السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الواحد الحطابي: العثماني، في مرمى نيران مقترحات CDT لمغرب ما بعد كورونا

عبد الواحد الحطابي: العثماني، في مرمى نيران مقترحات CDT لمغرب ما بعد كورونا عبد الواحد الحطابي

وسط حالة من الترقب والتوجس والقلق وسط الرأي العام الوطني بطيفه السياسي والاجتماعي منه على وجه التحديد، يعقد بعد طول انتظار وبمبادرة منه، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، لقاء مع قيادات المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية عبر تقنية التواصل عن بعد، يوم الجمعة 29 ماي 2020. وحدد رئيس الحكومة، من جانب أحادي، موضوع اللقاء في ثلاث نقاط تتعلق: (1) بتدبير تخفيف الحجر الصحي في المرحلة المقبلة؛ و(2) بلورة خطة إنعاش الاقتصاد الوطني والحفاظ على مناصب الشغل؛ و(3) إعداد مشروع قانون المالية التعديلي.

 

سأركز النقاش بشأن موضوع اللقاء، على مواقف ومبادرات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كما أملت ضرورتها جائحة وباء كورونا المستجد راهنا ومستقبلا، على اعتبار، أن باقي الهيئات الأخرى ممثلة في الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين، والاتحاد الوطني للشغل، هي منطقية تاريخيا، مع مواقفها المساندة في نهاية التحليل لمواقف الحكومة، ولعل الترجمة الحرْفية لكلامنا هذا، يتمثل في توقيع الأمناء العامين للهيئات النقابية الثلاث على اتفاق 25 أبريل 2019، وهو الاتفاق الذي رفضت قيادة الكونفدرالية التوقيع عليه، لآنها رأت من جانبها، أن مضامينه لا ترقى في تفاصيله لانتظارات الطبقة العاملة المغربية.

 

ويبدو، أن العثماني، سيجد نفسه في هذا اللقاء، مع قيادة الكونفدرالية وإن على بعد، أمام هامش ضيق لممارسة سياسة اللعب على الحبل. وبات بفعل سلة المقترحات والإجراءات العملياتية كما طرحت المركزية النقابية، خطوطها العريضة في رسائل وجهها له في هذا الخصوص الكاتب العام عبد القادر الزاير، انطلاقا من موقع المسؤولية الاجتماعية والسياسية والوطنية للمركزية تاريخيا، وتبعا، أيضا، لتطور مسار تداعيات جائحة وباء كورونا المستجد، على الوضع الاجتماعي والاقتصادي لبلادنا.

 

حلحلة الموقف الكونفدرالي

العثماني، وهو يهيئ لهذه الجولة من الحوار الاجتماعي وليس "التشاور"، استبق ساعة الصفر فيه، بمحاولة حلحلة مواقف قيادة الكونفدرالية حيث ضَمَّن في رسالة جوابية للزاير، حول مقترح النقابة بشأن الحساب الخاص بتدبير جائحة فيروس كورنا بتاريخ 20 أبريل الماضي، عبارة "شكر" للكاتب العام "لما عبّرتم عنه من انشغالات بشأن الوضعية التي تمر منها البلاد جراء خطر تفشي فيروس كورونا" يقول رئيس الحكومة.

 

إلا أنه يبدو أن الكونفدرالية، وعلى خلاف تقديرات الرأي الحكومي ورئاسته و"من معه"، جعلت من نفسها انطلاقا مما تقدمت به كمقترحات، لفائدة الفئات المتضررة من الجائحة، بعد عدم استجابة رئيس الحكومة لطلبها بتاريخ 12 مارس الماضي، بعقد جلسة حوار اجتماعي ثلاثي الأطراف لمناقشة الإجراءات اللازم اتخاذها للحد من الانعكاسات السلبية على الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة ولفئات واسعة من المواطنات والمواطنين، والعالم القروي، لاعبا أساسيا في مربع صناعة الرأي بما يخدم مصالح الطبقة العاملة والوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد.

 

من هنا، جاءت دعوتها من منصة ماي العمالي الافتراضية (2020) لمواصلة النضال من أجل إعادة بناء الدولة الاجتماعية لمواجهة أزمات وصدمات المستقبل.

ومن داخل هذه البنية التنظيمية، أسست الكونفدرالية لمشروع مقترحها حول الحساب الخاص بتدبير جائحة فيروس "كوفيد 19" وتعويضه بـ "صندوق وطني للطوارئ دائم"، يخضع وفق مضمون المقترح، إلى "آليات الحكامة المتعارف عليها".

