الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الوادي: في تضاؤل منسوب الأمل.. لم نعد قادرين على كل هذه الخيبات

محمد الوادي: في تضاؤل منسوب الأمل.. لم نعد قادرين على كل هذه الخيبات محمد الوادي

1- العشق الممنوع:

لم نعد قادرين على عدِّ عدَدِ الخيبات التي أصبحنا فريستها.. سجناءها.. وَجْبَتُها اليومية.. لقد أدْمَنتْنا شراباً وأكلاً وهواءً وعشقاً. كيف اهتدت إلينا؟ من دلَّها علينا؟ لم نطلبها عشيقة، ولا رغبناها رفيقة، ولا تليق بنا، ولا نليق بها. كان خيارنا وهدفنا وحلمنا، كأفراد وشعب وأمة، هو طريق النجاح.. سبيل الوصول إلى القمم. ماذا حدث؟ ولم حدث؟ وكيف حدث؟ سؤال يقودنا إلى آخر، والأجوبة كثيرة ومتعددة.

هكذا وقعنا ضحية في شباك حب الخيبات الجنوني الآثم.. حب من طرف واحد.. حب سادي، والحب السّادي يقود إلى الكارثة، فقد رسمت على وجوهنا الكادحة ندوبها الغائرة، وضربتنا بقوة في ممكن القتل، وأدمت قلوبنا المكلومة.. المكسورة، وعبثت بأرواحنا ونفوسنا المأسورة.

 

2- طواحين الهواء:

لم نعد قادرين على عدِّ عدَدِ الإخفاقات رغم أننا نقاوم بشكل دونكيشوطي، ونحارب طواحين الهواء التي تتوالد وتتناسل وتنبت بيننا كالفطائر وتطحننا بلا رحمة ولا شفقة. قبل فجر الاستقلال (هل كان فجراً حقاً؟) حلم أجدادنا وهم يحاربون العدو، بل الأعداء بصيغة الجمع (المستعمر والخونة والمنافقين...) بجِنان لنا، وبعيش كريم، وبمستقبل زاهر، وبوطن حر أَبِيٍّ. لم يتخيلوا يوماً أن الحلم يبقى حلماً، وأن أبناءهم وأحفادهم لن يُسمَح لهم حتى بالحق في الحلم فكيف بالحق في العيش الكريم، وبحق التعبير، وبحق الصحة، وبحق التعليم، وبحق.. وبحق... لو انبعث أجدادنا وقاموا من قبورهم ورأوا مقدار المسخ الذي أصابنا، والذل الذي نعيشه، و"الحكرة" التي تلاحقنا، والفاقة التي نعيشها، وسياسات التعتيم والتخويف والتجهيل، وأساليب المراوغة والتسويف والتلفيق والتدليس، وأنواع الحقد والغل والحسد. ماذا لو عرفوا أن خيرات البلاد ومقدراتها وثرواتها لا يستفيد منها أبناؤهم وأحفادهم، وأن الماء يُشتَرى، والقبلة تُكترى، وكل شيء له مقدار وثمن؟ ماذا سيكون الموقف لو طل الأجداد بنظّارات مجهرية على حالنا البئيس، ومآلنا الذي لا يسر العدو، وضنك عيشنا، وقهرنا، وفقرنا، وجهلنا... لماتوا من جديد، حسرة وندماً، على دمائهم الطاهرة التي ذهبت سدى، وعلى كل التضحيات التي بدلوها من أجلنا.. ومن أجل وطن أرادوه مزهراً.. يانعاً.. متحضراً.. ومتقدماً؟؟؟

 

3- تفهاء فوق منصة التتويج:

لم نعد قادرين على تقبل هذا العبث الذي يخلقه ويرعاه الأغبياء، والجهلة، وعديمو الضمير، ومصاصو الدماء، والعبثيون (العبث ليس بالمفهوم المسرحي) وصُنّاع التفاهة وأمجادها وبروجها وحراسها. لقد طفح الكيل، ولم يعد في الصدر متّسع. لقد انفرط زمن الحكمة، وزمن التروي، وزمن إعمال الفكر. لقد سقط القناع عن القناع كما قال شاعر القضية الفلسطينية الراحل محمود درويش يوم كان للقضية الفلسطينية مدافعون وشعراء وعرب صادقون، قبل أن تباع في المزاد العلني. آن الأوان، على الأقل، لرفض التفاهة، وتصنيفها اجتماعياً وأدبياً وسلوكياً كتفاهة. آن الأوان لتحديد ملامح التافهين وتعريفهم وإظهارهم في المرآة العاكسة، وكشفهم أمام المجتمع كتافهين، ورعاة التفاهة.

لم نعد قادرين على زعامة الدجالين، والسحرة، والفساق، والخونة للضمير والوطن والناس الذين اعتلوا منصات التتويج، وأصبحت لهم الكلمة المسموعة والمشورة، والرأي المتبع، والقرارات الفاصلة، كل ذلك على حساب النخب، والكفاءات التي تحولت، بقدرة قادر، إلى قردة في السيرك، يُسخَر من عِلمِها وفنها وثقافتها وحبها الحقيقي للوطن.

 

4- الأسئلة الحارقة:

لم نعد قادرين على كل هذه التكالبات، والانبطاحات والمؤامرات، والخنوع والخضوع، والتواطؤات، ضد الوطن، وضد الفكر والفن والثقافة، وضد الجمال والذوق، وضد العقل والأخلاق العامة، وضد الرقي والازدهار والحضارة، وضد صناع الأمل، وضد الشرفاء من أبناء هذا الوطن. ونحن -الآن هنا- كما تقول الاحتفالية نمتص، على مضض، سُمَّ الأفاعي التافهة، هل نستطيع أن نجيب، بعد بضع سنوات، على الأسئلة الحارقة والصميمية التي سيلقيها علينا أطفالنا: ماذا صنعتم لنا؟ لم بلدان كثيرة متقدمة، وبلدنا في الحضيض يئن تحت وطأة التخلف؟ لم كرّستُم الجهل والأمية والفقر والظلم والتفاهة،...؟؟؟ لِمَ لَمْ توفروا لنا تعليماً جيداً، وصحة سليمة، وحياة كريمة، وعيشاً شريفاً، ومستقبلاً واعداً؟؟؟  وتتعدد أسئلتهم التي تشكلها عقولهم، ولا نستطيع أن نقول لهم: كنا مكتوفي الأيدي، مشلولي الفكر، مسلوبي الإرادة. كنا مثلكم نحلم بما تعلمون به، وكان القيمون على شؤوننا لا يهمهم الوطن.. ولا أبناء الوطن.. ولا مستقبل الوطن.. كان فقط، وبشكل حصري، تهمهم خيرات الوطن، وثرواته، والكراسي والمناصب،... لن نستطيع أن نقول لهم هذا لأنهم سيقولون لنا: الأجداد ضحوا من أجلكم بالمال والأرواح والدماء، وأنتم بماذا ضحيتم في سبيلنا؟

 

5- المرايا العاكسة:

 لم  نعد قادرين على النظر في المرآة.. أصبحنا مخيفين في شكلنا.. وفي نوايانا.. وفي دواخلنا.. كل المرايا تظهر عيوبنا وتشوهاتنا الخِلقية والخُلقية.. أصبحنا مكشوفين أمام المرايا العاكسة، والأجيال التي تحاصرنا بأسئلتها الآنية والمؤجلة.. أسئلة العتاب واللوم.. الأسئلة الفعلية والحقيقية والوجيهة.

 

6- عيون بسِعة الحلم والدنيا:

لم نعد قادرين على النظر في عيون أطفالنا المتحدية والمستفزة.. المباشرة والمشفرة.. البريئة والناضجة... المشكلة لكل علامات الاستفهام والتعجب، والمحملة بثقل الزمن والجغرافيا. عيون تتطلع لمستقبل زاهر، لكن يتم تدمير كل جميل.. وقتل كل مبادرة.. وحجب كل الآفاق.. واغتيال كل الأحلام...

