سيكتب التاريخ اسم السيدة نزهة الوافي ليس لأنها وزيرة منتدبة مكلفة بحقيبة الجالية، بل لأنها ستكون آخر وزيرة بعد إلغاء الوزارة نفسها... وسيكتب اسمها ليست لأنها من أفراد الجالية... لأنها لم تعمر طويلا في بلدة San Gervasio Bresciano إحدى ضواحي مدينة بريشيا قبل الانتقال إلى مدينة طورينو... نظرا لاستفادتها أولا من الكوطة مرتين أي عشر سنوات، ثم مقعد برلماني عن دائرة الحي المحمدي بالبيضاء، مع أنها من ساكنة مدينة سلا...!
فهل صحيح أنها ستكون آخر وزيرة بإعلان عودة ملفات الجالية إلى "الداكس" أي مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الخارجية...؟
فبعيدا عن الحسابات السياسوية، فإننا ومجموعة من الفاعلين من مغاربة العالم، كنا ومازلنا، نقول بعدم فعالية حقيبة مغاربة العالــم كوزارة تُحسب على حزب سياسي في إطار تفاوضي، بل كنا مع رفعها إلى وزارة سيادية أو الرجوع بها إلى نقطة الصفر، أي إلحاقها بالوزارة الأم، أي وزارة الخارجية...
لقد كشفت جائحة كورونا عن عدم توفر السيدة نزهة الوافي على "الكاريزما" الكافية لحمل حقيبة ثقيلة بالملفات التي تتشابك فيها العديد من المؤسسات والمصالح وتتعقد داخلها مشاكل قديمة/ جديدة...
فمغاربة العالم في حاجة الى جهاز تنفيذي له القوة الاقتراحية الكافية ويتمتع بالإنصات لكل مغاربة العالم بعيدا عن أي انتساب حزبي أو نقابي أو جمعوي.. لأن مغاربة العالم ينتمون إلى حزب واحد، وهو حزب المغرب ...
لقد كان واضحا منذ البداية أن الوزيرة المنتدبة رضيت بلعب دور "القَنْطرة"، حيث كانت تنتظر فقط قرار ترحيل اختصاصات وزارة الجالية إلى وزارة الخارجية، ورضيت باللعب في وقت بدل الضائع... بدليل تأخير التوقيع على قرار تفويض الاختصاص لأكثر من سبعة أشهر منذ تعيينها، بل حتى ذلك التفويض جاء مُسَيًجًا بانها تعمل "تحت وصاية وزير الشؤون الخارجية...."
ليس هذا فقط، فقد ظهرت السيدة الوزيرة المنتدبة شاردة في "القاعة المغربية" بمجلس النواب، وهي تتكلم عن ملف العالقين في زمن كورونا... وخرجت بدون إقناع لا النواب ولا العالقين وعائلاتهم من مغاربة العالم... مما فتح الباب لرئيس الحكومة وللوزير بوريطة من التحدث أكثر من مرة في نفس الموضوع...
ومن جهة أخرى، تتداول العديد من الفعاليات الإعلامية والمجتمع المدني أخبارا، مفادها سحب اختصاص ملف ترحيل الجثامين من وزارة الوافي إلى مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الخارجية منذ شهر فبراير 2020... لكن هل طرح السيدة الوافي لطلب عروض جديد خاص بجمعيات مغاربة العالم... يعني ان الوزارة قد قامت بالفعل بتنفيذ وتسوية كل تعهدات والتزامات الوزير السابق السيد "عبد الكريم بنعتيق"، خاصة في ملف العرض الثقافي مع الفرق المسرحية وطلبات العروض الخاصة لجمعيات المجتمع المدني لمغاربة العالم...؟ وهل يعني هذا أن الوزارة قد تلقت كل التقارير المتعلقة (صور وفاتورات..) بصرف كل تلك الاعتمادات المالية لدعم أنشطة جمعيات الجالية...؟
وإذا علمنا أن "جمعية أمل للنساء المغربيات" بإيطاليا، قد استفادت من دعم طلبات العروض خلال موسم سنة 2010/ 2011... فهل هي نفس الجمعية التي كانت تترأسها السيدة الوافي الوزيرة المنتدبة...؟
نحن نحاول النقاش بموضوعية، بعيدا عن كل اصطفاف عاطفي أو انتماء حزبي.. ونفس المنهجية تدفعنا لطرح سُؤال آخر، حول ماهية القيمة المضافة للسيدة نزهة الوافي حاملة حقيبة الجالية...؟
كل الوقائع تقودنا مع الأسف الشديد إلى أن السيدة الوافي لم تقم بأي مبادرة تشفع لها مع مغاربة العالم... بل قامت فقط باستهلاك برامج سابقة واستنساخ أخرى أو الاختباء وراء معوقات كورونا... دون ترك أي بصمة إيجابية في ملفات مغاربة العالم.. ولم تبن القضايا الكبرى للجالية، وذلك بجعلها فوق طاولة النقاش العمومي بشكل يومي، سواء في الحكومة أو البرلمان أو لدى وسائل الاعلام ...
