Tuesday 8 July 2025
سياسة

بنكيران... حين يتحول الزعيم السياسي إلى "واعظ أعراس" على منصة حزبية !!

بنكيران... حين يتحول الزعيم السياسي إلى "واعظ أعراس" على منصة حزبية !! عبد الإله بنكيران

في أحدث حلقات "الحنين إلى الوراء"، فاجأنا عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بتصريحات بدت وكأنها مقتطفات من خطبة زفاف أُلقيت في قاعة حفلات عام 1950، لا من مؤتمر حزبي يُفترض به مواكبة تحولات القرن الحادي والعشرين.

خلال تجمع خطابي بمدينة أكادير، وجّه بنكيران نصيحة للفتيات المغربيات: "تزوجن، فالدراسة لن تنفعكن في شيء"، مضيفًا بمرارة شاعر هاوٍ: "من تفشل في الزواج، لن تنفعها الشواهد، وستنتهي وحيدة مثل نورس ضائع". ولم يوضح بنكيران ما علاقة النوارس بمصير النساء، لكن يبدو أن خياله السياسي قد اصطدم بعاصفة من clichés الذكورية قبل أن يحط رحاله على أرض الواقع.

تصريحات كهذه لم تكن مجرد سقطة لسان، بل كانت سقوطًا مدويًا في مستنقع التفكير التقليدي البالي، الذي يرى في المرأة كائناً هشاً لا يُعوَّل عليه إلا إذا كان متزوجًا ومطيعًا. الجمعيات النسائية، والمجتمع المدني، وعدد من الفاعلين السياسيين لم يتأخروا في التعبير عن غضبهم، معتبرين كلام بنكيران إهانة صريحة للمكتسبات التي راكمتها المرأة المغربية عبر نضالات مريرة.

وإن كان بنكيران دائم التباهي بانتمائه لـ"المرجعية الإسلامية"، فإن تصريحاته الأخيرة لا تمت بصلة حتى لقيم الإسلام التي تدعو إلى طلب العلم للجميع. بل هي أقرب إلى خطاب يتغذى على النزعة الأبوية ومحاولة فرض وصاية على اختيارات النساء، تحت عباءة من “النصح الأبوي” الذي يفتقر لأبسط مقومات الاحترام.

اللافت، والمثير للتهكم، أن بنكيران نفسه يحيط نساء عائلته بخيارات تعليمية من الطراز الرفيع. فابنته، حسب تقارير متقاطعة، تتابع دراستها في مؤسسة فرنسية نخبوية داخل المغرب، من تلك التي تكلّف ما يعادل أجرة سنة كاملة لعائلة من الطبقة المتوسطة. وبالمناسبة، لا تتحدث حتى العربية، تلك اللغة التي لا يكفّ بنكيران عن تسويقها في خطاباته حين يتحدث عن “الهوية” و”الأصالة”.

هنا يصبح من الصعب غض النظر عن التناقض الفجّ بين ما يروّج له الأمين العام وما يعيشه فعلاً. في الوقت الذي يطالب فيه فتيات الشعب بالزواج بدلاً من التعليم، يحرص على أن تكون ابنته مسلّحة بشهادات دولية ولغات أجنبية وخيارات مهنية مفتوحة على مصراعيها. إنه منطق: "التعليم نافع... لكن ليس لكِ أيتها الفقيرة!"

وهذا ليس استثناءً، بل قاعدة في مدرسة "الازدواجية السياسية"، حيث يستخدم بعض القادة المحافظين الخطاب التقليدي لتأطير قواعدهم الشعبية، بينما يعيشون في عالم آخر تمامًا. فنجد نساءً في حزب العدالة والتنمية شغلن مناصب وزارية ونيابية، بعد مسارات تعليمية ومهنية محترمة، دون أن يجرؤ بنكيران يومًا على انتقادهن أو دعوتهن لترك مناصبهن من أجل "النورس المناسب".

والنتيجة؟ خطاب فقد مصداقيته، وزعيم يبدو أقرب إلى كومبارس في مسرحية طويلة عنوانها: "قُل ما لا تفعل، وافعل ما لا تقول".

النساء المغربيات، كما أكدت أصوات عديدة، لا يحتجن إلى وصاية من سياسي متقاعد فكرياً. هن يعرفن طريقهن جيدًا، سواء نحو الجامعات أو مواقع القرار أو حتى نحو من يقدّر كفاءتهن لا "نورسيتهم".

أما بنكيران، فقد يكون بحاجة إلى إعادة تأهيل، ليس سياسياً، بل لغوياً أولاً… ليفهم أن "النورس"، حين يضيع، لا يُلام عليه البحر، بل من أرسله في الاتجاه الخطأ.