الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

الزرايدي بن بليوط: أحمد عصمان ...أيقونة الأحرار ومؤسس الفكر التجمعي

الزرايدي بن بليوط:  أحمد عصمان ...أيقونة الأحرار ومؤسس الفكر التجمعي عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
تأسس التجمع الوطني للأحرار عقب الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب عام 1977، وقاد مسيرته رجالات وزعماء وطنيون، تأسس على يد قيادات سياسية بصمت المشهد الحزبي والسياسي، بمداد من الفخر والاعتزاز، في هذه السلسلة التي عنوناها ب" رجالات الأحرار"، سوف نسلط الضوء، على مسار هؤلاء الزعماء الذين قادوا سفينة الأحرار إلى بر الأمان، وبوأوا حزب التجمع الوطني للأحرار مكانة سياسية هامة، سنتحدث عن مناقبهم ونحكي فصولا من نضالهم التجمعي، حتى تكون هذه السلسلة نبراسا مشعا للجيل التجمعي الجديد، ويكون تاريخ هؤلاء القيادات قدوة الهدف منها تكريس قيم خالدة للنضال تمنح التجمعيين والتجمعيات آمالا في المستقبل، وانبعاثا جديدة يؤكد استمرار مسار الثقة حتى يؤدي أغراضه السياسية بكل نجاح.
أحمد عصمان زعيم سياسي من حزب التجمع الوطني للأحرار، وأحد أبرز المؤسسين لهذا الصرح العتيد، ولد سنة 1931 بمدينة وجدة شرق المملكة، تابع دراسته الابتدائية بمدرسة سيدي زيان ليلتحق بثانوية عمر بن عبد العزيز، ومع التقدم في الدراسة برزت مواهبه الفكرية والعلمية التي ستفتح له المدرسة المولوية أبوابها لمتابعة دراسته، لم يكن عصمان مجرد زميل دراسة بالنسبة إلى الحسن الثاني بل كان أيضا صهرا وصديقا. لقد عايش عصمان خلال خمسة عقود أحداثا بارزة من تاريخ المغرب المعاصر، لقد كانت بداياته السياسية في صفوف حزب الاستقلال، وتعرف على رموز من الحركة الوطنية أنذاك على رأسهم المرحوم المهدي بن بركة.
أحمد عصمان القيادي التجمعي عرف منذ إستقلال المغرب بالرجل الهادئ، والشخص الذي يحب التوافقات فقبل الخوض في تجاربه السياسية والمسؤوليات الحكومية، سنقف اليوم كيف لشاب عادي من عامة الشعب أن يتبوأ المناصب ليصل أن يكون بجانب المرحوم الحسن الثاني رحمه الله، وأن يبصم على مسار حافل في تاريخ المغرب الحديث.
رجوعا للمدرسة المولوية ومساهمة المرحوم "المهدي بنبركة" في ولوج أحمد عصمان لها ومرافقة ولي العهد أنذاك، فبعد الباكلوريا وقع الاختيار على مسلك الحقوق في المدرسة العليا للحقوق بالرباط، بعدها بسنة أكملا دراستهما بجامعة بوردو ليحصل هذا الأخير سنة 1955 على الدكتوراه من نفس الجامعة.
مباشرة بعد مطلع الاستقلال تقلد عدة مناصب عليا بدون انقطاع من أبرزها: عضو للديوان الملكي مكلف بالشؤون الخارجية سنة 1956، قبل أن يلتحق بوزارة الخارجية سنة 1957، ثم وزارة الدفاع سنة 1959، ثم سفير في ألمانيا الغربية سنة 1961، وبعدها لدى واشنطن 1967، ومن تم وزير للشؤون الإدارية سنة 1970، فمدير للديوان الملكي غشت سنة 1971  إلى نونبر 1972، وفي نفس السنة سيشكل الملك الراحل الحسن الثاني حكومة المغرب رقم 14 ويعين على رأسها أحمد عصمان، الذي تقلد زمام رئاستها وصولا لسنة 1979، وعرفت العديد من المواقف التاريخية كحدث المسيرة الخضراء في عام 1975 التي كان على رأسها ومقدمتها باعتبار كبير من المرحوم الحسن الثاني لمؤسسة رئاسة الوزراء أنذاك.
وفي أكتوبر من سنة 1978 أسس حزب التجمع الوطني للأحرار، وجمع خيرة أطر وكفاءات الوطن وخيرة الوطنيين المغاربة، وعرف أنذاك أغلبية تمثلت في 142 نائب في الغرفة الأولى من أصل 225، فاضطر إلى مغادرة الحكومة التي تولاها خلفه المعطي بوعبيد.
بقي مرابطا داخل الحزب ومساهما في المشهد السياسي بمواقفه التي بقية راسخة في التاريخ، كموقفه من حل حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بداية الثمانينات، بقوله "إن حزب التجمع الوطني للأحرار يؤكد أنه لا تجوز محاربة الرأي الآخر وقمع الأفكار المعارضة بحل حزب سياسي في بلد يتمتع بنظام ملكي دستوري ديمقراطي"، وهو الرأي الذي سانده جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله.
وفي عام 1983 عين وزيرا للدولة في حكومة محمد كريم العمراني بصفته أمينا عاما لحزب الأغلبية البرلمانية. ومن تم رئيسا للبرلمان الذي بقي فيه إلى حدود سنة 1992.
شارك في تهيئة دستور 1992، الذي انبثق عنه دستور 1996، وقد تمت التهيئة لدستور 1992 من طرف لجنة ثلاثية كان عضوا بها، مع الراحلين أحمد رضا كيرة وادريس السلاوي، مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني، وكان من رجالات التوافق حول حكومة التناوب التوافقي.
أعيد إنتخابه على رأس في المؤتمر الثالث لحزب التجمع الوطني للأحرار سنة 2001، ليصل لسنة 2007 في المؤتمر الرابع وينسحب بهدوء وبدون صخب تاركا مهمة الأمين العام لشخص جديد حيث قال في الكلمة الإفتتاحية "حان الوقت لأسلم المشعل لمناضل تجمعي جديد ليقود مسيرة حزبنا إلى الأمام، والتجمعيون قادرون على ذلك، خصوصا أولئك الذين برهنوا على كفاءات عالية، وهم اليوم في مستوى قيادة حزبهم وفق متطلبات مغرب اليوم ومقتضياته السياسية والاجتماعية".
هكذا ختم مسار سياسي كبير لرجل دولة كبير عاصر الملوك فيها وعايش فترات صعبة لإرساء دعائم ديمقراطية إجتماعية حديثة، فأطال الله في عمر هذا الرجل الذي يعتبر من رموز حزب التجمع الوطني للأحرار وسينظر له التاريخ بأنه فعلا من رجالات الوطن الأوفياء.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط، رئيس مجموعة رؤى فيزيون الاستراتيجية