الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

"المشيخة" بين العيطة المرساوية والحوزية في رواية الشيخة خديجة الدخيسي (6)

"المشيخة" بين العيطة المرساوية والحوزية في رواية الشيخة خديجة الدخيسي (6) مجموعة مخاليف الحوز (أرشيف)

نزولا عند رغبة عشاق الموروث الثقافي الشعبي على مستوى تراث فن الطرب والإيقاع، بتعدد أنماطه العيطية، إرتأينا في " أنفاس بريس" نشر سلسلة من المقالات في هذا الشأن في علاقة مع مفهوم "المشيخة" كموقف تعبيري عن الذات .

إن مجموعة البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، تنطلق في بحثها ونبشها من قاعدة أن "العيطة لا تشير إلى الواحد، بل هي متعددة بتعدد صيغ القول والغناء التي تتعدد بتعدد صيغ القول والأداء، التي تتعدد وتتنوع بتنوع أمكنة القول والطرب".

 

في الحلقة السادسة من هذه السلسلة نقدم لقراء الموقع مقاربة تيمة "المشيخة" في الثقافة الشعبية عموما و العيطة بشكل خاص، من خلال هذه الورقة حول معاني المشيخة وضوابطها تحت عنوان " المشيخة بين العيطة الحوزية والمرساوية، في رواية الشيخة خديجة الدخيسي". ونسعى في هذه الحلقة إلى فهم المشيخة في الثقافة الشعبية بشكل عام، و العيطة بشكل خاص، من خلال مقاربتها انطلاقا من الرواية الشفوية لفنانة تعاطت هذا الفن في أكثر من مدينة، ومع أكثر من شيخ.

أكدت الشيخة خديجة الدخيسي بأن المدخل، والبوابة لتعاطي هذا الفن هو الطهارة، فلا يمكن البدء في مزاولة الفرجة إلا إذا كانت المجموعة على طهارة تامة، بمعنى أن كل عناصر المجموعة ملزمون بالوضوء شأن الفرسان قبل انطلاق عروض الفروسية على صهوة الخيول في محارك التبوريدة. وبعد ذلك تبدأ المجموعة بعيطة تمجد صلحاء المنطقة، فالحوزي يبدأ بعيطة "رجال لبلاد" ، و المرساوي يبدأ بعيطة "الحداويات"، وهذا دلالة على استسلام شيوخ العيطة لصلحاء هذه المناطق.

هذه الأعراف هي التي عايشتها الشيخة خدوج الدخيسي حسب تصريحها، مع الكثير من الفنانين سواء مع المرحوم الشيخ أحمد الطويل الذي كان نجم زمانه في منطقة الحوز بأكمله، ما جعل مجموعته تضم الأختين "لمزرطيات". أو مع الشيخ ولد الجاري، برفقة الشيخة بنت العيساوي التي اشتغلت مع أبيها بالحلقة بجامع الفناء، ضابطة للإيقاع بالبندير. كما مارست الغناء كذلك مع الشيخ علال بوسنة.

هذه المجموعات هي المدرسة التي أخذت عنها الشيخة خديجة الدخيسي الحرفة، لأنها شأن الصنائع الأخرى الموجودة في المجال. أخذها يكون بالمعاينة والإستماع والتطبيق، مع إحاطة الشيخ بأدب مخصوص، كتشحيم قوس الكمان بمادة (صلبان) من طرف العنصر المبتدئ بالمجموعة.

طقوس الفرجة تسير وفق حساب معين، وكل ابتعاد عن الحساب هو شذوذ وخروج عن الضوابط التي تؤطر الممارسة، فحتى أداء العيوط خاضع لحساب محدد وكل شذوذ عنه يسمى بلغة أهل الحرفة بـ (التفراط)، فلا يسمح بالتفراط، لأنه يعني إختلال الميزان، وخروج عن الميازين المضبوطة المميزة للعيطة، فالعيطة قبل أن تكون غناء، فهي ميزان، وأعراف نبيلة، بقدر نبل الثقافة المغربية والحضارة المغربية.

المشيخة الحوزية : هذه المشيخة تجمع بين العيطة المرساوية والحوزية. فأثناء تقديم الوجبات خلال لفراجة، ضرورة تسمية كل وجبة من طرف الطباعة أو الطباع بعنوان ما أو إسم ما، وفي هذا السياق لابد أن يتم اختيار واحدة من العيط المرساوي ضمن العناوين التي يقع عليها الإختيار، ومن بين الأسماء التي لابد أن يتم إدراجها ضمن فقرات الفرجة: عيطة "دامي"، والثانية تسميها الطباعة بـ "رجانا في العالي."

دائما حسب رواية خديجة الدخيسي، فوجبة عيطة "دامي" تؤديها المجموعة وهي جالسة، أي في زمن الإستراحة، أما عيطة "رجانا في العالي" فتسمى بها وجبة من الوجبات، والمجموعة واقفة. هذا يؤكد هيمنة العيط المرساوي على العيط الحوزي، بحيث أن شيوخ المرساوي، أو الحصباوي لا يدخلون ضمن وجباتهم عنوانا من العناوين الحوزية ماعدا بعض الكلام من الحب المصاحب للميازين التي يختم بها شيوخ هذه الألوان دوائر العيوط الموسيقية، أو حين يقفلون عيطة من عيوطهم التي تكون بشيء من موازين الحوز.

هيمنة المرساوي يحوزها كذلك من حلاوته ، وتميزه بالطرب، لعذوبته وإحساسه الرائع، وهي ميزة مشتركة بين سائر عيوط "لمراسي" كما يحب بعض الشيوخ أن يسميها ، وهم بذلك يقصدون بهذه التسمية المرساوي، والحصباوي.

الصفة الطربية تجعل الممارسين يؤدون وجباتهم وهم جالسون، لأن الإستعراض يقل فيها بشكل لافت، عكس الحوزي أو الزعري، وبالأخص عند المخاليف حيث هيمنة الإستعراض، لكثرة الميازين في عروضهم، لذلك وجب أداء العروض والممارسون واقفون، والأجساد في حركة دؤوبة، كأنهم يؤدون عرضا دراميا، لأن كل واحد من المجموعة لابد أن يؤدي حبة من المقطوعة بتتابع ، كأننا ضمن مجموعة الكل مغني، والكل كورال.