الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

الدكتور حمضي: الوضعية مقلقة جدا وتجنب الانفلات الوبائي مازال ممكنا

الدكتور حمضي: الوضعية مقلقة جدا وتجنب الانفلات الوبائي مازال ممكنا الطيب حمضي

عن الوضعية الوبائية ببلادنا، معلومتان: واحدة سيئة والثانية جيدة. المعلومة السيئة: بلادنا تعرف حالة وبائية مقلقة من حيث تزايد عدد الإصابات، وتسارع الوباء، وارتفاع الحالات التي تتطلب الإنعاش، وارتفاع الوفيات، وقرب تجاوز المنظومة الصحية. المعلومة الجيدة: لازال بإمكاننا قلب المعادلة والتحكم في الوباء وخفض الإصابات والحالات الخطرة والوفيات.

والحل هو الاحتواء المزدوج: احتواء السلوكات الخاطئة لدى المواطنين، بالموازاة مع احتواء مشاكل المنظومة الصحية.

مادا يقع؟ أسبابه؟ خطر استمرار نفس الأسباب؟ ما العمل لتجنب الأسوأ؟

الوضعية الوبائية ببلادنا جد مقلقة، ومظاهرها:

1. الارتفاع اليومي للحالات الجديدة المكتشفة

2.ارتفاع معدل التكاثر وانتشار العدوى « R0 »

3.ارتفاع معدل النتائج الإيجابية من مجموع التحاليل اليومية: من أصل ما بين 100 و 200 تحليلة كانت واحدة إيجابية، أصبحنا اليوم نجد نتيجة إصابة في كل 10 إلى 20 كثافة فقط.

4.ارتفاع الحالات الخطيرة التي تلج يوميا بأقسام الإنعاش.

5.انخفاض قدرة المنظومة الصحية على التكفل بالحالات المرضية.

6.ارتفاع عدد الوفيات اليومية.

أسباب تعقد الحالة الوبائية:

 

هناك عدة أسباب لهده الوضعية أهمها سببان اثنان:

1-عدم احترام أو الالتفاف على الإجراءات الحاجزية والارشادات الصحية وقرارات السلطات الترابية.

2-تأخر الكشف عن الحالات الجديدة وعزلها والبحث عن المخالطين.

▪سببان كل واحد منهما يعقد الآخر أكثر:

- كلما لم نحترم الإرشادات، تتعاظم الحالات الجديدة أكثر ويتعاظم عدد المخالطين، ومن ثم تعجز المنظومة الصحية أكثر وأكثر عن ضبط الوضعية ونتأخر أكثر فأكثر في الوصول للحالات الجديدة ...

- وكل ما تأخر الكشف السريع تتكاثر الحالات ... وهده الحلقة كل يوما تزداد تعقيدا والسببان يعقدان بعضهما البعض، ويصعب حلها.

▪عدم احترام الإجراءات الحاجزية:

مند البدء في رفع الحجر الصحي نبهنا ونبه غيرنا لخطورة الأمر ونبهنا انه بعد 8 أسابيع من الرفع ستتعقد الحالة الوبائية وسندخل منطق زوابع. ونبهنا أسابيع قبل عيد الأضحى إلى خطورة السلوكات التي تسبق وترافق العيد، وهو ما أدى لزيادة خطورة الوضع بتفشي الوباء ونقله من مدن أدى إلى نسب عالية من التفشي إلى مدن صغيرة قليلة التفشي بل نقلها من المدن إلى البوادي.

▪المنظومة تتأخر أكثر في الكشف عن الحالات الجديدة، بسب مشاكل في المنظومة في عدد من المناطق، أو في المواطنين أنفسهم الدين يتأخرون لعدة أسباب في التقدم للفحص والخضوع للكشف. علما ان كل الدراسات تؤكد على ضرورة الكشف السريع عن كل الحالات المشتبه فيها بأقصى سرعة من اجل عزل المصابين والتكفل بهم والبحث عن مخالطيهم وفحصهم وعزلهم. هده هي الطريقة الوحيدة الناجعة للتحكم في الوباء.

 

-أسباب ارتفاع عدد الحالات الخطرة بأقسام الإنعاش وعدد الوفيات:

1.كل ما كانت هناك حالات كوفيد 19 أكثر كل ما كانت هناك حالات خطرة ووفيات أكثر، هده نتيجة رياضية بعلاقة مع نسبة الإماتة المتعلقة بالوباء.

2.كل ما تأخر الكشف، كل ما تأخر التكفل بالمرضى، كل ما وصل المصابون إلى المستشفيات في حالات مرضية بخطورة متقدمة وحالات حرجة بأقسام الإنعاش بعد فوات الأوان. 20℅ من الوفيات بقسم الإنعاش بالدار البيضاء تحدث في الساعات الأولى للوصول للمستشفى.

