الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: حين سالت دموع رئيس الحكومة

ادريس المغلشي: حين سالت دموع رئيس الحكومة ادريس المغلشي
كثير من الدموع ليست بريئة فهي شراك لاصطياد الضحايا كما أنها قادرة على ربح مسافات زمنية  . لقد  أصبحت في وقتنا الراهن سلاحا يفتك بالغلابة شر فتكة ، فهي تنوب عن الدواء للمريض مادامت صحتنا  معطوبة حتى لانقول منعدمة  وهي الشغل للعاطل حيث إرتفعت أرقامها في تزايد مخيف ، كما أنها تعتبر السكن للمشردين بعدما باعوا لنا صناديق كأنها ثوابيت في وطن ماتبقى من  مساحته قصور وفيلات  مشيدة على ركام أحزاننا وآلامنا  ، كل المشاريع  في بلدي متمنيات وأحلام مؤجلة ،  وهلم جرا من الوعود التي لاتنتهي كالسراب الذي لن يروي الظمآن. لكن حقيقة الموت كمصير حتمي ساوى بين الجميع ، وهو محطة نهاية تستدعي منا جميعا كثير من التأمل.  لن تتاح لنا فرصة اختيار نهايتنا لكن بمقدورنا اختيار موقف واتجاه حياة تؤطره مبادئ وتصاحبها أخلاق. مسارك يغني عن سؤال نهايتك. مهما بلغت من الوجاهة فالموت مدركك ، في خضم هذا المرض  اللعين الذي يحصد المزيد من الأرواح حتى أصبحت في كل دقيقة وثانية يأتي خبر مغادرة هذا الكون  من طرف فلان أو فلانة .
ونحن جالسين بالمقهى في الشارع الرئيسي وبينما نحن  نتصفح مواقع التواصل الإجتماعي والذي احتلت فيه أخبار الوفيات مساحة مهمة يتبادل الناس فيها كلمات التعازي في فقدان حبيب أو قريب غادرنا إلى دار البقاء  تقطع حبل تفكيرنا ومتابعتها أصوات مدوية لسيارات الإسعاف تارة و لنقل الأموات تارة أخرى . أمر مثير أن نعيش فترة عصيبة نتنازع فيها بين حب الحياة والبقاء وبين الموت التي تترصدنا  من  كل جانب.
 2020 سنة حطمت كل الأرقام. بالعدد وبقيمة الرموز التي فارقتنا وكأنها تودعنا في زمن ليس بزمانها . كل منارات الفكر هجرتنا لغير رجعة وهي تتركنا لعتمة لم نجد لها ضياء. أتساءل مع نفسي في كثير من الأوقات هل بمغادرة رموز  جيل بالكامل نعلن نهايته ؟
 كل الذكريات التي تحيى فينا  لفترة وجيزة غياب شخصية معينة نقدرها ونحترمها كما أنها  تذكي فينا لوعة الفراق. 
في عز الأزمة تظهر معادن الرجال ، لن ننتظر من يوقف قدر الموت لكن من حقنا أن نموت ونحن نتمتع بشيء من الكرامة ،لا أن نهرب من غرق البحر فنلقي بأنفسنا تحت عجلات المذلة والهوان.  كثير من الشخوص السياسية التي خذلتنا حين رفعنا الرهان حولها بحسن نية وسوء تقدير لم نجن من وراء ذلك سوى الخيبات وكثير من الإحباط. 
حين سالت ذات مرة  دموع رئيس الحكومة في قبة البرلمان تنعي لنا موت عدد كبير دفعة واحدة من المغاربة  بسبب كوفيد 19 قدرت في الرجل حسه المرهف وعاطفته الجياشة اتجاه الموتى "الروح عزيزةعند الله " لكن أيقنت أنها لحظة اعتراف بعجز مسؤول غير قادر عن الوفاء بالتزاماته اتجاه حماية حياتنا اليومية وأننا بعد حفظ الله للأرواح وأجلها المسطور في علم الغيب لانملك سوى الدعاء أمام حكومة تريد القضاء على الفيروس بأقل الأدوات وكثير من الإحتراز والدعاء دون أن تقف على حقيقة تراكم الخيبات في وطننا العزيز التي وسعت الهوة بين كل المكونات. لانشكك في النوايا لكن لانقبل بأقوال ووعود تقتل فينا الإحساس بالوطن كما أنها لايمكن أن تلعب على عواطفنا بعدما تآكل الإحساس من كثرة المناورات ومطاردة السراب. 
الحصيلة من الموتى والمصابين صادمة ومؤشراتها في تصاعد مخيف فمادمنا غير قادرين على توفير شروط صحية تتوافق مع وضعنا الإجتماعي فعلى الأقل تحلوا بقدر من السلوكات المؤطرة والقادرة على رفع معنويات الناس واحساسها بالمواطنة. كنا ننتظر سياسة تقشفية تتناسب مع وضعنا المتأزم وترسخ ثقافة التضامن من خلال ترشيد النفقات. فمادام رئيس الحكومة أوقف التوظيف والترقية وكل مايحفز أو يمتص ويخفف من جحافل المعطلين المتزايد  فلانقبل توزيع الكعكة والإبقاء على نفس الامتيازات وكأن الوضع عادي. 
سيدي الرئيس... !  
 لانريد دموعك ولا عبراتك وعباراتك ،  بقدر مانريد كفاءتك  في تدبير ملفات شائكة والتي يبدو أنك تسجل فيها غيابا وعجزا ملحوظين.