 

مرتكزات الخروج من الحجر الصحي

وفي هذا الإطار، وانسجاما مع مواقفها السابقة، من سلة الإجراءات والتدابير التي قامت بها الحكومة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، سيما مع اقتراب التاريخ المحدد لإنهاء الحجر الصحي، وضعت قيادة الكونفدرالية، في رسالة وجّهها الكاتب العام عبد القادر الزاير، لرئيس الحكومة سعدالدين العثماني، السبت 16 ماي 2020  ثلاثة مرتكزات  تعتبرها المركزية، انطلاقا من موقع مسؤوليتها الاجتماعية في الدفاع عن الشغيلة بكل القطاعات، وعن حفظ صحتها وسلامتها، وكذا، الحرص على دور المقاولة والنسيج الاقتصادي المغربي بما يضمن الحفاظ على مناصب الشغل، (تعتبرها) رسالة المكتب التنفيذي، مدخلا طبيعيا وموضوعيا في الآن ذاته، لخروج بلادنا من مرحلة الحجر الصحي بسلاسة وبأقل الأضرار يرتكز على مبدأ " صحة العمال والمواطنين أولا".

 

ولم تفت رسالة الكاتب العام للكونفدرالية، لرئيس الحكومة، التي تضمنت إلى جانب تذكيره بمضامين الرسائل السابقة للمكتب التنفيذي بتواريخ 25 مارس، 08 أبريل و15 أبريل 2020، مقترحات عملية وإجرائية حول المرحلة المقبلة، كما تقدمت فيها موازاة مع ذلك، بطلب تشكيل لجنة اصطلحت على تسميتها بـ "لجنة اليقظة الاجتماعية" (لم تفت الرسالة) من تجديد النقابة، الدعوة، للمسؤول الحكومي، على ضرورة إشراك النقابات في كل مراحل بلورة وتنفيذ ومتابعة عملية رفع حالة الطوارئ الصحية.

 

إعداد مشروع قانون المالية التعديلي

استفهام عريض يحيط بكل الصيغ المعتمدة من قبل الحكومة في علاقتها بالمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، بخصوص مشاريع القوانين المالية. أسلوب لا يحيد في سياق بنائه العام عن الانصات "التقليدي" لرأي الهيئات الممثلة في الغرفة الثانية عملا لمقتضيات الدستور.

 

ودون استباق للأحداث، فإن الكونفدرالية ستبسط جزء من النظر في هذا الشأن، على أنظار رئيس الحكومة، وسيواصل بالمقابل خبراءها وهيئة مستشاريها الاشتغال بوتيرة منتظمة، للتدقيق في سياق ومضمون المقترحات وجعلها تبعا لذلك، في مستوى رهانات المرحلة وإكراهاتها وتحدياتها الإقليمية والدولية.

 

إلا أنه يبدو، أن الجهات المعنية، لها رأي وتوجه قد لا يساير التصور الاجتماعي للمركزية النقابية، وإن شكلت "جائحة كورونا" درسا سياسيا حقيقيا في أبعاد وتداعيات تهميش البعد الاجتماعي في كافة مجالاته وتغييبه الإرادي وغير المسؤول من مشاريع قوانين المالية.

 

ولا بد هنا من التذكير، بالعناوين الكبرى للمقترحات التي تقدمت بها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، لحكومة العثماني، حول مشروع القانون المالي لسنة 2020، وكان مصيرها لا يتخطى في أقصى تقدير، وذلك على غرار المقترحات السابقة، عتبة فضاء قاعة الاجتماع أو النقاش العمومي الكلاسيكي.

 

المركزية اقترحت خلال هذه المرحلة، تنفيذ الدين الاجتماعي المتضمن في اتفاق 26 أبريل 2011، باعتباره التزاما، ومراجعة الضريبة على الدخل في إطار رفع السقف المعفى ومراجعة الأشطر، وإعفاء المعاشات من الاقتطاع الضريبي، ووضع حد لكل الإعفاءات الضريبية غير المنتجة.. وربط تخفيض الضريبة على الشركات بمستوى خلق مناصب الشغل اللائق، وإحداث الضريبة على الثروة...

كما اقترحت في باب الاستثمار بإحداث بنك عمومي للاستثمارات، وتوزيع الاستثمارات من أجل معالجة التفاوتات المجالية.

كما اقترحت في الشق المتعلق بالدولة الاجتماعية والتشغيل، إعطاء أهمية لتأمين الخدمات العمومية وسد الخصاص في الأطر وفي البنيات التحتية، كما عرّت هشاشتها جائحة كورونا.

 

ودعت النقابة في إطار حزمة مقترحاتها لمشروع القانون المالي، بخلق صندوق تضامني للعاطلين والباحثين عن الشغل، حاملي الشهادات، واعتماد مبدأ الدولة المشغلة، وإحداث صندوق دعم الشغل بموارد قارة من قبيل الضريبة على الثروة والمقايضة بالتحفيزات الضريبية. وذلك، إلى جانب مقترحات تهم المديونية والقدرة الشرائية للأجراء والفئة المتوسطة.

 

الواضح، أن قيادة الكونفدرالية، التي جعلت دائما ومنذ تأسيسها مصلحة الوطن أولوية الأولويات، وجددت دعمها ومساهمتها في كل المبادرات لتجاوز هذه المرحلة والقادم من أزمات، وتتشبث بمبدأ الإشراك الضروري للنقابات في كل القضايا والقرارات التي تهم الشغيلة، تعتبر أن المستقبل السياسي للبلاد يبقى رهينا بـ"إعادة بناء الدولة الاجتماعية".

 

تلك، هي الرسالة.. وتلك، هي القضية ...