الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

أحمد حضراني: كورونا، الصدمة غير المنتظرة تكرس انفراد وزارة الداخلية بالقرار المركزي

أحمد حضراني: كورونا، الصدمة غير المنتظرة تكرس انفراد وزارة الداخلية بالقرار المركزي أحمد حضراني مع مشهد من عملية السهر على إجراءات حالة الطوارئ الصحية

يرى أحمد حضراني، أستاذ بكلية الحقوق بمكناس، أن تغييب دور السياسيين والنقابيين والمنتخبين في أزمة كورونا، وتغييب أجهزة اللاتمركز الإداري من المصالح الخارجية للوزارات والغرف المهنية يكرس انفراد وزارة الداخلية بالقرار المركزي في هذه الأزمة. ويضيف حضراني أن مرحلة ما بعد الحجر الصحي ستكون حاسمة في التقييم ورادعة لعودة أم الوزارات.

 

+ كيف تقرأ أنه في إطار جائحة كورونا برز بشكل لافت دور رجال السلطة، سواء على مستوى التعبئة أو مستوى مراقبة إجراءات الطوارئ الصحية؟

- تفريد رجال السلطة بهذه المسألة كان للضرورة والأمن الصحي في هذا المجال، إضافة إلى الطاقم الطبي وغيرهم. وبخصوص رجال السلطة لابد من استحضار الدور الكبير والمكانة المفصلية التي تلعبها النخب الإدارية والمحلية أي السلطات الترابية عبر التاريخ المغربي في قيادة المجتمع. ويمكن أن نستحضر في هذا الإطار القايدوية في مغرب ما قبل الحماية. أما بعدها فقد صدرت نصوص تشريعية خاصة لتأطير رجال السلطة الذين يأتي على رأسهم العامل.

وأذكر هنا منشورا للوزير الأول سنة 1964 المتعلق بمهام العامل الذي كان قد نص على أن تعيين العامل يكون من ضمن الأشخاص ذوي التجارب الميدانية، كما يجب أن تتوفر في العامل عدة شروط ومنها خاصة أن يكون موظفا تابعا لوزارة الداخلية، وأن من صفاته أن يكون رجل ميدان. وللإشارة، فإن الراحل الملك الحسن الثاني كان قد خاطب العمال سنة 1965 قائلا: "فأنتم عيوننا وآذاننا، وأنتم الممثلون الذين يمثلوننا في العمالات والأقاليم". ومن شريحة رجال السلطة كذلك يأتي القائد الذي له دور محوري على مستوى خدمة السكان ومراقبة أنشطتهم، فضلا عن دوره الاستعلامي. فالقائد كان من أبرز أعمدة المخزن المغربي ودوره أساسي في الحفاظ على النظام العام، وهو ضابط عسكري احتياطي ويتلقى تكوينا عسكريا في هذا المجال.

ولا بد من الإشارة كذلك إلى خطاب الملك الحسن الثاني أمام خريجي القياد بمناسبة حفل تخرجهم سنة 1967، حيث قال آنذاك: "إن صفة القائد التي تلقبون بها تعني الرئيس الذي يتحمل ويكون في الريادة لكل حركة اقتصادية اجتماعية أو عسكرية أو سياسية".

ذكرت هذه الأمثلة الاستشهادية بناء على هذه النصوص والخطاب السياسي الرسمي، لأبين الحمولة التاريخية التي تكرست في مغرب الاستقلال، وعشنا في المغرب الحديث والقريب إلى حد ما هيمنة وزارة الداخلية التي تقوت مهامها، وخاصة في الجانب الأمني باعتبار ما يسود العالم من إرهاب وانفلاتات أمنية، فبرز دورها على مستوى الضبط الإداري والأمني في هذا المجال. وأكيد أن دورها سيستمر خاصة مع كورونا التي هي عبارة عن حرب وبائية لم يكن في وسع المغرب، وعلى غرار دول اخرى إلا أن يكون في الواجهة، بجيشه الأبيض الذي هو الأطقم الطبية، بالإضافة إلى جيشه الاعتيادي. وبرزت بالتالي وزارة الداخلية التي تبقى في المغرب لحد الآن هي المؤهلة للخوض في مجموعة من التحديات والرهانات، ولا أدل على ذلك هو تدبيرها العمليات الانتخابية.

