الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

الثابت والمتغير في رقصة حمادة بوشان.. أيقونة ثقافة الصحراء

الثابت والمتغير في رقصة حمادة بوشان.. أيقونة ثقافة الصحراء مشهد لرقصة حمادة بوشان

تتابع جريدة "أنفاس بريس" عملية توثيق تراث منطقة الرحامنة في علاقة مع ثقافة الصحراء، حيث خلصنا، من خلال أوراقها ومنشوراتها، إلى أن مجموعة البحث بتنسيق ومواكبة الأستاذ عبد العالي بلقايد، قد ترجمت بالفعل والممارسة، مفهوم انخراط المجتمع المدني في توثيق الثقافة الشعبية، على اعتبار أن تمرة المجهودات الجماعية منذ البداية، فتحت في وجه كل من له غيرة على كل الأشكال التعبيرية للموروث الثقافي الشعبي بمنطقة الرحامنة.

وقد استندت المجموعة الشابة المثابرة على ركيزة الرأسمال المعنوي والمادي الذي يشكل فعلا عمق الإرث الحضاري والثقافي الذي سيفجر الأحلام ويحصن الموقع لاكتساب أسباب القوة.

حلقة اليوم التي أعدتها كل من: سهام الرجراجي، أمينة الرمحاوي، تتناول موضوع: "الثابت والمتغير في رقصة حمادة أيقونة ثقافة الصحراء ".

 

 

حين نعتبر العديد من الأشكال الثقافية بمثابة محددات أساسية للتصرف الفني، والإحتفال، وإعادة المناسبات الدينية، فهي بذلك أشكال من صيغ السلطة التي تجبر الإنسان أن يتصرف وفقها، ولا يمكن أن ينتج سلوكا فنيا خارج مونيماتها بالتعبير اللسني، والعلامات بالتعبير سيميوتيقي وكلا التعبيرين من وحي السويسري "فرديناند دي سوسير" الذي كان كتابه في اللسانيات العامة إلهام للكثير من أصحاب النقد الجدري، ولم يكن "دولوز"، أو "فوكو" حين يعتبران أن اللغة سلطة سوى مرددان لما جاء في كتاب "دي سوسير" حين اعتبر اللغة مؤسسة اجتماعية، وهو بذلك يستلهم ما ذهب إليه "دوركهايم" لما اعتبر الظواهر الإجتماعية هي فوق الأفراد المجبرين على الخضوع لها، و مسايرة ما تنتجه من قوانين وعلامات ثقافية.

وحين يعتبر "رولان بارت" بأن الفنون وخاصة التي تسعى إلى الجدة، لا تكون لها الصيغة التواصلية لأن هذه الأخيرة نتاج لمواضعات المجتمع، والفن الجديد يخلق علاقة متوترة مع ما هو كائن لإنتاج ما وجب أن يكون، لأنه يبغي إنتاج الجديد.

 

رقصة حمادة بين الثابت والمتغير الهجين

 

رقصة حمادة شأن جل الرقصات التي نشأت في المجال الثقافي الرحماني مطبوعة بطابع جماعي ، فهي بذلك نتاج لمواضعات الجماعة التي اصطلحت عليها، وكانت مصاحبة لكثير من طقوسهم وحفلاتهم الخاصة ، وحتى الوطنية ، ولكن هل هذه الخصيصة بقيت علامة ثابتة مميزة لها ؟ أم حصل تغيير وتبديل في بنيتها البانية لمعمارها.

ونحن نتفرج على أداء حمادة نلاحظ بأنها أضحت مخترقة من الرقص الفردي ، وهي التي كانت ذات طابع احتفالي، كميسم يطال كل من هو حاضر في الحفل، باعتباره راقصا محتملا ، لأنه مدعو للرقص إن هو رغب في ذلك ، لأن كدا ممارسة هي حق مشاع بين سائر أفراد الجماعة، ولكن محتكر من طرف العذارى ، وغير المتزوجين من الذكور حسب المواضعات الثقافية.

هل هذه الخصيصة هي كذلك لا زالت ملازمة للرقصة حمادة ،أم أنها أضحت حق لأصحاب الحفل الذين يحورونه حسب أهواءهم ؟

 

فحين نلاحظ يومئذ راقصا يرقص على القعدة نخال أنفسنا بأننا أمام مجموعة غنائية لجوق من الأجواق. صحيح أن حمادة الصويرة أو أولاد بن السبع ، تبرز فيها هذه الظاهرة بشكل لافت، والذي يقوم بها هو رئيس المجموعة الذي حالما ينهي الإنشاد ، يبدأ في الركز على القعدة ، و هو ركز يكمل موزييك الإيقاع ، والذي كان قديما يؤدى بالنقر على الأرض مباشرة كما هو حاصل في أحواش سوس ، على اعتبار أن هذا اللون جاء نتيجة تفاعل القبائل العربية مع الثقافة الأمازيغية.

 

هذا الركز بهذه الطريقة (أي أن يتم على القعدة فهو طارئ) وليس من صميم رقصة حمادة بالرحامنة ، التي انطبعت في الأذهان على صورة نساء / راقصات، أو رجال / راقصون يمشون الهوينى، أي بتمهل يتمايلون ببطء إلى نقطة معينة ليعلن الرئيس إنهاء الدائرة الموسيقية ، أو شطر الرقصة بختمة على شكل نقرة قوية على البندير.

 

ولو أن بعض الأصدقاء مثل محمد سعد الذي يعتبر من أبرز المتتبعين لحمادة ،يقر بأن رقصة حمادة هي مشكلة من جزئين اثنين : الماية وهي القصيدة التي تؤديها المجموعة، وعند الإنتهاء منها يشرعون في الميزان : أي الركز من طرف الشباب، أو الشابات إلى نهاية الحفل.

ولو أن الأمر استقر على هذه الصيغة ، فإنه بعيد عن الشكل الذي كان في البدايات والذي تتحدد وظيفته من طرف الجماعة الذي اصطلحت عليه. بمعنى أن رقصة حمادة نتاج ثقافي تحاول من خلاله الجماعة ترسيخ طقوسها ، عبر الموسيقى وأشكال وصيغ الفرح.

 

كنا قد أشرنا إلى الصيغة الأولى التي ابتدأت بها حمادة ، أو بالأحرى رقصة حمادة، والتي كانت تقتصر على فرد واحد ، كان هو رئيس المجموعة ، يقف في الوسط محاط بالفتيات، حيث يتلو شعرا والفتيات ترددن اللازمة متراجعات وراءا إلى نقطة معينة ليتم الختم. ويبدأ مع صف آخر ما بدأه مع الأول.

-ما نقدمه هو رواية شفوية عن أمين عبد اللطيف كأحد أبناء العائلات الكبيرة بدوار الجوابر. الذي يوجد به الشيخ بلال كأحد رواد هذا الفن والذي ترك أولاده هناك، ومن الرواد الذي أدخل الطبل إلى هذا اللون بمنطقة الرحامنة ، والذي لا نلحظه في حمادة الحوز، وحسب الروايات الشفوية فإن المرحوم كان يتقن رقصة كناوة مع أحد رفاقه الذي كان يصاحبه بالقراقيب. تأثير الثقافة السوسية كان حاضرا حتى في رقص عبيدات الرما بالحوز، وبالتحديد بالرحامنة.