الأربعاء 24 إبريل 2024
مجتمع

خطأ إداري بعمالة خريبكة يحرم مواطنا من دعم صندوق كورونا

خطأ إداري بعمالة خريبكة يحرم مواطنا من دعم صندوق كورونا بوعزة كريم في صورة تركيبية مع رسم لصندوق كورونا والفيروس

مما لا شك فيه أن العديد من المواطنات والمواطنين المغاربة بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، ينتظرون بفارغ الصبر لحظة الإعلان عن رفع الحجر الصحي وعودة الحياة الطبيعية في أقرب وقت ممكن، لما يعيشونه من ضغوطات نفسية واقتصادية خانقة.. ومن ضمن هؤلاء طبعا فئات أخرى استفادت من الدعم المخصص للأسر المشتغلة في القطاع الغير المهيكل المتأثرة بشكل مباشر من تداعيات الحجر الصحي.

 

ما يهمنا هنا هو وضع الأصبع على أسباب ودوافع إقصاء العديد من الفئات المستحقة من الدعم المخصص لهم من طرف صندوق تدبير جائحة كورونا، هذا الإقصاء تارة عزته الوزارة الوصية في الموقع المخصص لتلقي الشكايات إلى أن المسجل ليس برب وأسرة -وهذا أمر مردود عليه مادامت العديد من الفئات استفادت من الدعم رغم عدم وجود هذه الصفة- وتارة أخرى، إلى أن المسجل يتوفر على دخل مادي يمنعه من الاستفادة من دعم "صندوق تدبير جائحة كورونا"، كاستفادة احد المواطنين من انعاش وطني او معاش... إلخ.

 

لكن الإشكالية التي لم ينتبه إليها العديد من المختصين والمسؤولين بالإدارات المركزية، تتلخص في مدى إمكانية إقصاء هؤلاء المواطنين بسبب خطأ في الإدارة؟ وطبعا هذه الإشكالية ستفتح أمامنا نقاش قانوني حول مسؤولية الإدارة من عدمها بعد مطالبة المتضرر من التعويض عن طريق رفع دعوى قضائية في المحاكم المختصة لما أطاله من ضرر.

 

وحيث أن المادة 8 من القانون 41-90 المتعلق بالمحاكم الادارية تنص على: "تختص المحاكم الادارية مع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من هذا القانون بالبت ابتدائيا... ودعوى التعويض عن الأعمال التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام... وتختص أيضا بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة..."

 

وهنا سأثير قضية بمثابة نموذج لأحد المواطنين وطبعا ليست الوحيدة، وأعرف جيدا ظروفه الاجتماعية المزرية -عبدالخالق الطويل، أب لثلاثة اطفال- بعدما أقصي من الاستفادة من الدعم رغم توفره على بطاقة راميد وظروفه الاقتصادية الصعبة، والسبب كما جاء جوابا على شكايته في الصورة أسفله "استفادة رب الأسرة من الإنعاش الدائم"، والحال أن وزارة الداخلية أوقفت عليه الأجرة الشهرية للإنعاش منذ شهر يناير 2018.

 

وحيث أنه إذا افترضنا أنه يستفيد حقا من الانعاش الدائم، فلماذا إذن توقفت اجرته طيلة هذه الفترة إلى اليوم؟ هذا التوقف طبعا يعطيه حق المطالبة بالتعويض عن الفترة التي توقفت فيها أجرته الشهرية إما عن طريق رفع تظلم إداري لعامل الإقليم بناء على جواب الشكاية الإلكترونية التي توصل بها مع إشعار بالتوصل، وإما اللجوء مباشرة للمحكمة الادارية للمطالبة بالتعويض عن فترة توقف أجرته كاملة، كما أن هذا الأمر يفتح جدل آخر وهو إمكانية تفويت بطاقة إنعاشه دون علمه بذلك واحتمال التلاعب فيها من طرف أحد المسؤولين الاداريين بالعمالة.

