الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

بوطوالة: جائحة كورونا أسقطت "أسطورة الجودة "بالتعليم الخاص

بوطوالة: جائحة كورونا أسقطت "أسطورة الجودة "بالتعليم الخاص الدكتور علي بوطوالة
يرى علي بوطوالة منسق فيدرالية اليسار الديمقراطي والكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي أن رهان الدولة على توسيع التعليم الخصوصي نزولا عند توجيهات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي بخصخصة التعليم وباقي المرافق العمومية، وتحويل التعليم عمليا إلى بضاعة أو سلعة خاضعة للعرض والطلب تسبب في ضغط كبير على الأسر والعائلات، خاصة أبناء الطبقة المتوسطة، مضيفا بأن المؤسسات الخصوصية استفادت طيلة العقدين السابقين من تشجيعات كثيرة وتسهيلات متعددة، وأصبحت تشكل لوبيا حقيقيا، كما أن التعليم الخاص في المغرب أصبح خاضعا للمضاربة مثله مثل العقار، والمقالع..
وأشار بوطوالة أن الأسر اكتشفت وهم جودة التعليم الخاص، لأن كل أسطورة التعليم الخاص في المغرب بنيت على الجودة، وعلى نسب النجاح، علما أن مؤسسات التعليم الخاص لا تقبل تسجيل إلا التلاميذ المتفوقين الذين يحصلون على معدلات عالية، متهما أرباب المؤسسات الخصوصية بابتزاز الدولة من خلال سعيهم للاستفادة من صندوق كورونا وابتزاز الأسر والضغط عليهم لأداء واجبات التسجيل خلال فترة جائحة كورونا، داعيا الدولة إلى تحمل مسؤوليتها من خلال الحرص على تطبيق القانون ودفاتر التحملات التي وقعتها مع المؤسسات الخصوصية.
كشفت الأزمة الحالية بين الآباء وأرباب مؤسسات التعليم الخصوصي، عن الوجه الآخر لإغتيال المرفق العمومي ( التعليم، الصحة..) مارأيك ؟
تماما..جائحة كورونا كشفت عن الإختلالات الكبيرة التي تعاني منها المنظومة التربوية، وخاصة أنها فرضت اللجوء إلى التعليم عن بعد كاختيار إجباري، وبالتالي انكشفت الهوة الكبيرة بين المناطق وبين الفئات الإجتماعية، فبطبيعة الحال فالأغلبية الساحقة من التلاميذ والتلميذات والطلبة ينتمون إلى فئات فقيرة ومحدودة الدخل، وفئات متوسطة، وأغلب هاته الأسر لا تتوفر على الوسائل التقنية من حواسيب، وهواتف ذكية، لمتابعة أبنائهم للدروس عن بعد، مما جعل التعليم عن بعد في المغرب لا يمس إلا حوالي 40 في المائة أو أقل من 50 في المائة من مجموع التلاميذ الذين من حقهم الإستفادة في متابعة دروسهم كاملة.
كيف يمكن في نظرك إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية في ضوء المعطيات المطروحة حاليا في ظل هذه الأزمة ؟
الجائحة كشفت كما قلت سابقا عن بعض القطاعات التي لها أولوية استراتيجية، كما كنا دائما ننادي بها كقوى تقدمية، والاهتمام بها وإعطائها الأسبقية، مثل الصحة العمومية والتعليم العمومي. الجائحة أكدت أسبقية هذه القطاعات وأهميتها بالنسبة للإنسان، فالإنسان ينبغي أن يكون محور كل مشروع تنموي، من أجل تحقيق التنمية الشاملة، الإقتصادية والإجتماعية، والثقافية، فالإنسان هو منطلق ومنتهى أي عملية تنموية، وبالتالي فتعليم الإنسان، والإستثمار في الإنسان بمعنى تكوين الإنسان وجعله قادرا على مواكبة التطورات، ومتمتعا بكفاءات ومهاراتن وبقدرة على فهم ما يجري أولا، وعلى التعامل معها بشكل صحيح، هذا كله يتطلب من المنظومة التربوية أن تكون مؤهلة لتجويد الطاقات البشرية يعني أبناء وبنات الشعب المغربي وتزويدهم بما يحتاجون إليه من معارف ومهارات، وقدرات.
