الخميس 28 مارس 2024
سياسة

سعيد خمري:" البيجيدي" لن يتردد في التحالف مع "البام" عدو الأمس القريب في الإنتخابات المقبلة

سعيد خمري:" البيجيدي" لن يتردد في التحالف مع "البام" عدو الأمس القريب في الإنتخابات المقبلة سعيد خمري(يمينا)، و سعد الدين العثماني، و عبد اللطيف وهبي(يسارا)
يسجل د.سعيد خمري، رئيس شعبة القانون العام والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء غياب أي منحى تصادمي لحزب " البام " في عهد الأمين العام الجديد عبد اللطيف وهبي مع حزب العدالة والتنمية، وهي مسألة لا تبدو مفاجئة – يضيف – علما أن خطابات وهبي قبل المؤتمر الأخير للحزب وفي ظل القيادة السابقة للحزب كانت معتدلة تجاه حزب العدالة والتنمية، مؤكدا بأنه لن يكون هناك في الإنتخابات المقبلة أي تحفظ كبير لحزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بالتحالف مع عدو الأمس القريب، وهو حزب الأصالة والمعاصرة.
 
كيف تقرأ التحول الفكري الحاصل داخل حزب " البام " في عهد أمينه العام الحالي عبد اللطيف وهبي تجاه " البيجيدي" علما أن " البام " كان معروفا عنه العداء الشديد للأصوليين ؟ وهل الأمر يتعلق بعقيدة راسخة أم أن التوجهات الفكرية تتقلب تبعا لتغير الأمناء العامين للحزب ؟
أولا، وبحسب تصريحات بعض قادة حزب " البام " فإن الأمر يتعلق باستشارات لقيادة الحزب مع جميع الأحزاب السياسية، وليس فقط حزب العدالة والتنمية، في إطار مستجدات المؤتمر الأخير للحزب وبروز قيادة جديدة، ويبدو أن هناك تغير في توجه الحزب على الأقل فيما يخص علاقاته مع باقي الأحزاب السياسية الأخرى، ويبدو أن هناك تغير في موقفه من حزب العدالة والتنمية، أو على الأقل نلمس من خلال خطابات القيادة الجديدة للحزب غياب أي تشنج أو أي منحى تصادمي مع حزب العدالة والتنمية، وهذه المسألة لم تكن مفاجئة بالنسبة للأستاذ وهبي، حيث كانت خطاباته قبل المؤتمر الأخير للحزب، وفي ظل القيادة السابقة للحزب معتدلة تجاه حزب العدالة والتنمية، وكيفما كان الحال فإنه في السياسة كما يقال ليست هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، لأن السياسة في آخر المطاف مبنية على المصالح..

ولكن البعض يرى أنه لابد من وجود تناغم ايديولوجي وتقاسم لرؤى وتصورات سياسية مشتركة في أي تقارب أو تحالف بين الأحزاب السياسية، من أجل الحفاظ على الوضوح في العلاقة مع الناخبين، خصوصا وأن المحطة الإنتخابية على الأبواب ؟
المعطى الإيديولوجي لم يكن حاضرا بتاتا في الحياة الحزبية والسياسية للمغرب كمعيار لإقامة التحالفات، ويمكن أن أعطيك الكثير من الأمثلة بهذا الخصوص، لنأخذ أولا الكتلة الديمقراطية والتي كانت نواتها الأولى عام 1972، وتم إحيائها عام 1992 وعام 1994 ، وكانت تضم حزب الإستقلال ذي المرجعية الإسلامية القائمة على ما يسميه بالتعادلية، وتضم حزب التقدم والإشتراكية ذي المرجعية الشيوعية، وحزب الاتحاد الإشتراكي ذي المرجعية الإشتراكية وقبله الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي ينهل من نفس المرجعية، الى جانب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي نشأت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي والتي كانت تنهل من المرجعية الماركسية – اللينينية ( اندمجت حاليا في إطار الحزب الإشتراكي الموحد )..اذا في المغرب المعطى الإيديولوجي لم يكن حاسما في إقامة التحالفات، فما كان يوحد الكتلة الديمقراطية السابقة هو النضال في إطار الحركة الوطنية، أي النضال المشترك في السابق من أجل نيل الإستقلال، وبعد حصول الإستقلال النضال من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع.
 
البيجيدي سبق له أن تحالف مع الشيوعيين في إطار الحكومة السابقة، وتحالف مع الإتحاديين في إطار الحكومة الحالية، والآن يحضر للتحالف مع خصمه السابق " البام " فهل هذا يعني أن الأصوليين مستعدون للتحالف مع " حزب الشيطان " إن رأى النور مستقبلا ؟
كما قلت سابقا السياسة هي مسألة مصالح، وأعتقد أنه لن يكون هناك في الإنتخابات المقبلة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية تحفظ كبير بالنسبة للتحالف مع عدو الأمس القريب، وهو حزب الأصالة والمعاصرة، والنسبة لهذا الأخير فربما قد تفضي حساباته إلى التقرب من حزب العدالة والتنمية بناء على النتائج السياسية التي يمكن أن يحصدها، ويمكن أن يحصل هذا التحالف في الحكومة أو في المعارضة.

وكيف تنظر إلى حالة " صمت القبور " التي تطبع الأحزاب السياسية، علما أن الإنتخابات على الأبواب، بينما المواطنون يترقبون طرح البرامج، وبروز التنافس والنقاش السياسي على غرار ما يحصل في البلدان الديمقراطية ؟
المشهد الحزبي في المغرب شهد في العقدين الأخيرين نوع من الإختلال، عناوينه الكبرى ترهل الأحزاب التقليدية أو ما يسمى بأحزاب الحركة الوطنية أو الأحزاب الديمقراطية كما تسمي نفسها، وتراجع الأدوار التقليدية للأحزاب المتمثلة في التعبئة والتنظيم وتأطير المواطنين، وفي التنشئة السياسية وإدماج الشباب، وأمام الانغلاق السياسي في وجه الشباب فقد يكون مآله هو الارتماء في أحضان تيارات متطرفة، بمرجعيات راديكالية أو رجعية، بمعنى أن المسار ليس فيه ما يفاجئ، حيث سجلت دعوات إلى ضرورة مراجعة العمل الحزبي بناء تقاطبات جديدة، وعقلنة المشهد الحزبي العام، وإدماج الشباب والنساء في هذه الأحزاب، ووضعيتها في الهيئات التقريرية الحزبية..وحتى مع الأزمة الحالية التي تعيشها الأحزاب السياسية لاحظنا نوع من التململ وليس " صمت القبور "، كما جاء في سؤالك، والأمر لا يتعلق بصورة عامة وإنما متفاوتة بين هذه الأحزاب في ما يخص مواقفها من أزمة كورونا، وفي ما يخص آرائها بخصوص النموذج التنموي الجديد بناء على هذه المعطيات الجديدة، الإجتماعية والإقتصادية في ظل الأزمة، وكذلك في العلاقة مع الأزمة الخارجية.
وعلى المستوى العالمي، لاحظنا مثلا في الإنتخابات الجماعية بفرنسا بروز أحزاب الخضر، وفي ظل هذه الأزمة تم النقاش حول المسألة الإجتماعية، وحول مسألة تدخل الدولة، حدود تدخل الدولة، التدخل الاقتصادي والاجتماعي للدولة، النقاش حول السيادة الوطنية، حول الدولة المركزية، وتم بعث العديد من المفاهيم التي كنا إلى عهد قريب نعتقد أنها جرفت من طرف تيار العولمة الذي ينهل من النيو ليبرالية، والذي أبان عن هشاشته في ظل وباء كورونا.

وهل ستكون لهذا النقاش السياسي الجاري الآن بفرنسا انعكاس على المشهد السياسي في المغرب ؟
قد يكون له الأثر، ولكن ليس بشكل مباشر، وليس بدرجة كبيرة حسب قراءتي الخاصة، وأقول بأن المغرب لن يكون بمعزل عن ما يجري في العالم من هذه الناحية، وفي حالة ما إذا تمت الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها، ففي رأيي الخاص فإنها لن تكون بنفس الهواجس، ولن تكون حاملة لنفس الرهانات، لأن منطق الرهانات الآن قد تغير بالنسبة لجميع الفاعلين السياسيين وعلى رأسهم أعلى سلطة في البلاد، وبالتالي فالنقاشات والمفاهيم بشأن تصور النموذج التنموي وتصور إعادة هيكلة الدولة بناء على وظائفها الاقتصادية والاجتماعية هو المنطق الذي سوف يحكم الإنتخابات المقبلة من جهة الفاعلين، أما من جهة المواطنين فالرهان الآن على من يمكن أن يحقق طموحاته بشكل أفضل، والمهم بالنسبة للمجتمع الآن هو تحقيق الأمن ليس بمفهومه السياسي بل بمفهومه الإقتصادي والإجتماعي والبئيي، وأتصور أن الناخبين في الإنتخابات المقبلة لن تغريهم خطابات الوعود والتحايل وما إلى ذلك، بل ستكون الكلمة في اعتقادي للخطاب الذي سيكون أكثر واقعية وأكثر قربا من المواطنين، وللخطاب الذي يستجيب للحاجات الإقتصادية والإجتماعية الملحة  للمواطنين.