الثلاثاء 19 مارس 2024
فن وثقافة

حمادة الرحامنة.. تقاطع ثقافة الصحراء مع سوس والحوز

حمادة الرحامنة.. تقاطع ثقافة الصحراء مع سوس والحوز أمينة الرمحاوي وسهام الرجراجي ومشهد من رقصة حمادة الرحامنة

يعتبر الترافع عن الموروث الثقافي الشعبي بمنطقة الرحامنة قضية وملفا آنيا لا يتطلب التأجيل، خصوصا لما يتعلق الأمر بلون فني نابع من الأصول وله جذور وامتدادات تاريخية وحضارية وثقافية وإنسانية… لذلك تغوص مجموعة البحث من منطقة الرحامنة (سهام الرجراجي وأمينة الرمحاني)، بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، في كنه "ذخيرة وذاكرة المغاربة"، وتسلط مزيدا من كشافات الضوء على جواهرنا "المنسية" و"المعرضة للانقراض"، والتي تعكس كنوز الوطن الذي راكم الكثير من التنوع على مستوى الفنون الشعبية لتحصين وجوده/ الذات/ الجماعة...

"أنفاس بريس" تستمر في التعاطي مع منسوب كتابات ثلة من أبناء عاصمة الرحامنة لتوثيق ذاكرة مجموعة حمادة الممتدة جذورها وروابطها من الرحامنة إلى القبائل الصحراوية.

 

لم تكن الرحامنة منزوية في المكان، بل جائلة غير مقيدة بحيز محدود، لذلك رسمت حركة امتدت في صحراء تافيلالت وفجاج سوس، ولم تكن صحراء الساحل موطن عبور، بل موطنا خلقت به معاني ودلالات ومجالا للكسب بالتجارة، والزراعة وتربية الأنعام.

إن حوافز الكسب وأشياء أخرى جعلتهم ينتشرون بموريتانيا ويستوطنونها، بل كان العمق الإفريقي حتى مالي والنيجر، مجالا لتعاملهم التجاري، وتفاعلهم مع الأفارقة والتواصل روحيا ودينيا، وهم العنصر الجعفري المتشبع بالشرع.

لم يتردد الرحامنة في تهيئ الشروط الملائمة لقيام حركة الجهاد التي سيقودها السعديون ضد البرتغال حين حطموا تجارتهم التي كانوا فيها وسطاء بين أوروبا وإفريقيا، فثراء الرحامنة جعلهم يجهزون الجزء اليسير من حملة السعديين ضد البرتغال، التي كانت سوس أحد نقط انطلاقها، وهنا ستكون فرصة ثانية للتواصل مع ثقافة سوس التي لم تكن غريبة عن عرب بني معقل، وعن كافة العنصر العربي، فلبروز ثقافة السوس وقوتها سمي بنو معقل بعرب سوس.

في مرحلة معينة، كما أثمر تفاعل الحساسية الإفريقية، و الأمازيغية و العربية الكثير من الألوان الثقافية والموسيقية، أثمر كذلك حمادة الذي هو فن أراد به بنو معقل الجعفريون مدح الرسول عليه الصلاة والسلام ، على منوال والطريقة التي كانوا يفعلون بصحراء الساحل عبر موسيقى البيضان.

 

لذلك كان فن حمادة وسيبقى فن منذور لهذه الوظيفة المخصوصة، وفي إطار البحث في هذا الفن الذي نقول بأنه مجهود مكمل لما قام به ويقوم به مجموعة من الباحثين سواء في مهرجان "روابط" بالرحامنة، أو فعاليات ثقافية أخرى، استنتجنا كمجموعة بحث ما يلي :

 

ـ فن حمادة هو فن رجالي بالدرجة الأولى، رغم أن النساء يشاركن الرجال في الغناء والرقص وترديد اللازمة الغنائية

 إن فن حمادة هو كذلك، أي أنه فن رجالي رغم أن النساء يتواجدن في الحفل/المناسبة بعدد كبير، إلا أن دورهن يقتصر على ترديد اللازمة فقط، في حين أن الرجال هم من يقومون بترديد السرابة كاملة. عكس فن الكدرة الذي تكون فيه المرأة هي المحورية، وباقي الرجال يكملون معماري وهندسة الرقصة.

في سياق النبش وتدوين الشهادات أكدن بعض الرحمانيات أنهن كن يذهبن للأعراس ويلبسن (الملحفة) ويدخلن مع باقي الفتيات للمشاركة بالرقص وترديد اللازمة فقط، بمعنى أن ممارسة هذا الفن بالنسبة للنساء لا يتطلب مهارة كبيرة ، في حين أن(لحمامدي) ملزم بأن يكون ناظما يكتب (ينظم الكلام) الشعر الذي سيتغنى به الجميع أثناء الحفل، ويتقن بناء الإيقاع بالبندير، كما يتقن بناء صورا فرجوية بالجسد.

