الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: عودة سؤال تحصين الذاكرة ضد مأسسة النسيان

مصطفى المنوزي: عودة سؤال تحصين الذاكرة ضد مأسسة النسيان مصطفى المنوزي

سيظل شارع عبد الرحمان اليوسفي يحمل اسم المجاهد، لأن العبرة بالقرار الملكي، وما اللوحة إلا وسيلة لتعزيز وثيقة قرار إطلاق الاسم.. وهذا العمل التخريبي لن يخدش في هوية الفقيد عبد الرحمان الكفاحية والنضالية، بقدر ما هو عمل جرمي يستهدف الاعتراض على قرار الدولة في شخص رئيسها، والذي ناب عن المواطنين والمواطنات، في تجسيد الاحتفاء والتكريم المستحق، لأن اسم سي عبد الرحمان أكبر من اللوحة وأكبر من الشارع وأكبر من المدينة.. ولكن قد يكون في حجم الوطن، حسب العطاء والتضحيات. وأنا منذ البداية أفترض أن العقلاء منزهون عن العبث، وأفترض أن الاعتداء صادر عن جهة عنيفة ومتطرفة لا تعرف للاعتدال أو الحوار وسيلة أو سبيلا. وبالتالي فلن تكون معركتنا إلا ثقافية ورمزية، لأن العملية بمثابة إرهاب فكري.

 

صحيح أن عبد الرحمان مات، ولكن أعماله النبيلة لن تنقضي، وسلالته أشجار سامقة وبذور مثمرة في التاريخ والجغرافيا، في المقاومة وجيش التحرير، في العمل السياسي والنقابة والفكر الحقوقي، في الصحافة والرياضة، وفي المحاماة والدولة. وللذين يزعمون أن دفاعنا عن سيرته النظيفة يروم تمجيده أو أسطرته، نقول، ومنذ الآن، إن الرجل يستحق منا أكثر من وفاء واحتفاء.

 

ولأننا  نسبيون ولسنا إطلاقيين، نطالب بدسترة تجريم مأسسة النسيان، وذلك من أجل صون الذاكرة الوطنية من التبديد، وكذا تجريم إبادة مواقع الضمير، لأن أعز ما يطلب هو احترام توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ذات الصلة بجبر الضرر الجماعي وحفظ الذاكرة... فهي توصيات وافق عليها الملك محمد السادس وأمر بتفعيلها؛ غير أن الواقع يؤكد انعدام إرادة سياسية. فأغلب المعتقلات السرية الشاهدة على فظاعات عهد الاستعمار وعهد ما بعد الحماية قد تم هدمها، وهي قضية تثير وترتب مسؤولية تاريخية وسياسية؛ فكل معلمة هدمناها وإلا نقضنا حلقة في مسلسل  المصالحة التي لن تقع بين عشية وضحاها.. فآثار العنف ووقع تاريخه الطويل الذي ساد وحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع، لا زالت تتطاوس ظلالها في كل محطة استرجاع أو محاولة إقلاع، من دولة مخيفة أمنية إلى دولة قوية آمنة.

 

- مصطفى المنوزي، رئيس منتدى ضمير الذاكرة، منسق فضاء الزمن الاجتماعي والتواصل التاريخي