الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

توفيق مفتاح: ملاحظات سريعة على هامش الدعم المالي الذي وجهته وزارة الثقافة للمشاريع والبرامج الفنية والثقافية

توفيق مفتاح: ملاحظات سريعة على هامش الدعم المالي الذي وجهته وزارة الثقافة للمشاريع والبرامج الفنية والثقافية دعم وزارة الثقافة أخرج موسيقيين للإحتجاج أمام وزارة الثقافة
هام:
1- لم أستفد من أي دعم مالي حاليا أو سابقا، ولم يسبق لي ان قدمت أي طلب أو مشروع في هذا الشأن، وليست لي علاقة من قريب أو من بعيد بالمشاركة في تدبير هذا الملف.
2- ليست المرة الأولى التي أناقش او أكتب فيها حول هذا الموضوع، بل تطرقت له مرات عديدة ضمن نصوص وحوارات، على اعتبار ان ملف الدعم حاضر في النقاش العمومي لما يزيد عن 11 سنة على الأقل.
صفة فنان، بين "المحاسبة الشعبية" و"المرمدة الاجتماعية"
المؤكد أنه ليست هناك أي جهة او مواطن فوق النقد والمحاسبة. طبعا، كل المجتمعات تمارس المحاسبة وفق صيغ ومستويات متعددة، عبر مؤسساتها الدستورية والقضائية وظماتها السياسية والنقابية والحقوقية ومؤسساتها الصحافية والمدنية، كما تشكل "المحاسبة الشعبية" أحد أشكالها، وقد نعتبر "الفيسبوك" أحد الفضاءات الاجتماعية التي تحتضن هذا الصنف من المحاسبة ضمن حوارات ونقاشات مفتوحة، رغم أنها تمارس في أحيان كثيرة بحس من الشعبوية والانفعال والتحيز العاطفيين، وأيضا دون اعتبار للمعطيات الموضوعية والقانونية التي تضبط حدود هذه المحاسبة وطموحاتها في تحقيق العدالة، الأمر الذي يحيد بها عن مسارها بفعل جرعة الحماسة الزائدة أو الصراع الطبقي الذي يطفو للسطح بقوة، كلما تعلق الأمر بالاستفادة من الأموال العمومية. فكيف نفسر مثلا مهاجمة "الفنان الموسيقي أو التشكيلي أو المسرحي"، ومحاولة السخرية من موقعه الاجتماعي والوظيفي، عبر إجراء مقارنات تعسفية بينه وبين مهن أخرى، كالمهن الطبية مثلا ؟ فقط لتبرير أولوية التحفيز المادي لهذه الأطر في الظروف الحالية لانتشار وباء كوفيد19، بدل تمويل جزء من المشاريع الثقافية والفنية. أكيد أن المطالبة بإيلاء الاهتمام المادي والمعنوي للعاملين بالمستشفيات أمر مشروع وجد مطلوب في الوقت الراهن، لكن ينبغي أن يتحقق ذلك في انسجام تام مع باقي مهن وحاجيات المجتمع. فهذه "المقارنة" اللاموضوعية تظهر الفقر الفكري والثقافي والقانوني لأصحابها، فكري وثقافي لأنهم لا يميزون بعد بين مختلف الوظائف والأدوار والمواقع الاجتماعية، والحاجة لتكاثفها وتكاملها، وقد عبروا بذلك عن جهل عميق بالضرورة الثقافية والفنية في حياة الإنسان. شخصيا لا أقصد التحامل على أي جهة أو فئة أو طبقة اجتماعية، حيث أدرك جيدا مدى ضعف قيم التربية الفنية والجمالية والثقافية بمجتمعنا، وأضع دوما هذا المعطى بالاعتبار، لكنني للأسف تفاجأت بحجم الفراغ الفكري والثقافي الذي أظهره بعض الناس ارتباطا بهذه النازلة، حيث كنت أعتبرهم لوقت قريب في منأى عن الانخراط في نقاشات تسطيحية وشعبوية لقضايا من هذا الصنف، أو السقوط في فخ حملات "حقد اجتماعي" ضد فئات معينة من المجتمع. وهنا أنا اتحدث عن الاستهداف المغرض للصفات بالأساس -le statut de l'artiste- أي استهداف صفة فنان وليس أشخاص فنانين بعينهم. ف أين أتى كل هذا "العداء المجاني" الذي تحمله فئة المجتمع لصفة فنان؟ كيف يستقيم أن تمارس "سخرية ساقطة" في حق الفنانين و"مرمدتهم" اجتماعيا على مواقع التواصل الاجتماعي فقط لمحاولة مؤاخذة وزارة الثقافة على تخصيص مبلغ 36,7 مليون درهم لدعم مشاريع فنية وثقافية تغطي الموسم الثقافي 2020 / 2021 ، تسهم في تنشيط الحياة الفنية والثقافية بالمجتمع، وتساعد هؤلاء الفنانين على تحقيق مشاريعهم وإنعاش مقاولاتهم الثقافية. علما أن الأطر الطبية تستحق أكثر 14 مليون درهم أمام حجم التضحيات التي تقدمها يوميا لصالح الوطن، كما ان وزارة الصحة بدورها بحاجة لحملة محاسبة مالية وتدبيرية شاملة في الوقت الحالي. أؤكد أن هذا الغلاف المالي هزيل جدا أمام 16,6 مليون درهم المخصصة شهريا لرواتب نواب البرلمان مثلا. وأسطر على كلمة شهريا. من السهل القيام بهذه المقارنات الجاهزة التي لا تكلف صاحبها جهدا فكريا في البحث عن المعطيات وتوخي الفهم والتحليل لمناقشة الموضوع بمنهج علمي يتحرى الموضوعية وبعيدا عن منهج "التجهيل والتحقير" الذي يكرس العداء بين المهن والمواقع والطبقات الاجتماعية، ولا يقارب القضايا والبرامج من جوانبها المطلوبة، أي الحرص على مناقشتها من حيث إطارها القانوني وأهدافها ونزاهة تدبيرها، وآليات تنزيلها، وكيفية مراقبة طرق صرف ميزانياتها، وأدوات تتبع أثرها الميداني، وهل يتم تقويم نتائجها وفق دفاتر تحملات دقيقة، ومدى استثمارها المنتظم للوقوف على جدوى هذه البرامج أو حاجتها للتأطير والتعديل والتطوير، أو حتى التخلي عنها إذا اتضح بلغة الموضوعية والشفافية أنها لا تحقق النتائج المرجوة منها. لعلها السبل التي تقطع الطريق عن مفسدي وناهبي أموال البرامج والمشاريع الثقافية العمومية، والتي تغنينا عن الإساءات والصراعات الاجتماعية وتطفل المتربصين بمجتمع الطبيب والفنان معا.
هكذا نسهم في بناء مجتمع المؤسسات، عبر ملء الفضاء العام بالنقاشات البناءة التي يمكن أن تفضي بنا لمراكمة التجارب الناجحة والارتقاء بها.
لقد اطلعت على لائحة المشاريع والبرامج المستفيدة من الدعم - لا أقول أشخاصا مستفيدين - لأن الأمر يتعلق بمشروع تتحمل مسؤوليته مقاولة أو جمعية ثقافية، أو هناك متدخلين آخرين في تنفيذه - ولا يهمني إن كان هذا الفنان المسؤول عن المشروع يملك فيلا او صاحب شركة إسمنت او عاطلا عن العمل أو شابا يافعا أو امرأة عجوز، او فنانا مشهورا أو مغمورا... إلخ. هذه الصفات لا علاقة لها بالمشروع الفني وبأهداف برامج وزارة الثقافة، التي يفترض أن لا تسعى لمحاربة البطالة أو الفقر والهشاشة الاجتماعية، باعتبارها مؤسسة حكومية غايتها ممارسة التأطير الثقافي والفني للمجتمع المغربي، والرفع من منسوب الوعي الثقافي والذوق الجمالي لمواطنيه، وتشجيع ودعم الإنتاج الفني والارتقاء به باعتباره واجهة حضارية للمغرب. لذلك، فإن أي فنان أو مؤسسة ثقافية حاملة لمشروع جاد يخدم هذه الأهداف، فإن وزارة الثقافة مدعوة بكل السلطات والإمكانات المتاحة لها أن تساهم في دعمه لإخراج منتوجه الثقافي للوجود، لأن نجاح هذه المشاريع الثقافية والفنية يساهم بقوة في تحقيق تكافؤ فرص ولوج المواطنين للفن والثقافة، ويساعد كذلك على دمقرطة مجالية للخدمات الثقافية، مما يخلق مساحات جديدة للنقاش والتواصل العمومي عبر المنتوج الفني والثقافي، ويعزز التماسك الاجتماعي والفكري الوطني.