الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

المحامي أكرام: الطوارئ الصحية جعلت المغاربة رهائن بيد وزير الداخلية

المحامي أكرام: الطوارئ الصحية جعلت المغاربة رهائن بيد وزير الداخلية الأستاذ جهاد أكرام، محامي بهيئة الدار البيضاء
شدد الأستاذ جهاد أكرام المحامي بهيئة الدار البيضاء على أنه يتعين القطع مع الفوضى القانونية التي عاشها رجال قانون خلال الفترة المقبلة من حالة الطوارئ الصحية، لأن من حق المخاطبين بأحكام القانون أن يكونوا على علم بحقوقهم وبالحريات التي يمكنهم أن ينعموا بها أخيرا، بعد أن حرموا منها لما يناهز ثلاثة أشهر، مطمئنين فعلا إلى أن هذه الحقوق والحريات ثابتة وأكيدة وغير قابلة لأي نقاش.
 
كيف تلقيت من حيث السند القانوني تمديد حالة الطوارئ الصحية لفترة ثالثة ؟
السند القانوني لا يثير في حد ذاته أي إشكال قانوني، لأن التمديد تم بموجب مرسوم صادر بناء على اقتراح من وزيري الداخلية والصحة، بشكل يجعله موافقا لمقتضيات المادة 2 من المرسوم بقانون 2.20.292. الذي يطرح أكثر من علامة استفهام هو ظروف التمديد، ظروف ربما تكون موضوع حديث لاحق ليس هذا مجال الكلام فيها.   

إلى أي حد أصبح المغاربة "رهائن" في يد رئيس الحكومة، وكيف أن هذا الأخير فوض لوزارة الداخلية السلطة لما اعتبرته تقييدا لحرية المواطنين ؟
الحقيقة القانونية هي أن المغاربة صاروا رهائن وزير الداخلية فيما يتعلق بالتدابير التي تغطي مجموع التراب الوطني، والولاة والعمال، كل في نطاق اختصاصه الترابي، بالنسبة للتدابير الجهوية أوالإقليمية. فبالرجوع للمرسوم بقانون 2.20.292 الذي صادق عليه البرلمان بموجب القانون 23.20، يتبين أن الحكومة يمكنها اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها الحالة بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض. بناء على هذا المقتضى، اتخذ رئيس الحكومة بموجب المادة 2 من مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصادر بتاريخ 24 مارس 2020، أربعة تدابير وهي منع مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمـة، ومنع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه إلا في أربع حالات محددة حصرا، ومنع التجمع والتجمهر والاجتماع ومهما كانت الأسباب باستثناء الاجتماعات المهنية، وإغلاق المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم.
هذه "الممنوعات" الأربعة (وهي في الحقيقة ثلاثة فقط لأن التدبيرين الأولين عبارة عن تدبير واحد) التي أطلق عليها المرسوم 2.20.293 مصطلح تدابير، والتي وصفها المرسوم 2.20.406 بكونها قيودا، هي التي خول رئيس الحكومة بموجب هذا المرسوم الأخير الصادر يوم 9 يونيو 2020، لوزير الداخلية وللولاة وللعمال، كل فيما يخصه، صلاحية التخفيف منها.
فالوضعية الحالية، على المستوى القانوني، تتلخص في أن الأشخاص ممنوعون من مغادرة محل سكناهم إلا في أربع حالات، وممنوعون من التجمع والتجمهر والاجتماع باستثناء الاجتماعات المهنية، وممنوعون من فتح المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم، وكل ذلك بناء على ما قرره رئيس الحكومة بموجب مرسوم. وسلطة التخفيف من هذا المنع، مفوضة إلى وزير الداخلية و إلى الولاة وإلى العمال. بعبارة أخرى، هذه السلط الثلاث هي التي يمكنها اليوم أن تقرر السماح للمواطنين بمغادرة محال سكناهم في غير الحالات الاستثنائية الأربع المذكورة، أو أن تسمح بعقد التجمعات، أو أن ترخص بفتح المحلات التجارية التي تستقبل العموم.

وما هي التجليات القانونية والواقعية لما اعتبرته فوضى قانونية عارمة في تدبير الحكومة للازمة منذ مارس الماضي؟
الفوضى القانونية. سأطرح عليك سؤالا بسيطا : هل يمكن متابعة شخص بجنحة عدم وضع الكمامة ؟ الجواب الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو نعم، لأن وضع الكمامة إجراء من الإجراءات الإلزامية التي قررتها الحكومة. سأقول لك، كرجل قانون وكمحام، أين هو هذا الإجراء، وحتى أكون أكثر دقة في استعمال المصطلحات القانونية، سأطلب منك إمدادي بالقاعدة القانونية التي صدرت عن السلطات المختصة، طبقا لمقتضيات المادة 3 من المرسوم بقانون 2.20.292، والتي تلزم الأشخاص بارتداء الكمامة ؟ ستفكر قليلا وستستعصي عليك الإجابة، ثم ستقول لي لكن الكل يعلم بضرورة وضع الكمامة ؟ سأجيبك بالنفي مدعيا أنه لا علم بهذا المنع. ستقوم بالبحث قليلا وستأتيني بالخبر منشورا على مجموعة من الجرائد. هنا سأوقفك وسأقول لك، لكن المادة 3 من المرسوم بقانون تتحدث عن إجراءات تتخذها الحكومة، وإذا فرضنا تجاوزا أن رئيس الحكومة من حقه أن يفوض سلطة تحديد الأفعال التي تعتبر جرائم، سأضيف أن المادة 3 من مرسوم الطوارئ الصحية يتحدث عن تدابير يتخذها الولاة والعمال، وأن الصحافة، مشكورة على كل ما قامت به خلال هذه الفترة، ليست من بين الجهات التي يمكنها وضع هذه التدابير بموجب النصوص الجاري بها العمل، مضيفا أن الخبر المنشور في دعامة ما، لا يمكن نسبته، قانونا، إلى غير ناشره.
لن تجد ما تجيبني به... ستسكت لبرهة وستحاول أن تقول شيئا ما.... لكنك ستتراجع... كنت ستخبرني أن الصحافة لم تنشر إلا البلاغات التي توصلت بها من طرف الجهات الحكومية المختصة، لكنك ستتذكر أنني سأواجهك بإخلال شكلي، الأكيد أنك انتبهت إليه يوما وآثرت عدم التوقف عنده لأن الظرفية، كما ظننت وكما ظن عدد كبير من المغاربة، لا تستدعي الوقوف عند الشكليات...هذا الإخلال هو أن عددا كبيرا من هذه البلاغات (حتى لا أقول كلها) غير موقعة ولا تحمل أي طابع وعدد كبير منها مطبوع على ورق أبيض دون رأسية. بالعربية الفصحى، بلاغات مجهولة المصدر.
بلغة القانون، بلاغات يتعذر نسبتها للحكومة...سأقطع عليك حبل أفكارك وسأضيف، وهنا مربط الفرس، لأن الفصل 6 من الدستور يعتبر أن نشر القاعدة القانونية مبدأ ملزم، وأن النشر الوحيد الذي يعتد به هو النشر في الجريدة الرسمية، والحال أنه لا وجود لأي نص منشور في الجريدة الرسمية يلزم بوضع الكمامة. 
سأتوقف برهة ثم سأطرح عليك سؤالا آخر : هل يمكن متابعة شخص خرج من بيته لاقتناء المنتجات الضرورية للمعيشة، دون أن يكون حاملا للإذن الصادر عن ممثل السلطة المحلية ؟ ستقول نعم، وستستدرك بعد أن تقرأ النص وستلاحظ أنه لم يشترط مطلقا أي إذن من أجل الخروج، وستخلص من تلقاء نفسك إلى أن شرط الإذن ورد ربما في بلاغ أو منشور لم ينشرا في الجريدة الرسمية.