3.ارتفاع الحالات الخطرة والوفيات له علاقة كذلك - وهو مؤشر- على أن عدد حالات كوفيد 19 المسجلة فعليا ببلادنا هي أكبر من الحالات التي تتمكن المنظومة الصحية من كشفها يوميا.

 

هل ما زال بالإمكان التدخل لتغيير مسار الوضع؟

مهمة الطب والمنظومة الصحية هي التدخل مهما كان الوضع من اجل تحسين الأوضاع والتخفيف من الخسائر. هده مسئوليتهما.

في بلادنا ما يقلق أكثر ليس فقط ازدياد الحالات، لكن هو استمرار نفس الأسباب التي أدت لهده الوضعية وسيؤدي استمرار الأسباب إلى تعقد أكبر للحالة الوبائية.

لكن يمكن الجزم اليوم انه لازال بإمكاننا وبإمكان بلادنا ان تقلب المعادلة إذا قمنا بالتغييرات الضرورية:

1.الحقيقة الثابتة والتي لا يمكن تجاوزها مطلقا هي انه بدون احترام الإجراءات الحاجزية لا يمكن مطلقا التحكم في الوباء مهما فعلنا في غياب اللقاح الفعال وفي متناول الجميع.

2.الحقيقة الثابتة الثانية هي انه باحترام شامل وكامل للإجراءات الحاجزية يمكننا نقص تفشي الوباء ومساعدة المنظومة الصحية على استرجاع توازنها وتحكمها في المعركة.

3.الحقيقة الثالثة هي أن الوقت الذي لازال بأيدينا لقلب الوضعية من سيئة لحسنة، وقت محدود جدا في عدد قليل من الأيام أو الأسابيع، بعد دلك مهما فعلنا سيكون هدفنا هو فقط تحويل وضعية سيئة إلى وضعية أقل سوءا، في انتظار الدخول في موجة ثانية أكثر تعقيدا.

 

ما هي الإجراءات التي يتوجب القيام بها لتغيير الوضع والتحكم في الوباء؟

الاحتواء المزدوج: احتواء السلوكات الخاطئة لدى المواطنين واحتواء مشاكل المنظومة الصحية.

1.الأقنعة الواقية تساهم في خفض احتمال الإصابة بسبع مرات.

2.التباعد الجسدي: التباعد متر واحد يخفض الخطر بأربع مرات وكل ما أضفنا متر نضاعف الحماية.

3.التباعد الاجتماعي: الامتناع عن الأنشطة والمناسبات الاجتماعية والإسفار والتنقلات غير الضرورية.

4.الماء والصابون والمطهرات.

5.تجنب الازدحام.

6.لا تهاون مع احترام الإجراءات داخل الأماكن المغلقة، وتهويتها وتحديد عدد مرتاديها: الإصابة بالأماكن المغلقة تساوي عشرون مرة أكثر من الأماكن المفتوحة.

7.توسيع عدد الفحوصات اليومية ونتحدث عن الفحوصات ب RT-PCR شراء أعداد مهمة وأجهزة جديدة وفتح مختبرات جديدة.

8.تسريع الفحوصات والإعلان عن النتائج وعزل المصابين وتحديد المخالطين. الاستعانة بأطباء القطاع الخاص لتعزيز منظومة الكشف والمتابعة والتكفل ودمجهم في المجهود الوطني لتسريع المسلسل وتكسير سلاسل العدوى.

9.توسيع تحميل واستعمال تطبيق وقايتنا واجباريته في عدد من الأماكن والأنشطة والحالات.

10.تركيز الفحوصات أساسا حول المواطنين الدين يعانون من أعراض كوفيد 19 أو الأعراض المشابهة، والمخالطين.

11.تمكين كل مواطن يعاني من الأعراض من إجراء الفحص والكشف في نفس اليوم والإعلان عن النتيجة في أقرب وقت: دراسة هولندية: بين ظهور أول عارض والإعلان عن نتيجة الكشف – أقل من 48 ساعة- يحدد مصير التحكم في الوباء.

12.الذهاب نحو المواطنين للكشف عوض انتظارهم في مختبرات المستشفيات. إقامة خيام لأخذ العينات بأهم الأحياء والمراكز.

13.عزل المصابين ومتابعتهم داخل منازلهم، كل المصابين بأعراض أو بدون أعراض، باستثناء الحالات التي لها عوامل اختطار. والهدف الأساسي هو تشجيع كل المواطنين الدين تظهر لديهم إعراض على عرض أنفسهم على الفحص من اجل تكسير سلاسل العدوى. شخص يعرف انه مصاب بكوفيد هو اقل خطرا بأضعاف مضاعفة من شخص مريض ولا يعرف انه مصاب بكوفيد19.

14.ويمكن كاقتراح عملي عند تعذر توفير الفحوصات لجميع من تظهر عليهم الإعراض العمل على عزلهم داخل المنازل وتتبعهم لمدة 10 أيام وتتبع مخالطيهم.

