الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ : التحول الديمقراطي في عهد اليوسفي وقودا لتنشيط العمل الدبلوماسي

جمال المحافظ : التحول الديمقراطي في عهد اليوسفي وقودا لتنشيط العمل الدبلوماسي جمال المحافظ
أجمعت ردود الفعل الوطنية والعربية والدولية حول رحيل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول في حكومة ما درج المغاربة على تسميته ب"التناوب التوافقي"كشكل من أشكال التحول الديمقراطي، على الدور الطلائعي الذي اضطلع به هذا القائد السياسي خلال الفترة الممتدة ما بين 1998 – 2002 ليس فقط على مستوى بلده المغرب وانما على المستوى العربيوالدولي، مما جعله يدخل التاريخ من بابه الواسع، كأحد القادة السياسيين الذى بصموا الحياة السياسية خلال القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.
وإذا كانت الطبقة السياسية بمختلف تياراتها، وسائل الإعلامية المحلية والدولية، قد ركزت في شهاداتها وتحليلاتها وتعاليقها على إبراز الجوانب السياسية والحقوقية، للفقيد عبدالرحمان اليوسفي " شيخ الاشتراكيين" المغاربة، الذى توفي في 29 مايو الماضي عن عمر 96 عاما،خاصة صنيعه، كأحد رجالات المقاومة وقادة الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي وكبار في معركة بناء المغرب الحديث ومناهض " القوى الثالثة " و" جيوب مقاومة التغيير" ، فإن دوره في مجال السياسة الدولية والعمل الدبلوماسي، لم يحظ بنفس الدرجة من الاهتمام، على الرغم من النجاح الكبير حققته الدبلوماسية المغربية خلال قيادتهلتجربة "التناوب التوافقي"، كشكل من أشكال التحول الديمقراطي.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس،أشاد في برقية تعزية ومواساة بمناقب اليوسفي،" وبما كان يتحلى به من خصال إنسانية ومن غيرة وطنية صادقة جسدها على مدى عقود من مساره النضالي والحقوقي والسياسي" موضحا أن اليوسفي صاحب (المنهجية الديمقراطية )، " بصم بشخصيته وبأسلوبه المتميز القائم على المسؤولية والالتزام الواضح بالمبادئ والاخلاصوالوفاء في محلة من تاريخ بلده الحديث".
باعتبارها " فن الحصول على الممكن بدلا من الحصول على المستحيل" ونتاج عمل جماعي مؤسساتي ومجتمعي فإن الدبلوماسية تعتبر أيضا تطبيقا للسياسة الداخلية لأي بلد من البلدان، بيد أن عبد الرحمان اليوسفي، لعب من موقعه كوزير أول وخبرته الطويلة وشخصيته الكاريزمية، دورا حاسما في تنشيط الدبلوماسية المغربية، وذلك عبر تنويع العمل الدبلوماسي للمملكة على المستوى الدولي من خلال توجيهه إلى مناطق وجهات جديدة عبر العالم منها أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا وأوروبا الوسطى والشرقية، والشرق الأوسط، بغية انعاش وترسيخ صورة إيجابية عن البلادفي مختلف مناطق العالم لاسيما في ما يتعلق بميدان الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.
فحصيلة السياسة الخارجية في عهد عبد الرحمان اليوسفي ،تميزت بما أطلق عليه ب"الاكتساح التاريخي لدبلوماسية المملكة المغربية" التي كانتعناوينها البارزة، قضية الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة وشرحها في المحافل الدولية وإنعاش ودعم الديبلوماسية الاقتصادية، بإشراك الفاعلين الاقتصاديين بالقطاعين العام والخاص.
وبهدف تقوية وتنويع النشاط الدبلوماسي للمغرب، قام الراحل اليوسفي على رأس وفود تتكون من مسؤولين سياسيين ومنتخبين ومن فاعلين اقتصاديين، بزيارات رسمية قادته الي مناطق مختلفة من العالم على مدار الأربع سنوات التي استغرقتها تجربة حكومة التناوب (1998 -2002)، وهو ما مكن من التعريف بالتحولات السياسية والمؤسساتية التي كان يشهدها المغرب، وبالتحسيس بعدالة قضية وحدته الترابية وبالمؤهلات الاقتصادية والسياحية الوطنية وتعزيز النسيج القانوني للاتفاقيات التي تجمع المملكة مع هذه الدول، وبناء علاقات اقتصادية وتجارية معها.
وفي ظل هذه الدينامية الدول شكلت قضية الدفاع عن الوحدة الترابية المغربية، أولى الأولويات في العمل الدبلوماسي لهذه المرحلة. وتبلورت هذه المجهودات في اعقاب جولات اليوسفي بعدد من البلدان بمختلف القارات قام عدد لا يستهان به من الدول، بسحب أو تجميد الاعتراف بما يسمى ب"الجمهورية الصحراوية" أو اغلاق تمثيلياتها. ففي ظرف أربع سنوات زار اليوسفي أزيد من 20 دولة. فكان الوزير الأول في حكومة التناوب" يعود الى أرض الوطن بغنائم لم تتوقع أعلى أجهزة الدولة تحصيلها" كما جاء في كتاب " التناوب الديمقراطي المجهض" للصحفي محمد الطائع.