من المعلوم أن الأسر سلكت منحى التصعيد في مواجهة أرباب المؤسسات الخصوصية، مستندة على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وعلى مقتضيات قانون حماية المستهلك، علما أن الدروس عن بعد لا يمكن أن توازي من ناحية الجودة الدروس الحضورية، فكيف تنظر لهذا التوتر ؟
في ما يتعلق بإشكالية التعليم الخصوصي، فيمكن تفسيرها بالمقولة الشعبية : " من الخيمة خرج مائلا "، فمن المنطق كان رهان الدولة على توسيع التعليم الخصوصي بأي ثمن نزولا عند توجيهات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي بخصخصة التعليم وباقي المرافق العمومية، وتحويل التعليم عمليا إلى بضاعة أو سلعة خاضعة للعرض والطلب، وهو الأمر الذي تسبب في ضغط كبير على الأسر والعائلات، خاصة أبناء الطبقة المتوسطة التي اضطرت أمام إفلاس التعليم العمومي إلى إرسال أبنائها وبناتها إلى مؤسسات التعليم الخاص. هذه المؤسسات استفادت طيلة العقدين السابقين من تشجيعات كثيرة وتسهيلات متعددة، حتى في مجال أداء الضرائب، والحصول على القطع الأرضية، وفي أيضا في مجال التوظيف، رغم أن الدولة حاولت أن تفرض على أساتذة التعليم العمومي عدم العمل في القطاع الخاص، وأن تفرض على مؤسسات التعليم الخاص توظيف مدرسين ومدرسات قارين ومسجلين في الضمان الإجتماعي رفضت آنذاك مؤسسات التعليم الخاص هذا الأمر وقاومته بشدة، بل كانت من الداعين ومن العاملين على إبعاد الوزير الوفا من منصبه كوزير للتربية الوطنية، وبطبيعة الحال فهذه المؤسسات أصبحت تشكل الأغلبية على كل حال، فعدد كبير منها أصبح يشكل لوبيا حقيقيا، وقد كشفت جائحة كورونا نقاط ضعف هذا القطاع، ورغم أن التعليم عن بعد وصل من الناحية النسبية وصل إلى 14.9 في المائة من عدد التلاميذ والتلميذات بعد أن كانت الدولة تراهن على الوصول إلى 20 في المائة، وطبعا هذا غير ممكن، فحتى في الدول المتقدمة لاتتجاوز النسب 5 إلى 6 في المائة، وفي أقصى الحالات 10 في المائة بالنسبة للتعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية. فاذا، التعليم الخاص وكما قلت أصبح خاضعا للمضاربة مثله مثل العقار، والمقالع..
( مقاطعا ) لدرجة أن الآباء أضحوا الآن يهددون بالهجرة الجماعية من التعليم الخصوصي إلى التعليم العمومي ؟
طبعا..لأن الأسر اكتشفت وهم جودة التعليم الخاص، لأن كل أسطورة التعليم الخاص في المغرب بنيت على الجودة، وعلى نسب النجاح، علما أن مؤسسات التعليم الخاص لا تقبل تسجيل إلا التلاميذ المتفوقين الذين يحصلون على معدلات عالية، أي التلاميذ الذين يعد نجاحهم مضمونا، وهو المعطى الذي كان يزيد في الدعاية لهذه المؤسسات، والآن أمام توسع مؤسسات التعليم الخاص أصبحت نقاط الضعف تظهر، وأصبحت حقيقة التعليم الخاص تنكشف، فهو تعليم كما قلت خاضع لقانون السوق، وخاضع للعرض والطلب، ولهذا لجأ أرباب المؤسسات الخصوصية الى ابتزاز وزارة التربية الوطنية أولا، ثم حاولوا الاستفادة من الصندوق المخصص للجائحة، والضغط على الآباء لأداء واجبات التسجيل خلال فترة جائحة كورونا. كما هددوا الوزارة الوصية بالإضراب، بمعنى أنهم يحاولون خلق أزمة، وخلق التوتر، من خلال الضغط على الأسر من جهة، والضغط على الوزارة من جهة ثانية، وبطبيعة الحال فهذا رهان ينبغي للدولة أن تتحمل فيه المسؤولية، وينبغي للدولة أن تكون حريصة على تطبيق القانون، وعلى احترام العقود الموقعة، ودفاتر التحملات التي وقعتها هذه المؤسسات مع الدولة، فبدون احترام دفاتر التحملات، سنصبح أمام نوع من السيبة في ما يتعلق بقطاع حساس ومرفق عمومي استراتيجي بالنسبة لمستقبل المغرب.
اليسار والديمقراطيون كانوا دائما يدافعون عن المرفق العمومي، لكن للأسف لوحظ في السنوات الأخيرة أن هؤلاء تركوا الشعب بدون سند كفريسة لليبرالية المتوحشة، فلماذا استقالوا في هذه القضية، في نظرك ؟
اليسار في الحقيقية لم يستقيل..اليسار هو الذين كان يقود دائما النقابات التعليمي، هو الذي كان يقود الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وكان يقود سابقا وداديات التلاميذ. اليسار كان دائما يدافع عن التعليم العمومي المجاني والجيد لصالح جميع أبناء وبنات الشعب المغربي، ولكن ما تعرض له اليسار من " حرب إبادة " واستئصال من المجتمع، وإضعافه إضعافا كبيرا بعدما خضع التعليم لمراجعة كبيرة في بداية الثمانينيات وتمت محاربة الفكر التنويري والفكر الحداثي، والتقدمي بصفة عامة. انتقلت مؤسسات التعليم من الخضوع إلى حد ما للتوجه التقدمي الحداثي إلى التوجه الأصولي، الغيبي، الرجعي..وحتى على مستوى الحكومة تم التوجه نحو خوصصة التعليم وأن الدولة ينبغي أن ترفع يدها على المرافق العمومية، وخصوصا التعليم، وهو التوجه الذي يلتقي في العمق مع الليبرالية المتوحشة، وهذا جعل تأثير اليسار ضعيفا، خاصة على مستوى المجتمع، والقواعد الجماهيرية، ولم يعد صوت اليسار ولا مواقف اليسار لها تأثير عند الآباء وعند التلاميذ، وبالتالي فالذهنية الأصولية والليبرالية المتوحشة وجدت أمامها فراغا كبيرا، فاستغلته أبشع استغلال، والنتائج الآن نشاهدها على مستوى المجتمع، والكل أصبح يتساءل بطبيعة الحال عن دور اليسار في مثل هذه الأزمات، متناسين أن هذا اليسار تعرض لحرب إباداة واستئصال، وبالتالي ففاقد الشيء لا يعطيه، علما أن إمكانيات اليسار أصبحت محدودة جدا حتى على مستوى الدفاع عن الشغيلة وضمنها الشغيلة التعليمية.