 

وحيث أنه إذا افترضنا أن حالة المواطن التي أمامنا بالفعل توقفت أجرته الشهرية للإنعاش الدائم منذ يناير 2018.. هنا تثار أيضا إشكاليتين مهمتين: الأولى تتجلى في عدم تحيين أم الوزارات لمعلوماتها الرقمية وأرشفتها، وهذا خلل كبير قد يعرض مصالح المواطنات والمواطنين لأضرار بليغة تقتضي التعويض؛ والثانية في كون المتضرر لم يستفد من دعم صندوق تدبير جائحة كورونا بسبب خطأ إداري يعطيه حق المطالبة بالتعويض لما لحقه من ضرر جراء هذا الخطأ، وما هي إلا فرصة سانحة للقضاء الإداري ليجتهد في هذا الباب ويدفع القطاعات الحكومية إلى إعادة تحيين معلوماتها، لاسيما وأن بلادنا بدأت في تنفيذ القانون المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومات في مارس من هذه السنة، ولا يعقل أن تمنح الادارات معلومات خاطئة للمواطنات والمواطنين.

 

وحيث أن بطاقة الإنعاش الدائم ليست وظيفة، بل تدخل في نطاق الامتيازات الهزيلة الممنوحة للفئات الهشة والمستضعفة، لاسيما وأن العديد منهم اليوم يؤدون خدمات جليلة بالملحقات الإدارية ودور الشباب... إلخ، وهو ما يرجح بقوة إمكانية استفادتهم من دعم صندوق تدبير جائحة كورونا...

 

وإذا اعتبرنا أن خطأ إداري ارتكب في وزارة تعد من بين الوزارات الأم -وزارة الداخلية- التي كانت سباقة لاستخدام الحاسوب والكومبيوتر والآلة...، فماذا عن باقي الوزارات الأخرى التي لا تحتوي على أرشيف مرقمن...

 

كل هذه المبررات التي ذكرناه اعلاه، والتي لا تخص حالة المواطن عبد الخالق الطويل لوحده، بل ما هي إلا حالة من ضمن مئات الحالات التي أقصيت من الاستفادة من الدعم المخصص للأسر المشتغلة في القطاع الغير المهيكل المتأثرة من تداعيات الحجر الصحي، بسبب خطأ إداري محض...

 

 وطبعا هذه المبررات تستفز فينا روح التساؤل المشروع الذي سأحاول من خلاله استفزاز الباحثين والأكاديميين والقضاة والنواب البرلمانيين...، لفتح نقاش جدي ما داموا يجمعون على إعادة النظر في العديد من القوانين بما فيها الدستور الجديد الذي لم يتطرق بشكل مفصل لحالات الاستثناء واقتصر على حالتين فقط، وألخص اسئلتي كالآتي:

 

- هل الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة -حالة المواطن أمامنا- تسمح لهم بالتقاضي أمام المحاكم الإدارية، خاصة إذا علمنا أن العديد من الجهات لم تتوفر بعد على محاكم ادارية مختصة -جهة بني ملال خنيفرة التي ينتمي إليها عبدالخالق الطويل- لاسيما وأننا نتحدث اليوم عن الجهوية المتقدمة وميثاق اللاتمركز الإداري،  وأن من بين شروط التقاضي في المحاكم الادارية هو إلزامية إدخال المحامي؟

 

- هل إداراتنا المغربية لم تواكب بعد الرقمنة خاصة وأن العالم اتجه إلى رقمنة خدماته حتى في قطاع التربية والتكوين والسجون وغيرها؟

 

- هل الأخطاء الادارية الناتجة عن تصرفات أشخاص القانون العام ستظل الدولة تتحمل تكاليفها في غياب مسؤولين لا يغلبون مصلحة الوطن؟...

 

هي أسئلة وأخرى أصبح لزاما على كل المهتمين الاجابة عليها للحد من الأخطاء الإدارية، وبالتالي عقلنة نفقات الدولة وترشيدها وتقديم خدمات إدارية بدون أخطاء، وما ذلك إلا فرصة لإرجاع الثقة للمواطنات والمواطنين الذي فقدوا ثقتهم في الادارة المغربية...

 

- بوعزة كريم، باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام