الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

المنوزي: في الحاجة إلى عهد جديد بجيل جديد من التعاقدات

المنوزي: في الحاجة إلى عهد جديد بجيل جديد من التعاقدات مصطفى المنوزي
في التاريخ ، الدولة هي العقل الأكبر الذي يستوعب أعتى التحولات .
هيغل الفيلسوف الألماني .
"من العبث اجترار سؤال التنوع والتعدد الذي يمتاز به وطننا فالسؤال المطروح هو سؤال المشترك الذي يحتاج إلى وعاء يحضنه ويرعاه بقيم التعدد والحق في الاختلاف ".
مصطفى المنوزي المواطن المغربي .
 
هل نعيش عصر الدونكيشوتية المغربية وإعادة اكتشاف عجلة الشيطان
عجبت لردود أفعال بعض الأشخاص من قراء ومثقفين وسياسيين تجاه خطاب مكرور منذ عقود، مفاده أن الملكية معرقل للتنمية ، هي حق أريد به إبطال حقيقة الديمقراطية، والحال ان الحركة التقدمية منذ منتصف السبعيينيات، وبالضبط منذ صيف 1974 الذي تلا الحملة القمعية الشرسة التي طالت البشر والشجر والحجر، وعلى امتداد التراب الوطني، تنازلت عن جزء عظيم من إستراتيجيتها " الثورية "، وتخلت عبر مؤتمرات استثنائية عن مرجعيتها السياسية وازدواجيتها المذهبية ، مقابل انفتاح نسبي للدولة، في شخص المؤسسة الملكية ، على فكرة البناء الديمقراطي المقترن" بتوحيد" الجبهة الداخلية لمواجهة " الخطر " الخارجي.
وكان هدف القيادات التقدمية الحد من تغول الحكم الفردي المطلق، عبر تسييد مطلب دمقرطة الدولة، وكذا التأسيس لبيئة سياسية وحقوقية تنضج إمكانية الانتقال الديمقراطي، عبر تناوب توافقي على تدبير الشأن العام الحكومي، وفق ما اصطلح عليه بالتفعيل التدريجي لمطلب تحديث الدولة، عبر قنطرة " الملكية البرلمانية "، كتوليفة متوافق عليها بين تمثلات النظام الملكي الوراثي وبين طموحات دمقرطة النظام او تغييره دمقراطيا، قد كان العهد الجديد فرصة لإطلاق المفهوم الجديد للسلطة، المؤسس لشروط المصالحة مع الماضي، عبر وعد "الحقيقة والإنصاف " الذي هرب مشروعه باسم الانتقال والاعتراف بفظائع الماضي، دون إثارة المسؤوليات الفردية للجلادين المفترضين.
وقد تبين فعلا ان المقاربة التعويضية سادت على مستوى جبر الضرر، وتم تسطير مجموعة من الإجراءات في وعاء الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والتشريعية، وظلت طبيعة النظام السياسي نفسها تؤطر العلاقات الدستورية فيما بين السلط، على مستوى الواقع، وبذلك فمسؤولية تعثر العملية الديمقراطية، تعود إلى الأحزاب التقدمية نفسها، فقد قاطعت بعضها فكرة الإصلاح من داخل المؤسسات، وأخرى ظلت تراوح المكان داخل مربع " النضال الانتخابي "، وفي آخر التحليل، يمكن القول إن أغلب تلك الأحزاب، كان يشتغل على أساس " النية ابلغ من العمل "، وبذلك فإن موضوع دمقرطة الدولة ومطلب الملكية البرلمانية يشتغلان على إيقاع " التحريك "عوض " التغيير "، وهو نفسه الإيقاع الذي كانت الحركة الوطنية ترقص عليه ، وورثت منها الحركة التقدمية (الزعماء أنفسهم ) نفس المنهجية التي تروم التسويات الفوقية بالتوافق والتفاوض باستعمال" أوراق " العمل الجماهري، المدنية والاجتماعية، أي الحقوقية والنقابية ، العمالية والطلابية والتلاميذية، وكافة القطاعات المعتبرة ملحقات حزبية.
وإذا كانت الخريطة السياسية تحدد بناء على تسويات ومفاوضات تراعي وتخضع لسياق موازين القوة من جهة، أو تعاقدات إستراتيجية سابقة من جهة ثانية ، كامتداد لإكس ليبان وقضية الصحراء وتجربة التناوب وتسوية " الإنصاف والمصالحة "؛ فعلى أي أساس يمكن " شرعنة "مزايدات بعض الأحزاب الإدارية أو ذات مرجعية أصولية، والتي ولدت في رحم النظام المخزني وروضت في مختبره الأمني، على عكس الحركة التقدمية التي ظلت تحتمي تشرعن لموقعها كمعارضة للنظام بكونها استمرار لحركة المقاومة والتحرير الشعبية ؟
ومن باب الاستنتاج الأولي يبدو أن لخطاب عودة سنوات الرصاص والمزايدة الأصولية الفرعية على الأصولية الأم، بكون الملكية معرقلة للتنمية ، ما يبرره لدى أصحابه، فهم يعتقدون، غرورا ووهما أن الدولة تعيش ارتباكا وترددا، وأن المد المحافظ المتصاعد سيتيح الفرصة لتمديد أمد انحناء الدولة للعاصفة حتى تمر "، مما قد يقوي " حاجة " المؤسسة الملكية إلى حلفائها الموضوعيين والذين " نضجوا وكبروا " كدرع حام وضامن للاستمرار والاستقرار، وهو اعتقاد واهم تطفو معالم إنتقال عدواه إلى ذهن بعض شتات اليسار الذي يراهن على التحالفات غير الطبيعية لكسر تحالفات طبيعية وموضوعية هنا وهناك ، عن قصد أو عن غير وعي، وكل ذلك ضدا على قانون وحدة وصراع المتناقضات، وضد قاعدة أن لا تماثل فيما بين الوقائع وبالأحرى فيما بين البشر، والذين لا يمكن لهم أن يستحموا في نفس النهر أكثر من مرة واحدة .
لكن إذا كان من تكرار أو عودة اضطرارية، فهو بالضرورة سيتم نحو عهد المغامرة السياسية والانقلابية ، ضدا على سياق المشروع الديمقراطي، لأن العبرة ليس في من يصرخ أكثر بشخصنة الصراع وتجسيده في أفراد وفعاليات اقتصادية أو أعيان أو موظفين ساميين، فالصراع اجتماعي وفي جوهره طبق ، وبالتالي لا يمكن الرهان على حرب تستعمل القذف والشتائم سلاحا في حق العابرين، عوض النقد والصراع الفكري والسياسي السلمي في حق الدولة والتحالف الطبقي ومؤسسات ككيانات مستقرة في السياق وحسب موازين القوى.