الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

التشكيلية والكاتبة لبابة لعلج.. "أفكار شاردة" داخل نصِ مسرحٍ ملازمٍ للروح

التشكيلية والكاتبة لبابة لعلج.. "أفكار شاردة" داخل نصِ مسرحٍ ملازمٍ للروح لبابة لعلج مع صورة غلاف عملها الشعري

تحت عنوان "أفكار شاردة"، أصدرت الفنانة التشكيلية والأديبة لبابة لعلج ديوانها الشعري الثاني باللغة الفرنسية، الذي قدمه كل من الباحث الأكاديمي الدكتور حسن لغدش والناقد الفني حسن نرايس، وترجمه إلى العربية الناقد الجمالي عبد الله الشيخ. حول الأبعاد الدلالية لهذا المنجز النصي الحديث الذي تخللته عدة لوحات تعبيرية موحية، تقول لبابة لعلج: "متأملة شساعة الكون، تراودني فكرة الشرود من فكر إلى آخر دون شراك أو عقال. بلا خيط أحمر! مع "أفكار شاردة" يتواصل السفر بوتيرة الترحال".

 

في معرض تقديمه لهذا الكتاب الأدبي والجمالي في آن الموسوم بـ "أفكار لبابة لعلج الشاردة، منجز البحث عن الأبجدية الأصلية"، كتب حسن لغدش: "التجربة الحقيقية التي تتيح لنا الكتابة هي القراءة. في عمل الفنانة الشاعرة لبابة لعلج الموسوم بـ "أفكار شاردة"، يستوجب تحديد الخطوط العامة لفكر جوال ومثير للشجون إمكانية كل قبض حسب تغيير شخصي. بتلوينه العام، يتعارض هذا المنجز مع هم العرض التمثيلي، ومع منطق المشابهة، فهو يستبدل منطق الحلم بالتسلسل المحدث للوقائع، ويفضل المصادفة. فرغم كون النص ينحو أحيانا نحو الأمثولة (Allégorie)، فهو يمشهد شكلا وسيطيا بين الواقع والأسطورة، بمعنى إعادة تأليف تاريخي تخييلي. يتعلق الأمر، في الواقع، بالتفريج عن خيبات الحياة. لكن الأمر ليس انطواء على الذات، بالعكس، لخلق الطاقة وانبساط الأنا اللذين لا غنى عنهما. لكن لا يمكن تقدير النص فنيا إلا بشرط عدم إخفاء صعوبة قول الواقع، خاصة عندما يكون منفلتا، محيرا، ومربكا. لهذا، أليس حلم اليقظة هو الكارثة الافتراضية التي تمرست عليها المعرفة؟ إذا تطور حلم يقظة الشاعرة على منحدر الرغبة، منحدر الأفكار الرؤيوية، سيقود إلى رفض الجمود، والتنديد بتحجر اليومي.

 

وإذا كان الشعري هو الحميمية والهروبية، سيصبح حلم اليقظة هذه الحالة غير الجلية المتقاسمة بين المقروء، الصوتي، والمرئي. كل ما هو حركة ومتعدد الأشكال ينتميان إلى هذا السجل. في هذا الصدد، الكلمات لدى لبابة لعلج تبدو مجسدة للغبطة والمعاناة. لهذا السبب يقام أحيانا الصمت متقدما غالبا على الكلام. يبدو أن هذا الكلام يبين أعماق الوعي.

 

هكذا، تراوح الفنانة الكاتبة بين الداخل والخارج، الهنا والهناك، تراوح ملازم للروح المغامرة. يتعلق الأمر قبل كل شيء بتبني حركة الحياة، بالتقدم إلى حدود وجودها أيضا، لأن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة التي تتيح للفكر الإقامة حتى في حميمية الكائن. لا يتعلق الأمر لدى لبابة لعلج بنهل ذخيرة من الأمثلة والصور الرمزية من خزان الأعمال الإنسانية الكبيرة. يجب مرة أخرى معرفة الحديث عن هذه الأعمال لكي يصبح أخيرا المنجز التعبير المنبسط عن أسلوب حياة.

