الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد العالي بلقايد: دفاعا عن التراث.. ومنه الرقص

عبد العالي بلقايد: دفاعا عن التراث.. ومنه الرقص عبد العالي بلقايد
سئلت الحاجة الحمداوية عن أغلى أمانيها، فقالت: "أحب أن أموت فوق خشبة المسرح"، فاللافت في تصريح الفنانة الحاجة الحمداوية، هو افتنانها بفنها وتعلقها به إلى الرمق الأخير من الحياة، ولا ترى عنه بديلا.
فهي عبرت بعفوية وبلهجة صادمة للنموذج الأخلاقي الذي ينصح بالإقلاع عن الغناء أو الرقص بلغة  التحريم، وبلغة التوبة. 
إن الحاجة الحمداوية عبرت بلهجة فيها خلق شروط الاصطدام مع النموذج الأخلاقي دونما حاجة إلى شعارات، أو لغة منبرية تدبج بها كلامها.
 
الراقصة "مايا" هي كذلك اختارت الرقص، الذي هو التعبير الفني بالجسد، والفن لا يقاس بالمعيار الأخلاقي، ولا بالمعيار السياسي، فإذا خضع لهذه المعايير لم يبقى فنا بل أصبح شيئا أخر غير الفن.
إذا كان الرقص تعبير فني بلغة الجسد، فلا يحق لأحد أن يسعى لإخضاع الجسد لقواعد أخلاقية.
وحين يحصل، وهو قد حصل، نكون إزاء حساسية في المعاني تسعى لإخضاع الناس لضوابط و إخضاعهم لها، ليسهل اعتقال لا الجسد فقط، بل أحاسيس التعبير البشري ضمن فهم محدد للعالم وأشيائه.
 
لو صدر الأمر عن ناقد في الرقص عما صدر من عمل من الراقصة "مايا" لكنا مسرورين ببزوغ صوت من الفعالية النقدية  نهض من غفوته للتعاطي مع الإنتاجات الفنية.
 
قد يقول قائل بأن ما تقدم "مايا" مبتدل، هذا في نظرنا معالجة أخلاقية وليست فنية، فرغم أن "مايا" تستعمل جزءا من جسدها ذا حساسية في متخيلنا. فالراجح أن تمثلاتنا هي التي نحاكم من خلالها هذا الفن، وليست أحكاما مبنية على مقاييس فنية، وهذا خطر داهم تغذيه حساسية فكرية، لغاية تقويض الفن والفكر أحد الركائز الأساسية لكل نهضة.
(المهدي بن تومرت ذي النزوع الشيعي لكي يحشد حوله الأتباع شن حربا على الموسيقى والغناء لغاية الإستيلاء على العقول).
 
إن الرقص كفعالية فنية، والتراث الشعبي، بشكل عام لم يحظى بمقاربات ودراسات علمية جادة تروم معالجته معالجة ضمن مشروع فكري حداثي باستثناء ما قام به الخطيبي، أو  ما يقوم به محمد عيدون على المستوى الموسيقي، أو الأستاذ الجيراري، أو قلة من النقاد الشباب. 
لا زالت جامعتنا بعيدة عن إشكالية التراث الشعبي، ولازالت البحوث في هذا المجال قليلة، بالمقارنة مع جارتنا الجزائر التي شرعت في هذا المشروع منذ الستينات، وهذا بفضل الأساتذة الموجودين بها. 
 والآن تشن الجزائر حربا معلنة وخفية على المغرب من خلال السعي إلى امتلاك وتملك هذا التراث، إن على مستوى الصناعة التقليدية، أو الغناء، أو القفطان، أو الشربيل... الحروب القادمة هي بالأساس سبمنتيكية، ومعرفية، وليست شيئا أخر.