15.الإجراءات الترابية كالحجر المحلي وعزل المناطق وإغلاق الفضاءات وتحديد التحركات: لها أهمية كبيرة جدا في المساعدة في التحكم في تطور الوباء رغم ثمنها الغالي اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا. يمكن تفاديها بالاحتواء المزدوج، وفي كل الأحوال إذا لم يتم حل أسباب المشاكل فان الإجراءات الترابية تذهب نتائجها وفوائدها سدى عند رفعها. هي تعطي الفرصة لحل الإشكالات الطبية والصحية ولا تقوم مقامها.

16.دخول المجتمع المدني على خط التوعية والتحسيس لدى المواطنين بشكل يومي وقوي.

17.توفير اللقاح ضد الانفلونزا الموسمية لأكبر عدد من الفئات الاجتماعية والمهنية المستهدفة لخفض خطورة تلاقي الوبائين معا: كوفيد 19 والانفلونزا الموسمية لتجنب وفيات أكثر، وإرهاق المنظومة أكثر، وضياع عدة الكشف بسبب تشابه أعراض المرضين.

18.التحاور مع المهنيين من اجل إدماجهم في رسم السياسات واتخاذ القرارات عوض الاملاءات من أجل التنفيذ فقط، مع تصفية الأجواء بين الإدارة والمهنيين والنقابات من اجل خلق جو تعبئة عامة في هده المرحلة الحرجة. وتكليف لجنة وطنية داخل وزارة الصحة مكونة من الإدارة وممثلي النقابات والمهنيين هدفها الوساطة وحل المشاكل المستعجلة وتلطيف الأجواء بالأقاليم والمدن وتحفيز الأطر على العمل والتعاون من اجل مصلحة عليا تتعدى المشاكل والعراقيل المحلية.

تكييف الخطاب التواصلي

1.توجيه الخطاب التواصلي نحو الشباب: اليوم اغلب المصابين بالمرض هم شباب في العالم وفي المغرب:

أ- اليوم ازيد من 20٪ من المصابين في الإنعاش هم شباب بدون أي عوامل اختطار.

ب- ثلثي المصابين في كندا مثلا هم شباب وثلثهم يرقد بالمستشفيات.

ج- في سنة 1918 خلال جائحة الانفلونزا الاسبانية التي قتلت ما بين 50 و80 مليون نسمة في عالم لم يكن سكانه قد وصلوا مليار واحد إلا بعد سنوات، في بداية الجائحة كان الوباء خفيفا و كان المرض يقتل الأطفال الصغار وكبار السن، وفي الموجة الثانية التي قتلت العدد الأكبر من الضحايا كان الشباب هم حطب الجائحة.

اليوم الشباب لهم مسؤولية مجتمعية كبيرة تعطيهم الدور الطلائعي ليس فقط في حماية بلدهم، بل كذلك في حماية انفسهم وعائلاتهم .

2.كوفيد 19 لا يقتل فقط المشاهير والأغنياء بل بالعكس يصيب أكثر الفئات الهشة والأقليات والفقراء ويقتل هده الفئات أكثر: في الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت الدراسات أن كوفيد 19 يصيب المواطنين السود ثلاث مرات أكثر من البيض بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية. في ولاية ميشيغان أظهرت دراسة أن 40٪ من الوفيات هم من السود الدين لا يشكلون إلا 14٪ من سكان الولاية. في دراسة بريطانية كوفيد يقتل مرتين أكثر في الأحياء الفقيرة. نفس النتائج في دراسة فرنسية.

3.الإجراءات الوقائية هي حليفتنا نحو السلامة وحليفتنا نحو حياة شبه طبيعية وليست عائقا: إذا احترمنا وطبقنا الإجراءات الحاجزية من الممكن أن يبقى الاقتصاد مفتوحا، ونحافظ على مناصب الشغل، وتبقى الأسواق مفتوحة والمطاعم مفتوحة، والحالة الوبائية متحكم فيها، شريطة الالتزام بهده الإجراءات. بدونها ستغلق هده الفضاءات ونحرم من كل شيء وعدد الموتى يرتفع كل يوم.

4.شرح السيناريوهات الحقيقية المخيفة من الوفيات والخسارات الاقتصادية والإغلاق والعزل التي تنتظرنا في حال الانفلات الوبائي.

5.تنظيم برامج حوارية وتوعوية تجيب عن كل تساؤلات المواطنين وتخوفاتهم وشكوكهم وفتح عاينهم على ما يقع وما قد يقع، وعدم الاكتفاء بأخبار الوباء والتعليمات والإرشادات رغم أهميتها.

6.تجنب سياسة كل شيء أو لا شيء La loi de tout ou rien

لدى المواطنين والمقاولات والمؤسسات: أما مواطنون يحترمون كل شيء أو لا يحترمون أي شيء.

ولدى المنظومة أما إجراءات تؤدي لنتائج مضمونة كليا ولو مع فئة قليلة أو لا شيء مع الباقي.

الطيب حمضي، طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية