الأربعاء 17 إبريل 2024
مجتمع

كمال السعيدي :الخلط بين حالة الطواريء والحجر الصحي يعود إلى قصور تواصلي للحكومة

كمال السعيدي :الخلط بين حالة الطواريء والحجر الصحي يعود إلى قصور تواصلي للحكومة الدكتور كمال السعيدي
خلف المرسوم القاضي بتمديد حالة الطوارئ الذي صادق عليه مجلس الحكومة يوم الثلاثاء 9 يونيو 2020، ردود فعل متباينة وخاصة، لما رافقه من إجراءات تتعلق بتخفيف الحجر الصحي
"أنفاس بريس"، اتصلت في هذا الإطار بالدكتور كمال السعيدي القيادي بالحزب الاشتراكي الموحد وأجرت معه الحوار التالي:
 
كيف تقرأ هذا التفكيك بين تمديد الطوارئ وتخفيف الحجر بين منطقتين؟
لنسجل أن الفرق بين الحجر الصحى، وحالة الطوارئ لم يكن واضحا في أذهان الكثير من المواطنين .. لذلك استعصى عليهم التمييز بين الحجر الصحي كإجراء و تدبير وقائي تلجأ إليه السلطات العمومية لمحاصرة ومنع انتشار الوباء وبين حالة الطوارئ الصحية كإطار أو وضعية قانونية تسمح للحكومة باتخاد عدد من الإجراءات والتدابير التي تسعى من خلالها إلى مكافحة الجائحة أو أي وباء يهدد صحة وسلامة المواطنين واستقرار الوطن .. بمعنى أن حالة الطوارئ الصحية هي وضعية أشمل يمكن أن يندرج ضمنها إجراء مثل الحجر الصحي .. ويعود في نظري هذا الخلط إلى قصور تواصلي للحكومة التي وجدت نفسها مجبرة أمام وضع مستجد، غير مسبوق وحامل للمخاطر ؛وليس فقط أمام فيروس ومرض مستجد، لنتذكر أن الحكومة باشرت إجراءات الحجر الصحي وبعض الإجراءات الأخرى الملازمة له ضمن مقتضيات حالة الطوارئ الصحية حتى قبل أن يتم الإعلان عنها بشكل رسمي ؛خاصة أن هذه الأخيرة غير مشار إليها صراحة ضمن بنود ومقتضيات الدستور ..
وبالتالي يمكن أن نتفهم تمديد حالة الطوارئ بحرص الحكومة على الحفاظ على وضعية قانونية تمكنها من المرونة التي تسعفها في مواجهة مستجدات وتطورات الحالة الوبائية بدعوى أنه إجراء حصل وتكرر في عدد من الدول .. ولكن لا نفهم لماذا تأخرت الحكومة في الإعلان عن هذا التمديد ولا نفهم هذه السياسة التواصلية التي تتلاعب بأعصاب المواطن من خلال تسريب وثائق وتصريحات متناقضة .. كان من المأمول أن تلجأ الحكومة في شهر ماي إلى تخفيف الحجر الصحي بالتدريج آخذة بعين الاعتبار التفاوتات المسجلة بخصوص انتشار الوباء بين مختلف جهات وأقاليم المملكة، خاصة بعد أن تأكد حصول نوع من الاستقرار والتحكم النسبي في الحالة الوبائية، لكن ذلك لم يحصل بحجة أن عيد الفطر قد يهدد المكتسبات التي تم تحقيقها إلى ذلك الحين !!
مع أنه لم يبق اليوم من يعول من الحكومات على تطبيق الحجر الصحي للقضاء النهائي على الفيروس، بل أصبحت هناك قناعة أنه على الجميع أن يتعايش معه لبعض الوقت قد يطول وقد يقصر .. وأنه مع انخفاض حالات العدوى وتطور المعرفة بخصوص طرق انتقال الفيروس وتحسن البروتوكولات الصحية، فإن الرهان اليوم ينصب أساسا على وعي المواطن ودوره في حماية نفسه وغيره من خلال الالتزام بتدابير النظافة واحترام الإجراءات الحاجزية ومقتضيات التباعد الإجتماعي .. في انتظار اختفاء الفيروس أو الحصول على لقاح أو علاج فعال ..
كما أن مرور رئيس الحكومة أمام البرلمان لتلاوة نص جامد وتقديم بيانات مقتضبة لا يسهم في وضوح الخطوات التي تعتزم الحكومة مباشرتها ولا في ضمان الإنخراط الجماعي للمواطنين في معركة من هذه الأهمية والتي ستكون لها تداعيات على مستوى عيشهم ولا يؤسس لنقاش عمومي يشترك فيه الجميع .. يكفي أن نقارن كيف يتواصل رؤساء الدول والحكومات الديمقراطية ( أنجيلا ميركل نموذجا ) مع شعوبهم وكيف يتم تناول كل القضايا المتعلقة بالجائحة أو بالتدابير الحكومية المتخذة في تلك الدول على القنوات الفضائية بكامل الحرية، كي نفهم ونعي حجم الهوة السياسية والتواصلية بيننا.
 
بماذا تفسر تركيز تدبير حالة الطواريء وتمديدها بين يدي وزارة الداخلية عبر الولاة والعمال ؟
تفويض الولاة والعمال مسألة تدبير إجراءات تخفيف الحجر الصحي على ضوء المعطيات المتوفرة في كل جهة أو إقليم فهو تحصيل حاصل، لأن التدبير المركزي للحالة الطوارئ ومواجهة تداعيات الجائحة لم يكن اختصاصا حصريا للحكومة حتى وإن كان يتم أحيانا باسمها في إطار احترام بعض الشكليات السياسية والدستورية .. بل من المؤكد أن ما أصبح يصطلح عليه بالدولة العميقة هي من تولت من البداية تدبير حالة الطوارئ وكل ما يتعلق بمحاربة الجائحة، ولم تكن تصدر في كل الإجراءات المتخذة عن حرصها على صحة المواطن وحاجاته الضرورية فقط وإنما كانت محكومة كذلك وبقوة هاجسها الأمني وحاجتها إلى الإستقرار وضمنه استقرار النظام ..
إضافة إلى هاجس سياسي لا يقل أهمية وهو حرصها على عدم منح الحزب الذي يسير الحكومة أي امتياز أو فرصة يستثمرها لتقوية رصيده السياسي والإنتخابي على بعد شهور من استحقاق انتخابي؛ للدولة رهاناتها عليه كما للحزب الأغلبي داخل الحكومة رهاناته الخاصة كذلك.