سأنتقل إلى مشكل أكبر. ما قولك في أجير يعمل في مقاولة من مقاولات القطاع الخاص، حامل للرخصة الاستثنائية للعمل المنصوص عليها في المادة 4 من مرسوم إعلان حالة الطوارئ، متجه لعمله ؟ هل يعتبر خارقا لمنع التنقل أم لا ؟ كنت ستجيب بالنفي لكنك تذكرت ارتباطي الوثيق بالنص القانوني، فرجعت للمادة 2 من المرسوم ولاحظت أنه ينص على "المقاولات الخاصة والمهن الحرة في القطاعات والمؤسسات الأساسية المحددة بقرارات للسلطات الحكومية المعنية"، ستجيبني بسؤال يدل على بداية اعتيادك على التعامل مع النصوص القانونية : أين هي هذه القرارات المحددة للقطاعات والمؤسسات الأساسية ؟ لن أحرك ساكنا و سأكتفي بالابتسامة لتقول : ألم يتم نشرها أيضا في الجريدة الرسمية ؟ أمعنى ذلك، قانونا، أن هذا الاستثناء من المنع من الخروج يعتبر عديم المفعول في الواقع؟ سأهدئ من روعك قائلا لا عليك، فرغم أنه كذلك على الصعيد النظري الصرف، إلا أنني لا أظن أننا سنصل إلى هذا الحد في الجانب العملي، ليس لأن القانون في صف الأجير المسكين، فالأمر خلاف ذلك، ولكن لأن القضاء، واقفا وجالسا، يحس بجسامة المسؤولية الملقاة عليه في الفترة الحالية و المقبلة.
ستتفاقم حدة هذا السؤال الأخير في الفترة المقبلة، و بصفة خاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات المعترف بها للأشخاص داخل المنطقة 1.
لقد اطلعنا جميعا، يوم 9 يونيو 2020، على البلاغ المشترك لوزيري الداخلية و الصحة. بلاغ استجمع، من حيث الشكل، جميع العيوب التي فصلتها أعلاه : فلا هو مطبوع على ورق برأسية، ولا هو يحمل شارة أي جهة حكومية، ولا هو يحمل أي خاتم ولا أي توقيع. اسمح لي أن أقولها صراحة، لكنني أستحيي كمحام أن أعرض هذا البلاغ على القضاء للدفاع عن مصالح موكلي، لأن عمل المحامي يقتضي الدقة و تأسيس ملفاته على نصوص القانون الصادرة عن السلطات التي تستأثر بسلطة وضع القواعد القانونية. المهم، فهذا البلاغ خول للأشخاص الموجودين في المنطقة 1 مجموعة من الحقوق و الحريات، وبعبارة أخرى فإنه يعتبر بمثابة تخفيف للقيود أو التدابير المنصوص عليها في مرسوم إعلان حالة الطوارئ. بموجب هذا البلاغ، صار من حق الأشخاص الكائنين في المنطقة 1، الخروج بدون قيد. هنيئا لهم في انتظار دور المنطقة 2.
لكنني سأكون عاجزا كمحام، عن الدفاع بطريقة قانونية، عن شخص كائن في المنطقة 1 إذا توبع عن جنحة خرق المنع من الخروج لسبب بسيط وهو أنني لا أتوفر على السند القانوني المنشور في الجريدة الرسمية الذي خفف بموجبه وزير الداخلية من القيود التي قررها رئيس الحكومة بموجب مرسوم منشور في الجريدة الرسمية.
هذه هي الفوضى القانونية التي عشناها كرجال قانون خلال الفترة الماضية والتي يتعين القطع معها في الفترة المقبلة، لأن من حق المخاطبين بأحكام القانون أن يكونوا على علم بحقوقهم وبالحريات التي يمكنهم أن ينعموا بها أخيرا، بعد أن حرموا منها لما يناهز ثلاثة أشهر، مطمئنين فعلا إلى أن هذه الحقوق والحريات ثابتة وأكيدة وغير قابلة لأي نقاش.