الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
فن وثقافة

الرمحاوي ترصد ملامح الطب الشعبي والزينة والتطبيب في الثقافة الشعبية الصحراوية بالرحامنة

الرمحاوي ترصد ملامح الطب الشعبي والزينة والتطبيب في الثقافة الشعبية الصحراوية بالرحامنة لأستاذة أمبنة الرمحاوي مع صورة إحدى بائعات الأعشاب الطبية الشعبية

بتنسيق متواصل وحثيث، مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، وثلة من الفعاليات الرحمانية داخل وخارج المغرب، تستمر سلسلة مقالاتنا التي تنشرها "أنفاس بريس" في موضوع متعدد الروافد والخصوصيات المتعلقة ب الموروث الثقافي الشعبي المادي واللامادي من خلال النبش في روابطه المجالية والحضارية والتاريخية بين الرحامنة والصحراء المغربية.

حلقة اليوم من مسار النشر والتوثيق تكشف عن "الثقافة الشعبية الصحراوية بالرحامنة عبر الطب الشعبي والزينة والتطبيب"، والتي أعدتها الأستاذة أمينة الرمحاوي، ذات الأصول الصحراوية الرحامنية، القاطنة بالديار الفرنسية.

 

الثقافة الشعبية الصحراوية بالرحامنة تتعدد مظاهرها لتشمل الطب الشعبي، الزينة، التطبيب، اللباس، فضلا عن الموسيقى، والرقص. مما يعني بأنها تشمل الكثير من مفاصل الحياة ولا تنحصر في مجال واحد ووحيد، بل تشمل جميع مفاصل النشاط البشري. وحين اتجه البحث في هذه التيمة فلنبسط قدر الإمكان أمام القارئ، كيف أن الثقافة الصحراوية ظلت موجهة لحياة الرحامنة في سائر أوجهها. وللوصول لهذه الغاية تواصلنا مع سيدات على قدر كبير من الثقافة الطبية والاجتماعية، والتجميل، في هذا السياق تقدم الأستاذة أمينة الرمحاوي القاطنة بالديار الفرنسية، والتي تشتغل بالقطاع الصحي معطيات حول هذه المحاور بحكم أصولها الصحراوية والبوشانية.

 

إنعاش الذاكرة، شجع على التواصل في هذا الشأن، وتوسعت المطامح نحو الرغبة في كتابة موسوعة للطب الشعبي الصحراوي لمنطقة الرحامنة، يمكن أن يشتغل عليها مجموعة من الأطر أبناء المنطقة أصحاب الاختصاص.

 

قد يبدو هذا المطمح غريبا ولكن ليس مستحيلا، مع حضور الفائدة الاستراتيجية التي تخدم التنمية في جميع أبعادها، بحيث يمكن التفكير في إدخال مواد التجميل الطبيعية الصحراوية في الحلاقة وفي الإستتيك ضمن تعاونيات نسائية وخاصة بمنطقة بوشان، ومنطقة نزالت لعظم التي يكثر بها أهل الصحراء، وبها نساء حاذقات قريبات من الثقافة الصحراوية. نجاعة الطب الشعبي لا يمكن أن ننكرها على الأقل في مجموعة من الميادين والتي يكاد يعرفها الجميع على مستوى "مجال التوليد" فالقابلات اللواتي مارسن مهمة التوليد، عملياتهن كانت ناجحة بنسبة عالية، مع قدرتهن على تشخيص أطوار الحمل.

معالجة الرضوض والكسور، التدليك، الحجامة، مراهم الجروح.. إلخ، قد نكون أمام ثروة طبية وعلمية على قدر كبير من الأهمية، فتركها عرضة للمحو سيكون بمثابة إهدار لرأسمال علمي على قدر كبير من الأهمية.

 

إن نموذج الصين كدولة شيوعية علمانية، كان من بين أسرار نجاح نموذجها التنموي أنها ثمنت تراثها الشعبي و لم تزدريه، بل جعلت منه قاعدة انطلاق في نهضتها ، فجعلت الطب التقليدي ضمن المنظومة الطبية، وجعلت مطبخها يخضع للمسة الثقافة الصينية القديمة. فسعت إلى بناء نموذج لا يقلد إلا ذاته، لم تغريها لا روسيا، ولا أمريكا.

