الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الجليل طليمات:أين نحن من دستور 2011.. ؟

عبد الجليل طليمات:أين نحن من دستور 2011.. ؟ عبد الجليل طليمات
دخل المغرب يوم فاتح يوليوز 2011 مرحلة جديدة في تجربته الدستورية، وذلك في ظل ظرفية وطنية وإقليمية دقيقة وصعبة تميزت بحراك شعبي نوعي في مطالبه وجماهيريته الواسعة، كما قادته حركة 20 فبراير .
وهكذا فمنذ الخطاب الملكي ليوم9 مارس 2011 عرفت البلاد حوارا واسعا ونقاشا عموميا سياسيا ودستوريا حول المرتكزات السبعة المعلنة في الخطاب الملكي لصياغة دستورجديد، وحول الآلية المرفقة بها ممثلة في اللجنة الاستشارية لإعداد مشروع الدستور التي تسلمت 24 مذكرة حزبية، و 100 مذكرة للجمعيات الحقوقية والثقافية والمنظمات النقابية . وبذلك يكون مشروع دستور 2011 أول مشروع يحظى باستشارة واسعة في وضعه، وبمشاركة المجتمع المدني بمقترحاته ومطالبه . وعليه فمن المبالغة اعتبار هذا الدستور " ممنوحا" على غرار سابقيه ولو أنه لم ينبثق عن مجلس تأسيسي منتخب.
وجملة القول إن دستور 2011 هو أول دستور توافقي إذ قام على صياغة تركيبية لما تقدمت به الأحزاب السياسية وجمعيات وهيئات ومنظمات المجتمع المدني من تصورات ومقترحات ومطالب.
في أن صياغة اللجنة للمشروع المعروض للاستفتاء الشعبي انزلقت في قضايا كبرى إلى منطق الإرضاء الذي يتبنى كل شيء ولا شيء في نفس الوقت,وهذا ما كان جليا بشكل خاص في مسألة الهوية الوطنية والتعدد اللغوي , وإلى سلوك الإقصاء لمطالب أخرى كما تمثل ذلك في عدم التنصيص على مبدأ حرية الاعتقاد .
إن التوازنات القائمة مجتمعيا كانت لها كلمة الحسم في تلك القضايا وغيرها ، وهي ما حدد ت الطبيعة التوافقية تلك (والتوفيقية أحيانا)، وتحكمت في صياغة بقية المقتضيات الدستورية ومضامينها خاصة ما تعلق منها بالتخفيف من طابع الملكية التنفيذية كما كرستها الدساتير السابقة بفتح أفق منظور لنظام الملكية البرلمانية وممكن إذا ما تم إنضاج الشروط المجتمعية , السياسية والثقافية المطلوبة .. لبلوغه.
هذا السياق فإن التأويل الديمقراطي لمقتضيات الدستور، وتفعيلها من خلال القوانين التنظيمية و الممارسة السياسية والسلوك المؤسساتي يبقى هو الرهان الأساسي الذي بربحه أو خسرانه يتحدد مآل هذا الدستور: فإما التعطيل والتأويل المحافظ أو هما معا، وذلك ما عايناه في ظل الولايتين الحكوميتين لما بعد 2011 ما أدى إلى تكريس ملكية مفرطة في التنفيذية، وإما التفعيل والتأويل الديمقراطيين له بما يخرج الانتقال الديمقراطي من مآزقه . "معركة التأويل" هذه سيظل ميزان القوى السياسي والثقافي والإيديولوجي في المجتمع هو الحاسم في تحديد وجهتها وحسم رهاناتها المتناقضة .
ويبدو اليوم واضحا أن هناك شروطا لا غنى عنها في تفعيل ديمقراطي للدستور الحالي وتطويره بما يحقق تحديث المجال السياسي وتأهيله للانتقال إلى الديمقراطية وفي مقدمتها:
- تجديد الثقافة السياسية للنخب الفاعلة في المشهد السياسي والحزبي بما يقطع مع النزعات " السياسوية" الضيقة الأفق، ومع مختلف الأمراض التي تنخر الجسد الحزبي عموما من انتهازية واستبدادية في تدبير الشأن الحزبي, وتفريط في استقلالية القرار، وانسحاب من عملية تأطير المواطنين كمهمة خولها لها الدستور.
- واتباطا بذلك ,فإن إعادة هيكلة الحقل الحزبي على أسس فكرية وسياسية وبرنامجية واضحة أمسى ضرورة لإضفاء الوضوح والمصداقية على العمل الحزبي الذي اختلط في حقله التقليداني المحافظ بالديمقراطي الحداثي، يساريا كان أم ليبراليا . إن الملكية البرلمانية كأفق للنضال الديمقراطي ستظل صعبة المنال في ظل التعددية الحزبية الفوضوية والعقيمة القائمة حاليا والتي لا مبرر موضوعي لها فالسند القوي للملكية البرلمانية في ديمقراطيات العالم هو أحزاب سياسية قوية ومهيكلة ذات امتداد شعبي واحتضان من طرف تيار اجتماعي واسع لمشروعها المجتمعي.
تحديث المؤسسة الملكية، على قاعدة مشروعيتها التاريخية والدينية المتجذرة والمتماهية مع تاريخ وحضارة البلاد، كي تصبح مطابقة لمقومات وروح ومقاصد النظام الديمقراطي البرلماني .
بعد تسع سنوات مرت على إقرار بدستور 2011 لا يمكن لأي ديمقراطي إلا أن يشعر بخيبة أمل من وتيرة الإنجاز والتفعيل ومن نوعية ووجهة التأويل. من هنا فإذا كان اليوم من مهمة يستعيد بها اليسار موقعه الفاعل والمؤطر والمميز له وسط " جوقة حزبية " تتكلم بلسان واحد، فهي العمل على الإنضاج الذاتي : الثقافي والسياسي والحزبي والمجتمعي بشكل عام للانتقال إلى وضع دستوري سياسي ومؤسساتي مفتوح على نظام ملكية برلمانية حديثة .