فإطلاق المنصة القانونية الرقمية الخاصة بملفات المرأة المغربية بالخارج يوم 10 أكتوبر 2020، مثلا، بمناسبة اليوم الوطني للمرأة المغربية.. لا يدخل ضمن الاكتشافات الجديدة.. رغم محاولتها خلق ضجة إعلامية حول ذلك... لأنه بكل بساطة ملف مستهلك منذ الوزيرة الاتحادية السيدة نزهة الشقروني، مرورا بالمساعدة القضائية وانتداب محامين بالخارج للدفاع عن ملفات مغاربة العالم... في عهد كل من الاتحادي عامر والاستقلالي معزوز وبيرو من الأحرار والاتحادي بنعتيق...
مما يجعل من المنصة القانونية الرقمية عنوانا جديدا للاستهلاك الإعلامي فقط، إذ جميع ما قيل خلال ذات اللقاء كان مجرد مُجاملات في حق مغربيات العالم، واجترار لكلام قِيل وأُعيد قوله لعشرات المرات في حين تزداد مشاكل مغربيات العالم كل يوم تعقيدا ..!
أما موضوع المشاركة السياسية لمغاربة العالم، فكلنا يتذكر خرجات السيدة النائبة نزهة الوافي... حول ضرورة مشاركة الجالية في الشأن العام... حتى انها وقعت عريضة شبكة "جميعا دابا 2012"، وتبنت بتوقيعها كرئيسة "لجمعية أمل للنساء المغربيات بإيطاليا" على العريضة، كل شعارات لقاء باريس في شتنبر 2009.. أما اليوم فإن السيدة الوزيرة المنتدبة أصبحت تُعيد نفس أسطوانة الاكراهات و... و... غِيرْ صَبْرُو مْعَانَا ....
السيدة الوزيرة المنتدبة ستجعل "من أجل تعزيز مساهمة المغاربة المقيمين بالخارج في الأوراش التنموية الوطنية" عنوانا لليوم الوطني المهاجر في 10 غشت الماضي... وستحتفي مع ما يسمى "بالجهة 13" الافتراضية و النخبوية في لقاء افتراضي وحضوري ...
وهذا أيضا لم يكن بالاختيار الموفق خاصة من حيث التوقيت، فقد أظهر أن الوزارة في واد ومغاربة العالم في واد آخر... لأن موضوع النقاش يتزامن مع فترة عصيبة تعاني فيها الجالية من تداعيات كورونا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والنفسي...، بالإضافة الي إلغاء تنظيم "عملية مرحبا" لأول مرة منذ العديد من السنوات.. لذلك كان من الأجدر نقاش مواضيع الشباب... لكن بصيغة أخرى تناسب ظرفية الحرب على جائحة كورونا...
وفي نفس السياق نرى أنه من الضروري التذكير، بأن السيدة الوافي/ النائبة كانت رئيسة أيضا "جمعية منتدى الكفاءات" المغربية بالخارج منذ 17 فبراير 2012... فكيف لم تستفد إذن السيدة الوافي/ الوزيرة المنتدبة من تراكمات السيدة الوافي/ النائبة... كرئيسة لجمعية منتدى الكفاءات من مختلف التوصيات ومخرجات الأوراش السابقة... أم أن هذا المنتدى كان افتراضيا...؟
كل هذه الوقائع تقودنا إلى استنتاج واحد.. هو أن حقيبة الجالية لا يجب أن تكون محل تفاوض حزبي على أساس توزيع المناصب فقط... بل هي من أثقل الحقائب مما يجعل منها حقيبة سيادية.. وفوق كل الألوان الحزبية والانتماءات السياسية...
ونفس الوقائع تقودنا إلى أن السيدة نزهة الوافي ستكون آخر وزيرة منتدبة مكلفة بالهجرة... لأن حقيبة مغاربة العالم ستُهَاجِر لا محالة إلى مقر وزارة الخارجية...
نقول هذا الكلام وقلوبنا تعتصر ألما.. لأننا سنُودع الوزارة بحصيلة هزيلة... مع تراكم متزايد لمشاكل مغاربة العالم وتأجيل جديد لطرح حلول واقعية وموضوعية.. ويشتد ألمنا عندما نتذكر أن الوزيرة الوافي كانت مقيمة بإيطاليا في زمن ما، وأنها جربت الاشتغال في المجتمع المدني عبر "جمعية أمل للنساء المغربيات بإيطاليا"، وجربت الاحتكاك مع الكفاءات من خلال رئاستها "لمنتدى الكفاءات"، كما كان لها احتكاك مع جمعيات مغاربة العالم من خلال توقيع "جميعا دابا 2012"، مع العلم أن لا أحد يعرف مآلات تلك الجمعيات والهيئات التي كانت تترأسها المهاجرة والنائبة الوافي..
ولأن موقع الوزارة المنتدبة تضمن الحديث عن جمعية Alma Terra في خانة السيرة الذاتية للسيدة الوزيرة... فإننا سترجع مستقبلا للحديث عن تاريخ وحيثيات وتفاصيل وشُركاء شبكة الجمعيات النسائية في إطار AlmaTerra بمدينة طورينو..
ومع كل ذلك فإنها ستغادر الوزارة بدون أي بصمة خاصة بها.. وهو ما يجعلنا نُؤكد من جديد أن حامل حقيبة الجالية يجب أن يكون رجل دولة وليس رجل حزب سياسي...