 

7- صناعة الخوف:

لم نعد قادرين على المشي في الشارع العام مخافة أن يصيبنا سيف، أو سكين، أو حجر طائش، أو مقصود -مع سبق الإصرار والترصد-. وحين نسير، كرهاً، نسير خلسة نلتفت يمنة ويسرة، ونحن نقرأ، في سِرِّنا، آية الكرسي، والمعوذتين، وكل الآيات التي تٌبعِد المكروه. أصبحت شوارعنا وأزقتنا وأماكننا تعج باللصوص والمخمرين، وقطاع الطرق، و"المقرقبين". لقد أصبحت الحبوب الملموسة توزع نهاراً جهاراً (على عينك يابن عدي). شوارع قاتلة.. رهيبة.. مخيفة.

 

8- لعب الدراري:

لم نعد قادرين على تحمل لعبتكم الصبيانية.. البئيسة.. المملة... في السياسة والإعلام والثقافة والصحة والتعليم...

كثيراً ما سلّمْنا- تجاوزاً- بوعودكم في العديد من المحطات، وفي كل مرة، مع كل حدث، كنا نقول قد يكون الوعد هذه المرة صادقاً. كنا نكذب على أنفسنا ونفتح ثقباً صغيراً للأمل، قد يتسع مع الزمن. كنا نحلم كالأطفال وهم يترقبون حلول العيد الذي يأتي ومعه الملابس الجديدة والحلوى واللُّعَب المسلية. كنا مرغمين، في العديد من المراحل الفارقة، على الحلم وتصديقه، لأننا نعيش بالأمل رغم الألم. نؤمن بالإيجابية والتفاؤل، وبالقول المأثور: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" وجعلنا للأمل فسحات ومساحات ومسافات، وأفرشنا له المطايا في القلوب والنفوس، وأنزلناه المنزلة العظمى، لكن كُلّما كَبُر أملُنا كُلّما كَبُرَ تيئيسكم لنا أضعافاً مضاعفة، حتى يتقلص حلمنا، وتضيق فسحته، وينكمش ويتضاءل ويتقزم أمام سلطة التشاؤم وسطوته. هي لعبة القط والفأر، وشد الحبل، ولم ينتصر الأمل ولو في جولة واحدة لحد الآن. ولن ينتصر ما دامت خريطة تَنفُّسِه هي رقعة شطرنج يتحكم فيها حراس التفاهة.

 

 9- الإعلام قاطرة تجر كل عربات تكريس الواقع البئيس:

لم نعد قادرين على استقبال الصور ومضامينها المكشوفة والمبطنة المتدفقة شلالات من شاشاتكم الإعلامية الإعدامية، وعبر أثير محطات إذاعاتكم، ومواقعكم الإلكترونية، وصحفكم المستأجرة والمسيسة. إنها صور المسخ والتضبيع والتدجين والسلب للقدرات العقلية والإبداعية. لقد استنسختم بها شرائح اجتماعية بلا ملامح.. بلا فكر.. بلا رأي.. بلا أخلاق... شرائح هائمة تائهة ضائعة تابعة، مسلوبة التمييز، خائرة القوة، تعترض على البديهي، وتوافق على المبهم والغامض والإشكالي من غير تساؤل. رأي عام مشوه صنعته ثقافة تافهة، ترفع شعار حب الوطن بالتهريج والشعوذة حتى أصبحت ديدن مجتمع بأكمله يميل ميل الغالب، وتقلده بشكل أعمى وأصم وأبكم، حتى أصبح اللهو، والمجون، والنفاق، والكذب، والتدليس، والتفاهة،... سمة السواد الأعظم، والذي لا يتقن هذه المهارات فهو نشاز ويغرد خارج السرب. هذه هي النتائج لصناعتكم المبهرة. نشهد لكم أنكم تفوقتم، وربحتم الرهان في أغلب الجولات، والتاريخ- بهذا المنطق- لا يعيد نفسه. بهذا الإعلام الذي خلط الأوراق وأعاد ترتيبها وفق أولويات خاصة تكونون قد حجبتم الحقائق، وغيرتم طبائع الخلائق، وأفسدتم النسل والحرث. لقد أبدعت في صناعة أشباه الرجال ولا رجال كما قال سيدنا علي بن أبي طالب.