وبفضل هذه الدينامية التي أسبغها اليوسفي على العمل الدبلوماسي خلال ولايته، تشهد ما هو مدون في أوراق حصيلةحكومة التناوب، أنه تم تحقيق في مجال الدفاع عن الوحدة الترابية،عدد من الاختراقات في بعض المعاقل التي كانت الى وقت قريب مجالا خصبا وحدائق خلفية "للجمهورية الصحراوية" خاصة في قارة أسيا كالهند التي سحبتاعترافهابها عام 2000 وكل من ايران وسوريا اللذين أغلقا مكتبي البوليساريو عام 2001 وبأمريكا اللاتينية خاصة كل من كولومبيا ونيكاراغوا وغواتيمالا و الباراغواي وكوستاريكا وعدة جزر بالمحيط الهادي، وهي الدول التي سحبت اعترافها بعناصر" البوليساريو" .
وحرصا على صيانة وترسيخ الوحدة الترابية عمل المغرب آنذاك على التعاون الكامل مع الأمم المتحدة بكل اخلاص ونزاهة لطي هذا النزاع المفتعل، واستعداد المملكة للتعاون مع المنتظم الدولي لإيجاد حل سياسي في نطاق و حدة التراب الوطني والسيادة الوطنية واللامركزية والجهوية خاصة، وذلك بعد الصعوبات الموضوعية التي حالت دون مواصلة تطبيق مخطط التسوية الأممي.
وحرصا على إعطاء نفس جديد لعلاقات المغرب التجارية والاقتصادية والمالية مع كافة الدول التي قام بزيارتها، جعل الدبلوماسية الاقتصادية قطبا أساسيا لعملها بإشراك الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين في المبادرات الدبلوماسية وبصفة خاصة بواسطة منظماتهم المهنية.
وكانت معالجة الدين العمومي وتحويله الى استثمار عمومي خاص أيضا من بين هواجس حكومة اليوسفي خاصة فيما يتعلق بالشركاءالغربيين التقليديين للمغرب من قبيل فرنسا واسبانيا وإيطاليا التي سمحت بتحويل جزئي للدين العمومي المغربي أو فتحت شريحة جديدة لهذا التحويل، وهو ما مكن من تقليص ديون المملكة من 19.1 مليار دولار في أواخر سنة 1997 إلى 14.2 مليار دولار آخر سنة 2001.
وبهدف تحسين صورة المغرب في العالم، كانت التحركات التي قام بها الراحل عبد الرحمان اليوسفي فرصة لإعطاء صورة للشركاء الأجانب عنالتطور السياسي للبلاد من خلال تجربة التناوب السياسي والخطوات المتخذة في ميدان ترسيخ المسلسل الديمقراطي وتوسيع فضاء الحريات، وتعزيز دولة القانون وإصلاحات تحديث المحيط القانوني والنظامي للمقاولة أو تحرير بعض المنشئات الاقتصادية.
وكانت تقوية العلاقات بين المغرب وبلدان المغرب العربي من بين أولويات السياسة الخارجية في عهد اليوسفي، انطلاقا من الايمان بأن اتحاد المغرب العربي، يشكل اختيارا استراتيجيا لا رجعة فيه، وضرورة تاريخية وإنسانية وثقافية واقتصادية وسياسية فضلا عن بذل كل الجهود من أجل توطيد التعاون العربي والإسلامي.
وفي هذا الاطار، كان اليوسفي يشدد بخصوص الوضع بالشرق الأوسط على أن السياسة الإسرائيلية، وعدم احترامها لاتفاقيات مدريد وأسلو وكذا تنكرها لمجموع التزاماتها ازاء الشعب الفلسطيني، محملا تل أبيب مسؤولية السبب المباشر للمأزق الذي كان يوجد عليه مسلسل السلام وأن تحقيق السلام وأن الاستقرار والتعاون الاقتصادي في المنطقة، رهين بنجاح مسلسل السلام عبر تطبيق قرارات مجلس الأمن على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام والحق الثابت للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وانشاء دولة فلسطينية تكون القدس عاصمة لها.
وتميزت هذه المرحلة في اطار علاقات المغرب بالعالم العربي بالخصوص، بإحداث لجان مختلطة مع عدد من الحكومات العربية والتوقيع على اتفاقيات ثنائية للتبادل الحر مع عدد آخر من هذه البلدان والتي دخلت حيز التطبيق. كما انعقد اجتماع بأكادير في مايو 2001 ضم مجموعة من الدول العربية المتوسطية وهي المغرب ومصر وتونس والأردن التي ترتبط باتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي واتفاقيات ثنائية للتبادل الحر، مما شكل خطوة مهمة للدفع بمسلسل التعاون الإقليمي في المنطقة المتوسطية.
ورغبة في توطيد علاقات الصداقة والتعاون التقليدية مع الولايات المتحدة ، كان المرحوم اليوسفي،أجرى محادثات مع مسؤولين أمريكيين من أجل توطيد العلاقات بين البلدين منها اجتماعه مع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون خلال مراسيم جنازة المرحوم الحسن الثاني سنة 1999. وفي هذا الإطار قامت مادلين أولبرايت كاتبة الدولة في الخارجية الامريكية سابقا بالمغرب خصصت للوضع في الشرق الأوسط والمجهودات التي يبذلها الجانبين من أجل تحقيق السلام في هذه المنطقة.
وإذا كانت النظريات الحديثة في مجال السياسة الدولية، تؤكد على أنه قوة أي بلد وحضوره على مستوى الساحة العالمية، رهين بمستوى التطور الذي يحققه على المستوى الداخلي في مجالات متعددة منها الديمقراطية وحقوق الانسان، فإن الفقيد اليوسفي، يبدو أنه جعل فضلا عن رصيده التاريخي، تجربة التحول الديمقراطي ما بين 1998 و2002 وقودا لتنشيط العمل الدبلوماسي وتحسين صورة وطنه.
                                                                                             عن موقع "ايلاف"