الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

خمريش:حفريات تاريخية في ذاكرة جعيدان

خمريش:حفريات تاريخية في ذاكرة جعيدان محمد عزيز خمريش

بداية لا بد من الإشارة إلى أن عنوان هذه المقالة يحيل على منظومة التنقيب و الحفر و القراءة الاستنباطية و الاستخراجية للمؤسسات والوقائع التاريخية المحلية والإسهام في إزاحة طابع الجمود عنها لكي لا تتحول إلى مجرد رصيد متحفي أثري صامت ..

وهكذا فإن المقصود ب "اجعيدان " كمفهوم تراثي فن العيطة البجعدية وهي نداء فجائعي نضالي تحفيزي مستنهض للهمم ودعوة صارخة مفتوحة للدفاع عن الأعراض والأوطان، بل الأكثر من ذلك فهي تاريخ شعبي غير رسمي لأحداث وهزات عرفتها المنطقة، تتناوله إما بالتبجيل والتمجيد أو بالنقد اللاذع الممأسس.

استدعاء هذه الحمولة اللغوية التراثية في موضوع سياسي محض ، قد يتبادر إلى الذهن أنه مجرد ضرب من التعسف و محاولة للجمع بين نسقين متنافرين منهجيا و جوهريا إلى أبعد الحدود .

صحيح أن العملية تكتنفها صعوبات جمة و تحتاج إلى دراسات و أبحاث مستفيضة للتنقيب عن هذا الترابط و الذي نعتقد انه موجود عبر حقب تاريخية متباينة.

تتطلب إيقاعات اجعيدان طقوس خاصة منها الصوت الجهوري و إدماج الإيقاع الرخو بالإيقاع السريع و ضرورة صمت المدعوين في تفاعل كيميائي غريب . و دور الباحث هنا يماثل إلى حد ما وظيفة قاضي التحقيق مهمته استنطاق النصوص والأظناء .

تأسيسا على ذلك ، فعملية استنطاق النصوص التراثية تؤكد أنها تحمل دلالات ساخرة للفاعل السياسي المراد نقده ، كما تحمل معاني عميقة لموضوع الدراسة على اعتبار أن الغناء الشعبي وليد القهر و المعاناة فهو يختزل ذاكرة الشعوب ، نسوق على سبيل المثال لا الحصر :

" بوعبيد الشرقي مزوق لولاد "

بما يفيد أن مدينة أبي الجعد دار علم و صلاح و خلية لتفريخ النخب والأطر العليا و المفكرين ورجالات الدولة .

لقـــــواس مقابلا لقواس بوعبيد على ولادو عساس

هنا تتداخل البركة و الكرامات ، مما يعني أن الشيخ يوفر الحصانة الروحية و الحماية لأبنائه و حفدته و مريديه وأتباعه .

أبو عبيــــد أبو عبيــــد أنا فـــــي عـــــــار الله

ذلك الوالـــــــــــــــــي مايفرط فيـــــــــنا والي

و نحن إذ عنونا هذه الدراسة ب " حفريات تاريخية في ذاكرة اجعيدان " فإننا نقصد التاريخ السياسي المحلي ، و بقدر ما يتضمن هذا العنوان جانبا من الغرابة من حيث جمعه بين متغيرين فهو في الوقت ذاته – هذا هو الأهم - صيغة للتفكير و المسائلة ، فيما سميناه أدوارا وظيفية و تاريخية وسياسية لفن العيطة والتي من بين أهم تجلياتها أن لهذه الأغنية وقعها في حقل التحول السياسي و الاجتماعي هذه الأغنية التي تختزل بصيغة ( بجعدية ) ذاكرة ( غناية ) وأصنافها من أساليب التعاطي مع وقائع التاريخ صغيرة كانت أو كبيرة سواء بالتمجيد أو بالتحليل أو بالتهكم و السخرية و التحقير ، نستحضر بهذا الخصوص مقطوعات غنائية من تراث عبيدات الرمى التي تؤرخ للتزوير الانتخابي و التي تفضح أساليب تدخل الإدارة في تزييف إرادة الجماهير .

لاش حيدتو لفحل و درتو لكحـــــــــــــــل

أش غدي نديــــر فقضيــــة التزويــــــــر

ركبات لمواطـــــر خسرات لخوطـــــــــــر

جات الغواتـــــة داتهم بثلاثــــــــــــــــة

أش هاد الزمان حتى الصوت دار الثمن

لوحــــــــو لوراق راه الحال ضيـــــــــــــاق

لي فيه الدعــــــوي ايكون فالمجلس القروي

تدين هذه المقتطفات بشكل صارخ تدخل الإدارة في هندسة الخريطة السياسية ورداءة العمل السياسي بفرض بعض المرشحين ضدا على إرادة الجماهيـــــــــر ( حيدتو لفحل و درتو لكحل ) فالفحل يقصد به المرشح المحبوب الذي يتمتع بقاعدة شعبية ، بينما يقصد بكلمة ( لكحل ) الشخص المنبوذ و المعزول الذي تتدخل الإدارة لصالحه ، و تنصب كرها عن طريق التزوير و قرصنة صناديق الاقتراع . يقول الرامي في هذا الصدد.

ركبات لمواطر خسرات لخواطر

جات الغواتـــة داتهم بثلاثـــــــة

( المواطر ) يقصد بهم فيلق دراجي الدرك الملكي المرافقين لعامل الإقليم حيث تسخرهم الإدارة لسرقة صناديق الاقتراع و طبخ النتائج على المقاس أثناء الفرز بمقر العمالة لذا فظهورهم من بعيد يبعث على الخوف نظرا نواياهم السيئة.

أما الغواتة فهي سيارة الخدمة الخاصة برجال الدرك الملكي ( جيب ) المعروفة ( بالواشمة أو أصحاب الوقت ) .

ومن هذا المنطلق فالتراث الشعبي المحلي مادة دسمة و غنية يمكن توظيفها لدراسة تاريخ المؤسسات السياسية و الوقائع الاجتماعية

 

الدكتور محمد عزيز خمريش، أستاذ التعليم العالي جامعة الحسن الأول سطات