 

في ما يخص جغرافيا المنجز، فهو يسلك مسارا يمكن من إبراز أن مغامرة الأفكار هي طريقة لتحليل العالم، لتعلم ولبلوغ الهوية الأصيلة. تبقى مغامرة القارئ الكبرى هي تخيل العوالم الموحى بها وتدبر الدرسين الوجودي والميتافيزيقي الناجمين عنها. يتعلق الأمر، منذ ذلك الحين، بــ "اختراق روحي من خلال وعبر (transverbération) " حسب تيريز دافيلا، الذي يبوح بالنشوة في شكل التخلي عن الذات تترجمه متعة أنثوية تستلزمها رغبة الآخر وموت الذاتية في وثبة محررة للعالم. انسياقا مع رغبتها في الخروج من الفظاظة اليومية، تنقاد الشاعرة لهدهدة التحضير لعلاقة ارتجال مفضية إلى المحاولة النموذجية. هكذا، الحياة مواربة، حاملة مؤهلات. إذا كانت مغامرة الأنا تبدو معروضة كوحدة فنية، فهي المغامرة حيث تشكل الهوية على مر المنجز لبلوغ حقيقتها الخاصة. أفكارها تشرد في مسار شغوف. أفكارها تتبنى الإسهاب، المؤورس بلوحات مصاحبة، تذكر بالشَّعَر البودليري. مع ذلك، تتحمل هذه الأفكار الأفعوانية انتهاك غراميات صافو قصدا إلى حد أن انسجام التواطؤ الأنثوي يقدم للرؤية طريقة أخرى. بمعنى آخر، إدماج الناسوت في اللاهوت. للإشارة فإن التعالي هنا لا يزيغ عن الإنسان، ويصبح الحامل المميز. شعرية رغبة أصيلة مفكر فيها بفضل التأليف التشكيلي. يشكل هذا النشاط الراغب لذاته كينونتنا الحية. لكن رغبة لبابة لعلج تتخذ من صور الفكر الموضوعي وسيطها الإعلامي. يتعلق الأمر برؤية الذات بين هذا الفيض وتدفق الأفكار وهذا المديح اللامشروط للفن. علاوة على ذلك، يستحدث شعر لبابة "فاصلة روائية" ترصع النص. نص على ما يبدو مونولوغا، لكنه يشهد حوارية (Dialogisme)  منفتحة على الآخرين. بعبارة أخرى، نص النسبية واللامركزية من زاوية النظر. أخيرا، نص يمثل أصوات الفكر والعالم المتباينة للحفاظ على نظرة تساؤلية حوله. في مقابل ذلك، هذا النص متعدد الأصوات يتموقع بصورة كلية في الديمومة لكنه يتطور في الماضي المطلق.

 

لهذه الغاية، حررت لبابة شكليا الشعر من إكراهاته الشكلية ومن قوالبه المسكوكة. دينامية الأجناس قيد الإنشاء كمصابة بعدوى الطابع التشكيلي القوي للفكر. معظم قصائدها مركبة بإحساس روائي يعادل غنائية شعرية. قصائد تجعل من البعد الواقعي للفكر أثر إيحاء. نص يوفر أيضا مخيلة ذات مصداقية ضرورية بلا انقطاع للوجود. لأن أن تبدع، وأن تشعرن وأن تتخيل ملكات متماثلة. ونص استجداء المجافاة الآتية من الشعر المفتعل. إنه ليس إعادة إنتاج النماذج، لكنه استقصاؤها الجريء. من هذا المنظور، على تغير التعبير أن يمكن من القبض على تكاثر الأفكار دون تجميدها وجعلها تظهر بهشاشتها وأحيانا بيقينها. دون ادعاء منجز الفن الشمولي، تدمج لبابة لعلج الشعر، والتشكيل وتاريخ الفكر لخلق لغة بدائية للتواصل الفوري، حيث الحياة ليست فيها سوى فعل درامي. بالتالي، يصبح النص مسرحا ملازما للروح. وماذا لو كان مستقبل الافتراض في محتوى ذكرى بتحيين استعارات من المعلمين الذين بجلتهم لبابة لعلج. يبدو أنه شعر شهادة حيث نظرة الذات تستأثر بالاهتمام أكثر. شهادة تندرج في الإطارات الاجتماعية للذاكرة. هذه الشهادة هي فعل التزام قوي وله غالبا كقرينة ملازمة تأكيد قناعة واستمرارية في السيرورة الذهنية.

 

من قبيل المفارقة، هذا النص هو أيضا تخييل ذاتي بقوة الكتابة. لا يتصور الحياة ككل بل كشذرات متناثرة، كمستويات وجود منكسرة، مراحل مجزأة، لا مصادفات متتالية بله متزامنة. إذا رغبت، بالمناسبة، الشاعرة في البورتريه الشخصي كعرض للأنا، فذلك من أجل إدراج هذه الأخيرة في نسيج خطابات ومعارف، حيث تصبح معرفة الذات مهمة لا تنتهي كما ينبغي.

