الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

إبراهيم مراكشي: هذه حقيقة اللغط حول المادة 247 من القانون التعديلي للمالية

إبراهيم مراكشي: هذه حقيقة اللغط حول المادة 247 من القانون التعديلي للمالية إبراهيم مراكشي
 
في الأيام القليلة الماضية، صادقت الفرق البرلمانية، بشكل يكاد يكون إجماعا على المادة 247 مكرر من مشروع قانون المالية المعدل، ولم يكسر هذا الإجماع سوى صوت معارض يتيم للنائب عن فيدرالية اليسار.
لا بد من الإشارة إلى كون بعض المنابر الإعلامية قد تعاطت مع هذا الخبر بتهويل مبالغ فيه، وقدمته وكأَن الحكومة ستعيد للشركات أموالها التي ساهمت بها لفائدة صندوق جائحة كوفيد-19، وهذا الأمر صحيح جزئيا، لكنها - أي هذه الصحافة- تغاضت الدخول في التفاصيل حيث الشياطين هناك تتوارى عن الأنظار.
لقد ركزت بعض الصحف في مادتها الإخبارية على المادة المذكورة في صيغتها الأصلية وليست المعدلة، وعلى إثارة زاوية واحدة مع إغفال بقية الجوانب الأخرى المرتبطة بها.
المادة 247 مكرر في صيغتها الأصلية تقول: "تعتبر بمثابة تكاليف قابلة للخصم توزع على عدة سنوات محاسباتية: المبالغ المدفوعة على شكل مساهمات أو هبات أو وصايا من قبل المنشآت الخاضعة للضريبة على الشركات، أو الضريبة على الدخل، برسم الدخول المهنية أو الفلاحية أوهما معا، المحددة وفق نظام النتيجة الصافية الحقيقية، أو نظام النتيجة الصافية المبسطة، لفائدة الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا".
سنتطرق لمنطوق هذه المادة في نسختها الثانية المعدلة بعد أن ندلي ببعض الملاحظات الأولية. الملاحظة الأولية الأولى، كما سبق وأكدنا من قبل، الحكومة الحالية نتيجة الصدمات المتتالية الناجمة عن الجائحة تعد الأضعف في تاريخ الحكومات المغربية، مما يجعلها فريسة سهلة لضغوطات اللوبي الصناعي.
الملاحظة الأولية الثانية، إدراج هذه المادة في قانون المالية المعدل جاء نتيجة لضغوطات مارسها هذا اللوبي، وتحديدا عبر فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بمجلس المستشارين الذي -رغم قلته العددية- قام بما لا تستطيع القيام به فرق نيابية "عريقة" في العمل البرلماني، خصوصا وأن السياق مختلف هذه المرة ويتعلق بتعديل قانون المالية، أي أن الحكومة ترغب في قانون للمالية يتلاءم مع الظروف الطارئة الناجمة عن الأزمة، وذلك بالتقليص قدر الإمكان من النفقات والاقتصار عليها في حدودها الدنيا الضرورية، من هذه الزاوية لا معنى لمثل هذا القرار الذي من شأنه أن يرهق ميزانية الدولة، ويقلص من مداخيل الحكومة الضريبية. الملاحظة الأولية الثالثة، أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يتحرك كَمجموعة ضاغطة، له من الآليات التي تمكنه من إسماع صوته من داخل الحكومة، ومن الضغط على الأغلبية والمعارضة على حد سواء، هذه الأخيرة التي جعلها تغير في ظرف وجيز من رأيها، وأن تعلن عن موافقتها بعد أن أبدت معارضة بمستويات متباينة. والحق يقال أن مجلس النواب (الغرفة الأولى) كان قد رفض هذه المادة، لكن عند انتقال المشروع للغرفة الثانية لعب فريق "الباطرونا" لعبته وتمكن من تقديم مقترح لإعادة المادة، ليخضع القانون لقراءة ثانية بمجلس النواب، ويا للغرابة نفس الذين رفضوا المادة، صوتوا عليها يكاد يكون بالإجماع، بعد أن شهدت تعديلا - نعتبره صوري- لصيغتها الأولى، ولم يغرد خارج هذا السرب سوى صوت يتيم لممثل فيدرالية اليسار. لا ننسى أن جل هذه الفرق النيابية المعارضة تتكون من رجال أعمال أو من شخصيات لها مصالح وتقاطعات مع هيئة "الباطرونا". فما منطوق هذه المادة في صيغتها النهائية؟
المادة 247 تنص على أنه: "تعتبر بمثابة تكاليف قابلة للخصم، توزع على عدة سنوات محاسبية المبالغ المدفوعة في شكل مساهمات أو هبات أو وصايا من قبل المنشآت الخاضعة للضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل برسم الدخول المهنية أو الفلاحية أو هما معا، المحددة وفق نظام النتيجة الصافية الحقيقية أو نظام النتيجة الصافية المبسطة لفائدة الدولة". مقارنة مع صيغتها الأصلية، يلاحظ فقط تغيير طفيف بحذف عبارة "لفائدة الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد - 19"، فيما تم الإبقاء على نفس المبدأ، وهو استفادة الشركات من الخصم على الهبات أو الوصايا أو المساهمات التي تقدمها لفائدة الدولة على إطلاقها. وهنا تم التلاعب بالمصطلحات، فإذا كان إعفاء الهبات من الضريبة مسألة عادية ومعمول بها في الأنظمة الضريبية المقارنة، على اعتبار أنه لا يعقل أن يؤدى عن عمل خيري إحساني ضريبة لخزينة الدولة، فإن الأمر يختلف تماما مع المساهمات الناجمة عن كوارث وطنية، وفي حالة صندوق كوفيد-19 كان الأمر يتعلق بمساهمات وليس هبات، حتى النص الدستوري في الفصل 40 يتحدث عن التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد والأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية. وعلى أية حال، يستشف من منطوق هذه المادة سريانها على الشركات فقط، مما يعني إقصاء للمؤسسات العمومية ذات الصبغة الاقتصادية والتي ساهمت بدورها في الصندوق، كما لم تتضمن أية إشارة للمساهمات المالية للجماعات الترابية، التي مورست عليها ضغوطات من طرف السلطة "الوصية" في هذا الجانب، ولم تشر أيضا إلى مساهمات الأفراد؛ مما يعد امتيازا حصريا لصالح هذه الشركات، وضربا لمبادئ المساواة والتكافل والتضامن الوطني. بصيغة أخرى، سيستفيد الأغنياء وحدهم من هذا الخصم، وذلك باعتبار مساهمتهم جزء من الضريبة (30٪)، دون غيرهم من الفئات المجتمعية، فجلهم لم يساهم من ماله الخاص، وإنما بأموال شركاته.
فبمقتضى هذه المادة سيصبح بمقدور جميع الشركات التي ساهمت مع الدولة في صندوق تدبير جائحة كورونا أن تستفيد من الخصم الضريبي يقسم ويوزع على امتداد عدة سنوات (المادة لم تحدد المدة، لكن جرت العادة أن تقسم على خمس سنوات، ويخصم في كل سنة جزء من القاعدة الضريبية)، وذلك بخصوص المبالغ التي ساهمت بها لفائدة الدولة (وصندوق كوفيد-19 يعد جزءا منها)، عبر السماح بإدخالها في خانة التحملات حتى لا يسري عليها النظام الضريبي. لأنه في الواقع، إن تم إدراجها ضمن خانة الأرباح فستخضع في هذه الحالة لازدواجية في الأداء من الصندوق ومن الأرباح أيضا. بهذه الطريقة ستسترجع الشركات بشكل غير مباشر المساهمات التي سبق وأن قدمتها لصندوق تدبير جائحة كوفيد-19.