فليس هنالك أي جهاز في المغرب قادر على تدبير مثل هذه العمليات. وهكذا كان على وزارة الداخلية أن تكون في الموعد وتتعبأ في هذه الظرفية.

 

+ لكن لوحظ في المقابل أن الفاعل السياسي والمنتخب ظهر في هذا الفترة بشكل باهت، إن لم نقل منعدما. بماذا تفسر ذلك، أليس هذا مرده إلى فقر ذاتي أم إلى خوف من قرار سلطوي؟

- يمكن تفسير ذلك وبكل موضوعية بأن هذه الجائحة فاجأت العالم، بما فيها الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا واقتصاديا وعسكريا، فبالأحرى دولة هشة مثل المغرب. ومن جهة ثانية لقد أملت تدابير الحجر الصحي والإجراءات الاحترازية تعميم الحجر الصحي على الجميع، حفاظا على سلامة المواطنين والمواطنات. وبالتالي لم يكن في الواجهة في تقدير السلطات العمومية إلا القوات العمومية بمفهومها الأمني والعسكري والطبي كذلك، وهي جميعها القوات التي فرضت التدبير اليومي للأزمة. وفي المقابل لوحظ هنالك دور باهت للسياسيين والنقابيين والمنتخبين. لأن اللحظة كانت صادمة وفارقة في حياة البشرية، ولم تكن الحاجة إلى المزايدات وإلى التدافعات بقدر ما كانت المسألة ترتبط بالوحدة والتعبئة، وكأننا نخوض حربا ضد وباء بيولوجي، وهي ما أعتقد شروطا كانت وراء هذا الدور الباهت للسياسيين في هذه المسألة. لكن المثير للانتباه على المستوى المحلي وفي إطار البعد الديمقراطي صدور دورية لوزير الداخلية التي عطلت عقد الدورات العادية للمجالس الجماعية في المغرب، علما أن عدد الجماعات هو 1503، كما تم تعطيل الدورات العادية لمجالس العمالات والأقاليم، وهذا يترك علامات استفهام.

أولا من الناحية التشريعية كيف لدورية أن تعطل مقتضى قانونيا مؤطرا بقانون تنظيمي هو جزء من الكتلة الدستورية؟ ولماذا لم يجرؤ أي مجلس جماعي مباشرة على عقد الدورات؟ وإلى أي حد كانت هذه الدورية ملزمة؟

وثانيا لماذا لم يترك هذا التدبير لتقدير العمال والعمالات حسب خصوصية كل عمالة وإقليم على اعتبار أن الجائحة لم تصب بقوة بعضها؟ وزاد من بؤس السياسي -إن صح التعبير- حتى تدبير المساعدات المالية، سواء من صندوق الجائحة أو على مستوى المواد الغذائية؛ فهذه الأخيرة انفرد  رجال وأعوان السلطة بتوزيعها، بل وأكثر من ذلك فإن المنتخبين لم يكونوا يتحركون في الأول  إلا  بالرخصة التي يسلمها أعوان السلطة المحلية في هذا المجال، وهو ما  دفعهم إلى المكوث في منازلهم. إذن تعطيل انعقاد دورات المجالس المنتخبة والدور الباهت للسياسيين من الأحزاب والنقابات، وتقديم الجماعات للمساعدات، ولكن توزيعها يتم من طرف رجال وأعوان السلطة تحت ذريعة الخوف من تسييس المساعدات، وتقديمها دعما للخزان الانتخابي، علاوة على التعبئة والصدمة غير المنتظرة... كلها عوامل جعلت وزارة الداخلية تستعيد نفسها، وهي التي كانت مؤهلة. أما عدم إشراك المجتمع المدني والمنتخبين وتحييدهم، وخاصة على المستوى المحلي، فهو يطرح سؤالا عن دولة الجهات والديمقراطية المحلية. ولا ننسى كذلك أن التغييب لم يشمل فقط دور السياسيين والنقابيين والمنتخبين على المستوى المحلي، بل شمل كذلك تغييب أجهزة اللاتمركز الإداري، خاصة بعد صدور ميثاق اللاتمركز، ويعني المصالح الخارجية للوزارات والغرف المهنية المختلفة، وهو ما يكرس انفراد وزارة الداخلية بالقرار المركزي في ظل هذه الأزمة.