 

أهل الصحراء عرفوا منذ القدم بارتباطهم بالأرض وما تنتج من أعشاب، ومن حشائش فكانت علاقتهم بها علاقة حميمية، حاولوا من خلالها التداوي والتزين بها، فأنتجوا ثقافة طبية وتجميلية بها عنصر الطبيعة حاضر بقوة، وهذا لا يعني بأنهم بقوا ضمن درجة الطبيعة/ الصفر، بل أنتجوا معاني ودلالات على قدر كبير من تعقيد، والنجاعة حين يتعلق الأمر بالدلائل الطبية التي يوضح الطب الحديث أهميتها ومفعولها.

 

بعض مظاهر الثقافة الصحراوية بالرحامنة... الطب الشعبي كنموذج

 التقدم الحضاري يحصل حين تتوفر الأمم على ثراء سيمانتيكي يكون قاعدة انطلاق لأي تطور مأمول. وكل التجارب الإنسانية حين ابتغت مخاصمة الجمود ارتدت إلى تراثها، أي الرجوع إلى الذات ليكون النموذج المبتكر ذا مشروعية ولا يلامس الغرابة والاغتراب، بل يبني المستقبل وتحدياته انطلاقا من الماضي.

 

إن الحضارة الأوربية كعنوان كبير للحداثة، جعلت انطلاقتها من خلال التراث اليوناني، والروماني عبر الترجمة، التي هي عملية معقدة لأن حدوثها لا يتم إلا عبر قضايا المرحلة والرهانات التي تتم فيها. وحين نثير قضايا التراث المحلي ، فمحفزنا نفعي بالدرجة الأولى، لنجاعته وقدرته أن يكون سلاحا فعالا في معاركنا الآنية والمستقبلية. فكلما توغلت الأمم في التقدم أدركت نجاعة بعض الأساليب القديمة في الطب والصيدلة. جراء ما تلحقه تلك الوسائل الحديثة من دمار لأشياء الطبيعة والإنسان. وقد كانت الصين سباقة لذلك عبر دمج الطب التقليدي بالعصري.

 

تراث المغرب، غني بهذه التجارب الرائدة على مستوى العلاج التقليدي بجل أقاليمه وسنحاول بهذا المنشور تقديم واحدة من التراث الصحراوي بإقليم الرحامنة؛ والتي يطلق عليها ناس الرحامنة (لكديرة)، وهي قدر صغير طيني معد إما لتخزين السمن، أو العسل ولكن النساء العربيات الحاذقات بمنطقتي بوشان ونزالت لعظم، تحولنه إلى أداة طبية للتدليك وإزالة الألم.

 

حسب الروايات الشفوية وخاصة تلك التي تحكيها أمينة الرمحاوي، فهذه العملية (لكديرة) كانت تقوم بها سيدة اسمها "الخادم" تنتمي لتراب جماعة بوشان، ووفق شهادة أمينة التي أعدت هذه الورقة التراثية، فإن "الخادم" كانت تضع (فلك) وهو قطعة خشبية دائرية تكون برأس المغزل بوسطه ثقب، على بطن المريض، وبالثقب فتيلا مبللا بالزيت فتشعل النار فيه وما أن تضع القدر الصغير حتى تنطفئ النار لزوال الأوكسجين، ويعمل ثاني أوكسيد الكربون على تجميع البطن، لتبدأ الخادم في عملية التدليك.

 

وتروي الأستاذة أمينة أن البروفيسور  Charles Quincyوهو مختص في الدماغ والجهاز العصبي، بأن جل علاجاته مبنية على خلفية العلاجات الصينية القديمة، وبعض ما تقوم به مثيلات الخادم بإفريقيا. وحسب رواية نفس البروفيسور "أن مستقبل الطب والصيدلة فيما تتضمن هذه الأساليب القديمة من علاجات تأثيرها السلبي على الصحة قليل ومنعدم".

 

مستقبل العالم بإفريقيا ليس بما تحويه من مواد ثمينة، ذات طبيعة مادية، بل لكونها تزخر بدلالات ومعاني، في الطب والموسيقى، والعلاج الروحي، والملابس، والموسيقى، وإذا كان المغرب هو بوابة إفريقيا، فمن اللزوم إدماج هذه الأدوات في اهتمامنا، لأنها جذور وهوية.