 

ترسيخ هذه الغنائية في بعد مرجعي، أحيانا مع إشارات غير محددة يضفي على النص صيغة بديلة للتشخيص  (Prosopopée)، حيث أصبح إنشاء الذاتية أقل توجها نحو العلاقة مع الحدث أو إلى الحدث إلا إلى التداعي الداخلي. إن كانت لبابة لعلج تشرِّح (Dissèque) كل صور فكرها وفنها، فسيكون الأمر من أجل اكتشاف فضائلها الأكثر خفية وتمظهراتها السرية التي تنتشر عبر كل اللغة عن طريق روابط الأصوات، والأشكال والأفكار. آنذاك، تتحول اللغة إلى وحي ولدينا هنا خط لكي يرشدنا في بابل الروح. المؤلفة، وهي تختبر أناها، تمتلك زمام المعرفة المعنوية، والفلسفية، والفنية المستقاة من الكتب "المقروءة". تتحاور التجربة، إذن، مع خطاب المعرفة، لكن المرآة الحقيقية لخطاباتنا تكمن في مجرى حيواتنا. كيف يمكن تجديد المعرفة انطلاقا من الذات، وأيضا تجربة الكتابة في حد ذاتها التي تحول الذات الكاتبة، وتقودها إلى شكل من الحكمة الفردية والمتحكم فيها.

 

بكل تأكيد، الحكمة الفردية مطالب بها، لكنها مجسدة في نوع من التانترية  (Tantrisme)الذي يدمج رغبة التحقق في الجانب الروحي. يجعلنا تحقيق الذات هذا نعاني طبعا، لكنه يقرب بيننا تلاحظ لبابة لعلج التي تشغل، بإحساس بالعزلة، المصاف الأعلى في نبالة الطبيعة/ الأم. بالفعل، الخيرات العظمى لا توجد إلا في العزلة. في المقابل، احتكار القيم المعنوية مثل الأخوة، التسامح، التساكن، الاعتراف بالاختلاف، قيمة سامية للروابط الاجتماعية، يجب أن تبقى شأن اللحظات المذهلة التي تسم مجرى وجودنا المعتاد. بالنظر إلى حالة الاندحار الراهن لهذه القيمة، تطمح الشاعرة إلى هذا المثل الأعلى الذي يقاوم لكي يتبلور. من ثم، تجري الكتابة عبر شذرات لكي تخلد باستسهال إلى نفسها بالأحرى محاولة صياغة نمط كتابة صارم. علاوة على ذلك، الكتابة على نحو شذري، هي حينئذ وبكل بساطة استضافة نظامها الخاص. لا يجب إغفال المستويات الفاصلة التي تفرق بين الشذرات، وتجعل من هذا التفريق المبدأ الإيقاعي للمنجز ببنيته. تمكن هذه الطريقة علاقات جديدة مستثناة من الوحدة التي تضم الرؤى- أحلام اليقظة والصوفية. إنها بالتالي تعيد إنشاء حركة مركزية. في الواقع، الشذرة ليست سوى اللحظة الجدلية لمجموعة أكبر، متصلة بحركة البحث والفكر المهاجر التي تتحقق بتأكيدات منفصلة. وهي ترغب في تسجيل الانزياح بالشذرة، تسعى لبابة لعلج على سبيل المفارقة إلى البحث عن الوحدة والانسجام، بعيدا عن كل صورة شريرة يرمز إليها بالمخلوقات الأفعوانية. إنها بالأحرى قوى كامنة تفضي إلى خلق الحياة المتوازنة الأهم. لبابة مقتنعة بأن الذبذبات الكائنة فينا متفاعلة، لأن هناك تداخل العالم المرئي مع العالم اللامرئي. نوع من التجانس الذي ننعته بالأرواحية (Animisme): كل شيء في العالم يتفاعل. لذلك يجب إدماج العالم الأرضي في العالم الكوني، والناسوت في اللاهوت في سيرورة صوفية. آنذاك يقوم البحث عن الرفاه الذي ليس سوى انفتاح على الواحد الأحد.

 

باستحضار رسل المستقبل، هؤلاء المبدعين الرائين، الواضح أن الشاعرة تفتح بغتة من جديد وبشكل رائع كبريات مصادر الوجدان الإنساني. فهي تعيد صياغة نظام عرض تمثيلي وهي تغوص في قلب المادة حسب منظور "شاماني" حامل للمعرفة والإعلام. تضطلع بدور في زمن الأحلام، رمز الهباء والحكمة. يعد شعرها حسب المصطلح الهيدغيري "إنشاء الموجود بوسائل العالم": لكن في الوقت ذاته، انتشار الإطار المرجعي المتعدد هذا بكل تصادياته الدنيوية أو القدسية، التقليدية أو الحديثة بإمكانه التحالف مع سجلات معززة، جسيمة أو مبتهجة، متصلبة، ميتة أو مضحكة، أحيانا طافحة بالأوهام العميقة.

 

هكذا، حياة لبابة تراكم من المواقف حسب مخاطبات النفري، شاعر مجدد حيث كل موقف طريق يؤدي إلى الإله، وحدة مطلقة وبحروفها الأصيلة، أو كما قال الحلاج البحث عن الأبجدية الأصلية التي تجعل العالم حسب السهروردي مجرد نزيف تراتبي للأنوار اللامادية الواقعة على الشاشة المظلمة للمادة. العديد من الرؤى الصوفية مقطرة بالعين الثالثة لتمكين الروح من التحقق بفضل الرغبة وارتقاء كل الكائنات نحو الخير.

 

عموما، حاول نص لبابة لعلج تطبيق المقياس (بارومتر) على الروح كما قال جون جاك روسو، مسجلا تغييرات الحالة الداخلية التي تنكسر فيها كل التغييرات الخارجية. في ارتباط وثيق، الحياة والفكر والكتابة أدوات تجربة حيث دراسة الأنا والآخرين في فرادتهم وغرابتهم هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ معرفة الإنسان الحقيقية، وارتياد مغامرة داخلية تساوي كل الرحلات".

 

بدوره، أكد الناقد  الفني حسن نرايس بأن أفكار لبابة لعلج ليست كالأفكار الأخرى متأملا عوالمها الفنية والمعرفية في مقاله الافتتاحي الذي نبادر إلى نشر نصه الكامل:

"أنا هنا وفي مكان آخر، أحلم بحياة أخرى تذيب مشاعر الحرمان".

"ألج الخيال المتخيل وأخلق التيه المراد ".

"أتخيل عالما بلا هندسة. يدل على اللانهائي!".

"هذا الحب، سبق للشاعر أن وصفه في كل حالاته. فهذا الحب الهادئ هو الذي يعبر منتصرا على كل الكراهيات".

"أردته أن يرافق سفري في كل الأمكنة والفضاءات من أجل ذاكرة أبدية".

"أشرع في السفر الطويل للقوافل لكي أعبر صحرائي".

"من السماء، أعبّر عن تنوعي وأوقّع الابتعاد".

"منزل في قمة الجبل معزول ومحاط بأسوار شاهقة للتحرر من أي آخر. خداع وأوهام!"

"لم تجد أبدا مفاتيحها، تركت الباب مفتوحا، ثم ذهبت لتنام".

"يا لها من لوحة رائعة تجمع بين الظل والنور!"

 

هذه بعض الجمل والعبارات التي اخترناها من ديوان "أفكار شاردة" للفنانة لبابة لعلج، عبارات وجمل تلخص بجلاء ما تتضمنه النصوص الشعرية من تساؤلات وأسئلة...

"الهنا والهناك"، "الحلم"، "الخيال"، "التيه"، "الجغرافيا"، "الحدود"، "الحب"، "الكراهية"، "الرحلة والرحلات والأسفار"، "السماء والجبل المرتفع"، "اللامتناهي واللامحدود"، "الابتعاد"، "العزلة"، "الانعزال"، "التحرر"، "الباب المفتوح"، وأخيرا "اللوحة"...

 

لوحة آتية من بعيد، والقصيدة لوحة ها هنا، بالألوان تارة، وبالأسود تارة أخرى، لوحات شعرية تخترق التفاصيل وتعيد ترتيب الفرد بالذات في مكان حيث لا مكان، في زمن حيث لا زمن! هناك فقط ذاكرة المكان وذاكرة الزمن كمكونين مركزيين من مكونات النصوص التي تتفاوت بين الطول والقصر...

الحياة قصيرة، والزمن محدود، وحياة القصائد طويلة، وزمن اللوحة لا محدود... هناك التيه، هناك الأسفار والترحال، وهناك البعد والابتعاد، وهناك البسمات على القسمات، وهناك أيضا العار على الجبين بالوصمات !

"تملك الفنانة ألوان الكون، يمكنها أن تستهيم على مهل... وتعيد تدليك هذا العالم المثنى، وأحيانا القاسي جدا بإعادة رسم فروقاته".

كل شيء ينطلق بسؤال مطروح في عمق أعماق كياني. الحياة سؤال، الشعر سؤال، الرسم سؤال، الهروب سؤال، الأفكار سؤال، الأمل سؤال، اليأس سؤال، الإنسان سؤال، بل الوجود هو نفسه سؤال... هذا الوجود المهدد بالتلاشي في القصائد، والفن وحده قادر على إعادته إلى زمكانه الأصلي، وبالقوة اللامحدودة...

 

النصوص الضاجة بالدلالات هي التي تجعل من الكلمة أو العبارة مبررا لهذا الوجود، وكل نص شعري هاهنا يتضمن مرجعياته الخاصة للحفاظ عليه بعيدا عن "الأوهام والحقائق الزائفة والمعتقدات المحدودة".

أليس من سخرية الزمان أن تنقلب المعايير والمقاييس عند الناس وتحور الحقيقة، وينتصر البهتان؟ "أريد أن أعيش من أول يوم إلى آخر يوم لكي لا أدع أي شيء"، "خصصت بحثي للجمال في حركته وأشكاله وأصواته".

 

تتكرر في الديوان كلمات تفيض دلالات نفسية تتراوح بين الشعور بالألم، والإحساس بالطمأنينة: "وعيي لا يبكي أي أسى، رغم أن جسدي متألم" فليكن !

في هذا الديوان، تسلط النصوص الأضواء الكاشفة على مجتمع طافح بالضعاف والمهزومين والمنهزمين والمنافقين والشياطين الذين يحلمون بالفردوس المفقود... نصوص تزعزع بعض التصورات السائدة، وتخلق الفوضى والبلبلة داخل الذات الشعرية من أجل تأسيس بنية لغوية بنظام وانتظام... ثم هناك الحوار الداخلي كقنطرة للوصول إلى الحوار مع الغير ومع الآخر.

 

أليست هذه النصوص رسائل من لبابة الفنانة التشكيلية المتمكنة من صياغة الألوان إلى لبابة الشاعرة المتمكنة من صياغة الأقوال؟

نصوص تترجم حضور الشاعرة في معترك الحياة من داخل لوحة مزينة بالألوان... فالقاسم المشترك بين النص الشعري واللوحة المرسومة هو أنهما أداتان تعبيريتان موزعتان بين مهمة الكتابة والرسم، وجوهر الإبداع...

أفكار ليست كالأفكار الأخرى، أفكار تخرج عن المألوف، وعن المتداول. أهي أفكار متمردة أم تمردية؟ أهي  أفكار مهمشة أم هامشية ؟ أم أن هذه الأفكار هي بوح للتعبير عن الرفض ؟ رفض هدم الشعر لبناء اللوحة وتكسير اللوحة لبناء القصيدة؟

إن الحياة بكل أبعادها وتحولاتها تشكل محور النصوص التي يتضمن كل واحد منها وضعا معينا يمهد لموقف معين...

 

هنا الشعر يتحدى الزمن، هنا الشعر يتمرد على الحدود التي تقام عادة بين الأحلام في المنام، وأحلام اليقظة... هناك تأمل نظري في المساواة بين الإنسان الذي توحده الإنسانية. لا فرق بين فرانسواز وفاطمة وثريا إلا بالطفولة التي فرضت عليهن... ولا فرق بين الشاعرة والفنانة، فالأولى تندمج في عالم الثانية، والثانية تنسجم داخل عالم الأولى.

"يبهرها المضمون أكثر من الشكل"، هي التي تتخطى وتتجاوز قوة التقليد، هي التي ترسم، وترسم بدون عناء الفرح قبل أن يذوب ويغيب...

 

وأخيرا، يسعفني ما كتبه الناقد المغربي المعروف محمد برادة: "أريد أن أكتب عن الهواجس والمعلومات والهذيان وأحلام اليقظة وسيناريو ليالي السهاد... من يستطيع أن يلتقط هذه الكتابة الشفوية البصرية اللاواعية المستمرة كوجع لا يهدأ...".