السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف عشي: كرونولوجيا الأزمة بين مؤسسات التعليم الخاص وأولياء التلاميذ

يوسف عشي: كرونولوجيا الأزمة بين مؤسسات التعليم الخاص وأولياء التلاميذ يوسف عشي مع وقفة احتجاجية لآباء وأولياء التلاميذ ضد أرباب المؤسسات التعليمية الخاصة

بعد قرار وزارة التربية الوطنية توقيف الدراسة الحضورية في 14 مارس 2020 ودخول المغرب في حالة الحجر الصحي، توقفت الأسر عن إرسال أبنائها إلى المدارس، سواء العمومية أو الخاصة.. واستمر ما سمي بـ "التعليم عن بعد" بما له وما عليه من ملاحظات.

 

وبعد مضي شهر مارس وبداية وأواسط شهر أبريل، بدأت مؤسسات التعليم الخاص في مطالبة الآباء والأولياء برسوم التدريس ورسوم النقل.

 

شكل هذا صدمة لأغلب الآباء لأنهم ظنوا أن تلك المؤسسات لن تطالبهم بأي مقابل، خصوصا وأنهم عانوا كثيرا من جراء ما سمي بالتعليم عن بعد لأنهم اضطروا للتحول إلى مدرسين خصوصيين لأبنائهم، خصوصا في المستويات الابتدائية، وأيضا لأنهم عانوا من مصاريف زائدة أثقلت كاهلهم.. (الربط بالأنترنت، اقتناء هواتف، لوحات الكترونية، حواسب.. الخ)، إضافة إلى أن بعضهم فقد مصدر دخله بشكل كلي أو جزئي من جراء الجائحة..

 

بالمقابل تحججت مؤسسات التعليم الخاص (ليس كلها طبعا..) بأن لديها التزامات مع المشتغلين بها وأنها عوضت التعليم الحضوري بالتعليم عن بعد.. وهنا تشكلت بؤرة الإشكال..

 

انتظر الآباء من جمعيات الآباء بهذه المؤسسات أن تقوم بدورها في الدفاع عنهم ولعب أدوار كبيرة في حلحلة المشكل.. لكن شيئا من هذا لم يحدث. بل إن بعضها تجرأ على الآباء وانحاز بشكل سافر إلى المؤسسات.. وطبعا هذا نتيجة لكون تلك الجمعيات إما منعدمة وإما مشكلة بالمقاس على هوى أرباب مؤسسات التعليم الخاص.. وهذا ما دفع الآباء والأولياء إلى البحث عن بدائل لحل المشكل.. وهو ما وجدوه في وسائط التواصل الاجتماعي وتحديدا تطبيق الواتساب.. وهكذا بدأت المجموعات تتشكل وتتكاثر بشكل مثير.. وبدأ النقاش الذي أخرج إلى الوجود ما كان يجب أن يكون موجودا قبلا.. وهو صوت الآباء المدوي.

 

ويجدر هنا تسجيل ملاحظة جد هامة تتعلق بدرجة الوعي والحس التضامني العالي، الذى أبان عنه الآباء، من خلال تشكيل لجان والمبادرة إلى الحوار الجاد مع المؤسسات..

 

وكانت الصدمة الثانية للآباء حينما ووجهت مبادرات الآباء برفض وتعنت من المؤسسات ولو بشكل هادئ كالاستقبال بالترحاب، مع رفض مقترحات الحل، وهنا بدأ يظهر على السطح نقاش حقيقي حول مصطلح "المؤسسة المواطنة" وبدأ مناخ التوتر يخيم على الوضع، واهتزاز الثقة التي كانت موجودة بشكل بديهي سابقا، بل بدأ الأمر يتجه نحو المواجهة، فظهرت بعض الوقفات الاحتجاجية التي حكمها مبدئيا نوع من التسرع من طرف بعض آباء بعض المؤسسات.

 

وللمرة الثانية يبرهن الآباء عن وعي حقيقي حس عالي بالمسؤولية، حينما قرروا اللجوء إلى الوزارة المعنية وطلب وساطتها...

