم فهم عميق لهذا اللون الذي لا يفهم إلا انطلاقا من شموليته وخصوصيته التي تبرز خلال الفعل والممارسة وتتجلى في الإحتفال الطقوسي الذي يحضر فيه النفس الصوفي و "العيط" هو نداء كذلك ودعوة صريحة ومبطنة ومعلومة للجمهور الحاضر والغائب للفعل في الإحتفال لا للتلقي فقط. ومن هذا المنطلق فإن أية مقاربة تستند على المتن اللغوي لا يمكن أن تعالج "العيط" الحوزي معالجة موضوعية لأن التعبير اللغوي عنصر ضمن عناصر أخرى لا يمكن أن تفضي إلى كنهه .

 

ألا يمكن اعتباره العيط الحوزي، وكافة العيوط المغربية ملاحم شعبية؟

ملاحم شعبية يتداخل فيها التاريخي، والأسطوري، وإن كان التاريخي يعتمد عناصر واقعية، فإنه ينسحب في أحايين كثيرة ليترك مكانه للأسطوري ليصطبغ بنفحات رقيقة تخترق الوجدان والعصب والجلد لإختراقه جميع مناحي الجماعة، بل هو مكون من مكونات ثقافتها وشرايين من شرايين حياتها، يضخ فيها بشكل قوي فرح المعيش، ويقوي مقومات الحياة ويستفز الذاكرة لتتراقص صفحات أمجادها حاضرة نابضة برغبة استحضارها للحضور وجدانيا وقلبيا بل وحتى عقليا، لأنه هي التي تعطي للجماعة مقومات الحياة و الإستمرار فيها، وهي التي تلحم وتقوي وحدتها أمام استعصاء الوجود والواقع.. وهذا ما حدا بكثير من الباحثين وخاصة الأستاذ اليحياوي أن يلمس فيها نفس الملحمة (من جهة الموضوع تكاد العيطة الحوزية تختص في محور تجعله مدار اهتمامها وأخبار الحروب والنزعات المسلحة مع المستعمر ما أسفرت عنه من خراب وضحايا وانقلاب في القيم وذلك بطريقة تذكر بالقصص الملحمي وأجوائها البطولية) .