  

+ ما هو رأيك في تأطير وزارة الداخلية لتدخلات رجالاتها ودفاعها عنهم في زمن الجائحة؟

- أعتقد بأن دفاع وزارة الداخلية عن رجالاتها كخدام للدولة، يأتي في إطار ثقافة الدفاع عن المناصرين والأوفياء، وهي ثقافة نجدها إلى حد ما عند الأحزاب السياسية وعند النقابات وعند الهيئات المهنية. وبالتالي فكل جهة تدافع عن أعضائها ومنخرطيها في الصراعات والنزاعات والخلافات وحتى أثناء التقاضي. وتبدو وزارة الداخلية في هذا الباب بفعل التعبئة التي خاضتها كأنها تريد أن تظهر للجميع أنها لا تتخلى عن رجالاتها، كما أن هؤلاء أنفسهم يعرفون أن لهم "ربا يحميهم"!..

وكيفما كان الحال فهذه ثقافة يجب أن تخضع للقانون، ووجوب الامتثال للقانون هو أمر إلزامي على الجميع كما ينص على ذلك الدستور، ثم يجب كذلك عدم السقوط في الشطط في استعمال السلطة الذي ناضل من أجله الحقوقيون، وقدم المغرب تضحيات من أجل الحقوق الأساسية في هذا الميدان.

ومن جهة أخرى لا ينبغي إغفال الضغط النفسي والإجهاد الذي وقع فيه رجال السلطة، وما يزيد في الإنهاك من قوتهم تكوينهم العسكري، وبالتالي لا غرابة في ارتدائهم الزي العسكري في ظل هذه الجائحة. فرجل السلطة يمتثل للأوامر ولا يمكنه أن يقول لا. كما أن رجل السلطة يستغرق نشاطه اليومي في مطاردة الباعة الجائلين والفراشة.

وليس هذا هو الدور الحقيقي لرجل السلطة الذي سبق الملك الحسن الثاني أن وصف القياد بأنهم رؤساء في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية وليس في تطهير الملك العمومي. وهذا يؤدي بنا الى القول بان رجال السلطة هم في حاجة إلى التكوين واستكمال التكوين في مجالات أهم   كحقوق الإنسان والتكنولوجيا الحديثة...إلخ.

ويمكن القول كخلاصة إن الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني تنتظر، وهي تحت وقع الصدمة، تأجيل التقييم إلى ما بعد الأزمة. وبالتالي فهذا التقييم ودينامية المجتمع المدني ستشكل حصارا بتشديد الصاد. كما أن النقاشات العمومية ووسائل الإعلام، وخاصة ما تم خلال التصدي لقانون تكميم الأفواه 22/20، لذا أعتقد بأن مرحلة ما بعد الحجر الصحي ستكون حاسمة في التقييم ورادعة لعودة أم الوزارات. ولا ننسى أن المنتظم الدولي والهيئات الأممية كانت تحذر من استغلال هذه الظرفية للدوس على حقوق الإنسان والمغرب له التزامات دولية في هذا الباب.