إن التنصيص على مسألة التقسيم على عدة سنوات تهدف إلى عدم حدوث انخفاض في موارد الدولة، حتى لا ترهق ميزانيتها أكثر مما عليها الآن. فمن المؤكد أن هذه السنة ستشهد الحكومة أكبر أزمة في السيولة في تاريخ حكومات المغرب قاطبة، وفي شبه المؤكد ستشهد في السنوات المقبلة تراجعا في مداخيلها الضريبية نتيجة لتداعيات هذه الجائحة. وهنا لا بد من التنويه بصبر الحكومة على مصابها، فالأزمة وصلتها لحد الحلقوم، والغريب أنها لا تنوح ولا تبوح!
لكن لماذا أقدمت الحكومة على هذا القرار؟ خاصة وأن الأمر يتعلق بمساهمات طوعية قدمتها هذه الشركات دون أن يجبرها - ظاهريا- أحد على ذلك. في هذا الإطار، لا يمكن استبعاد فرضية حصول تفاهم أولي سابق بين الحكومة وبين هذه الشركات عبر الهيئة التي تمثلها (الاتحاد العام لمقاولات المغرب) بموجبه التزمت بتمويل الصندوق مقابل تعهد الحكومة بإرجاعها تلك للمبالغ على شكل إعفاءات ضريبية.
وبالتالي ما أقدمت عليه الحكومة قد يكون مجرد تنفيذ لالتزامات سابقة. تبقى هذه مجرد فرضية يصعب التأكد من مدى مصداقيتها، تماما كصعوبة معرفة على وجه التدقيق المبالغ التي تم المساهمة بها في الصندوق والهيئات التي تقف وراءها. ليبقى أمامنا التفسير الوحيد المنطقي، وهو أن هذه المادة تدرج ضمن خانة الإجراءات الهادفة للتخفيف من حدة آثار الجائحة على نشاط الشركات. مما لا شك فيه أن المقاولة المغربية لم تكن يوما في صحة جيدة، واليوم أكثر من أي وقت مضى بسبب الخسائر التي تكبدتها بسبب التدابير المتخذة في الحجر الصحي، وتحديدا خلال الثلاثة أشهر الأولى. من هذه الزاوية يبدو الأمر منطقيا، لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الشركات استفادة بدورها وبشكل مباشر من دعم مالي من صندوق الجائحة، يصبح بالتالي لا مبرر قانوني ولا أخلاقي يجيز للحكومة تخصيصها بهذا الامتياز دون غيرها من المساهمين، سواء أكانوا من موظفي القطاع العام أو تابعين لإحدى الهيئات العمومية، بل كان من الأجدر لها أن تبحث عن الدعم في صيغ أخرى، وضمن سياق آخر. بعض الآراء تذهب في الطرح الذي يؤكد أن من شأن إدراج هذه المادة في قانون المالية المعدل أن تشجع الشركات وأصحاب المقاولات على المساهمة مستقبلا في صناديق مماثلة، لكنه طرح ضعيف مادام يتعارض مع مفهوم العمل الخيري التطوعي الذي لا ينتظر مقابلا عنه، ومادامت تتيح لأصحابها امكانية استرجاعها، عملا بالمثل المغربي الدارج "من زيتو نقليه" أو "من لحيتو لقم ليه". على العموم، في أوقات الأزمات دائما يكون ملجأ الدولة هو أموال الطبقة الوسطى، والحلول التي تنزل تكون في الغالب على حساب الطبقات الفقيرة، والمغرب لن يشكل استثناء. لنقولها صراحة، ليست المادة 247 مكرر من قانون المالية المعدل هي التي فصلت على قياس أصحاب النفوذ الذين دفعوا مبالغ فلكية لصندوق كوفيد-19، ويرغبون الآن في استعادتها، وإنما المتأمل في قانون المالية سيجد أنه قد عدل بالكامل على قياس مصالحها. لذلك نقول أن القوانين في المغرب لا تتحدث لغة واحدة.