 

نموذج قصائد حمادة بالرحامنة في الأعراس

(الله يهنيك يا الزين)

 الله يهنيك يا زين //  بغينا وجهك ما بغينا طمعية

الله يهنيك يا الزين //  مجدول لحرير شادو بكمية

الله يهنيك يا زين  //  شوف القبة مفرشة بالزربية

الله يهنيك يا زين //  هاد لوليد كاع نساهم ليا

الله يهنيك يا زين //  زرع الخواتم في إيديا

الله يهنيك يا زين //  شوف السلهام والبلغة رومية

الله يهنيك يا زين  //  حل القبة وحط الصينية

الله يهنيك يا زين  //  رآه الركيبي كاع نساهم لي

الله يهنيك يا زين //  بغينا وجهك ما بغينا طمعية

الله يهنيك يا زين //  هازين راية أو جايبين ليك هدية

الله يهنيك يا زين //  لقطيب حرير فوقو سبنية

 

حمادة معمار فني يقوم أساسه على الحساسية العربية، الأمازيغية، الإفريقية

هذا المنطلق لا داعي للبرهنة عليه، فما يجب فعله هو تقييم للمشروع، أو إبداء بعض الملاحظات حوله، من خلال سؤال:

ـ هل بالفعل استطعنا أن نوفر بعض البيانات للطلبة الباحثين في مجال الثقافة الشعبية، وخاصة بمنطقة الرحامنة بشكل خاص والحوز بشكل عام؟ (نعني بـ "الحوز" هو جهة الحوز كوحدة ترابية).

 

من المؤكد أن عشق هذا التراث تنتصب أمامه شح المعلومة، وعملية النبش فيه تنسي مجموعة البحث أوجاعها، وآلامها، وتحفزها على الكتابة فيه بشكل لا تدعي السبق أو الصرامة العلمية، ولكن هي مبادرة ما زالت في بدايتها تعد بإنتاج الكثير، مع تشجيع عائلات، وشباب متخصص في تحليل النصوص.

 

 من خلال هذه المادة التوثيقية سنحاول مقاربة نص شعري غنائي قامت بإعداده، الأستاذة أمينة الرمحاني كتابة، وبتحليله الطالبة سهام الرحراجي.

 

إن نوعية النص أو شكله وصورة الأغنية تبعا للمتعارف عليه عند شيوخ حمادة، أخذ شكل سرابة لاعتبار أنها تشغل مساحة كبيرة من حيث الطول مع تسجيل الملاحظات التالية:

ـ تتطرق إلى موضوع واحد هو الغزل، بالتقديم له بذكر الله والثناء على رسوله.

ـ شكل الأداء يتم على صورة البدايات، وإن حاد عنه في الكثير من الأشياء، فحسب المتداول فرقص حمادة يتم بطريقة مشابهة لـ "أحواش" الأمازيغية.

 

على مستوى هندسة الرقص الجماعي/العائلي، فشيخ حمادة يكون وسط صفين من النساء، واحد يكون أمامه والآخر خلفه، يلقي مقاطع سرابته أي الشيخ ( الحمامدي)، والصف الأمامي يردد اللازمة إلى أن يصل حيزا معينا، ليبدأ مع الصف الثاني نفس السيناريو بمقطع آخر من السرابة إلى أن ينتهي العرض.

 

ليست هناك شروط محددة في اللواتي، أو الذين سيعرضون رقصة حمادة، بل هي حق مشاع بين كل أفراد الجماعة، ففي هذه الرقصة يكون الرقص والمتعة جماعي حق يتمتع به الجميع.  لكن بالنسبة للشيخ يشترط فيه الدربة والدراية ، لأنه هو القائد/ المايسترو، يسير الرقص، كما يسير المجرى الذي يتخذه الغناء.

 

القائد/ لحمامدي هو مايسترو الجوقة المشاركة في الرقصة. وهو الناظم في الكثير من الأحيان، فشيوخ حمادة مزدوجي الأداء، مغنون وشعراء، وإن كانت هذه الميزة سائرة إلى زوال لغياب الرعيل الأول الذي كان يجيد نظم الشعر. فلم يبقى إلا الالتجاء إلى الماية الهوارية، وهي شبيهة بالبراويل في العيطة، فتصبح القطعة الموسيقية مفككة الأجزاء لا رابط بينها.

 

نموذج لقصيدة فن حمادة بالرحامنة

إيلا نموتوا آه

إيلا نعيشوا آه

رآه لعمر بيد الله

 

صلو على نبي آه

صلوا على نبي آه

أمحمد رسول الله

 

اللي عندو زين آه

اللي عندو زين آه

أخيي رآه الله عطاه

 

اللي عندو الويل آه

اللي عندو الويل آه

عندو موكا تدور حداه

البيضة لغزال آه

البيضة لغزال آه

كيف القمر مضوي في سماه

 

طاير غزال آه

طاير غزال آه

كيف البركي مسلحو مولاي...