 

لكن للأسف لم تكن الوساطة فعالة نظرا لضعف موقف الوزارة وضعف القرار الذي اتخذته، والذي جعلها تظل في موقف المتفرج، إن لم نقل الداعم لشريكها مؤسسات التعليم الخاص، وأيضا نظرا للضعف الحكومي الذي يخشى من أن يتورط في تعويض تلك المؤسسات إن ضغط عليها لصالح الآباء. فكانت الوساطة عرجاء.. وانطبق عليها المثل الشعبي {باك طاح في السوق حيث من الخيمة خرج مايل} وطبعا لم تنجح تلك الوساطة رغم الآمال التي علقت عليها..

 

هذا زاد الوضع تأزما.. خصوصا مع جنوح بعض أرباب المؤسسات إلى تصرفات وتصريحات غير محسوبة وغير مسؤولة.. زادت في احتقان الوضع.. وبالمقابل تحسن السلوك التنظيمي لآباء وأولياء التلاميذ، وتحولت أغلب المجموعات إلى تنسيقيات.. وظهر اتحاد آباء وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب.. وبدأت معايير وموازين الوضع تتغير.. من وضع كانت تبدو فيه مؤسسات التعليم الخاص أقوى وترفض العروض وتتقدم بعروض هزيلة فقط لذر الرماد في العيون. تحول الوضع إلى صراع كبير وبدأت خطورته تظهر مع دعوة الاتحاد إلى وقفات احتجاجية جهوية وإقليمية، وبدأت الأمور تدخل في منعطف أخطر وأكثر تعقيدا باتحاد الآباء، وتشرذم أغلب المؤسسات الخاصة التي بدأ بعضها في الإذعان للأمر الواقع وإيجاد صيغ أفضل للحل مع الآباء، في حين ظل البعض الآخر في هروبه نحو الأمام ليخرج بخطوة أخرى غير محسوبة وغير مسؤولة بالدعوة إلى إضراب لا معنى له سوى تخبطها، خصوصا أنه أتى مباشرة بعد خروج الوزارة بتصريح حاسم يعتبر مؤسسات التعليم الخاص غير متضررة من الجائحة، وبالتالي سقطت آمالها في استثمار ضغط الآباء على الحكومة والاستفادة من دعم صندوق الجائحة عبر صندوق الضمان الاجتماعي. لتزداد وضعيتها سوءا بفقدانها لثقة الآباء وتعريها أمام الرأي العام بإظهارها للجشع.. وأيضا عدم استفادتها من الدعم الحكومي ليصدق عليها المثل شعبي (لا حمار لا 7 فرنك).

 

وبالمقابل، وللمرة الثالثة، يبين الآباء عن وعيهم العالي ويفتحون بابا آخر لتيسير سبل إيجاد حل يرضي الطرفين بتوجههم لمسؤولي السلطة المركزية للتوسط بين الطرفين لإيجاد حل منصف يتقدم فيه الآباء بعرض أداء نصف مبالغ رسوم التمدرس الحضوري رغم عدم استفادة أبنائهم منه.. في خطوة أخرى لفتح أبواب الحل التوافقي.. وسط تعنت واضح من أرباب مؤسسات التعليم الخاص لا يفهم سببه، وتحفظ واضح تجاه الوساطة من المسؤولين الرسميين أيضا لا يفهم سببه، ووعي راق وسلوك مدني أرقى من الآباء الذين يفضلون التضامن على الاحتكام للقانون الذي هو أصلا في صفهم..

 

وهنا نقف عند المرحلة الحالية.. هل ستشكل وساطة مسؤولي السلطة المركزية (عمال صاحب الجلالة) نقطة الحل..؟ أم ستفشل هي الأخرى.. ليتوجه الآباء مباشرة الى المسؤول الأعلى في البلاد..؟ أو لا قدر الله تنفلت الامور ويدخلون في مواجهة مباشرة على الميدان مع أرباب مقاولات التعليم، خصوصا مع الوضع الصحي المهدد بالبلاد..؟ 

أو يظهرون -كما نعتقد- مزيدا من الرقي والوعي بالمسؤولية.. ويستخلصون وثائق أبنائهم من المديريات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية ويتركون الباقي على القضاء؟

 

ذلك ما ستظهره الأيام القادمة

 

- يوسف عشي، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي