الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد حمزة : كورونا وملحاحية العالم الأفضل

محمد حمزة : كورونا وملحاحية العالم الأفضل محمد حمزة
يعتبر مدير البيئة في الأمم المتحدة أنغر أندرسن بأن  كوفيد19 "صرخة تحذير واضحة".  تحذر من تدمير المحيط الحيوي وتغيير المناخ ومن العواقب الضارة للاستغلال المفرط وبدون حدود للطبيعة. 
يقول الصحفي البيئي "ايشن هيزويزكي "في كتابه " تاريخ الأمراض المعدية "،بان التدمير البشري للطبيعة يأتي من الأسباب الأكثر شيوعا للأمراض المعدية. الكثافة السكانية التي عرفتها الإنسانية وتقلص الفضاء الحيوي للحيوانات والكائنات الحية الأخرى، أدى إلى انتشار الأوبئة المنقولة عن طريق الحيونات ،وظهرت أمراض معدية جديدة تسببها الفيروسات جديدة او مستجدة .استنزاف الموارد الطبيعية وتدمير الغابات والثلوت المؤدي إلى الاضطراب في النظام البيئي والمجال الحيوي للحيونات ، ينقل الى اللانسان الفيروسات الجديدة  عن طريق الحيوان .
 نعيش عالما يدمر الطبيعة والإنسان ويستنزف الموارد الطبيعة؛ عالم يخضع لثنائية التقدم / التوحش؛ فالتقدم ناتج عن استعمال الإنسان الحديث للعلم والتقنية للتطور التاريخي والحضاري والارتقاء المادي. والتوحش ناتج عن إخضاع هذا العلم والتقنية للتنافس الاقتصادي وسيادة المال.
لقد أصبح اقتصاد السوق عقيدة الرأسمالية المعولمة،وتغولت المؤسسات المالية(البنك الدولي، صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية) على الاقتصاد العالمي وعلى الدول والشعوب.هذه المؤسسات غير المنتخبة هي التي تملي على الدول السياسات والخطط التنموية، وأضحت عائقا لأي تنمية اجتماعية مستقلة، وتضرب كل أشكال التوافقات الدولية والوطنية والمواثيق الاجتماعية وكل أشكال التضامن.مما عمق ....
لقد أنتجت الرأسمالية المعولمة توحشا متعاظما للإنسانية مؤسسا على الاستلاب العالمي من جهة، واستلاب الشغل والاستلاب الاقتصادي من جهة اخرى، مما حرم المجتمعات من الحد الأدنى من التحكم في مستقبلها . فالقرار الذي وضع في لاإرادية السوق، يقول سمير أمين، سيدمر لا محالة معنى الحياة.
هناك خطر الانهيار البيئي بموازاة مع التراجع الأخلاقي للرأسمالية المعولمة، فالإنتاجية المفرطة والتقدم بدون حدود والاستعمال المفرط للموارد الطبيعية وتدمير النظام البيئي، لن يمكن من الاستمرار المتواصل للحياة الفيزيائية والبيولوجية، فالإنسانية لن تواجه النفاذ المستقبلي لبعض الثروات الطبيعية فحسب، بل ستواجه تدمير الموارد الأساسية لحياة الإنسان كالتربة والماء والهواء والمحيط الجوي والطقس....
 ينتج النشاط الإنساني تأثيرات غير قابلة للانعكاس. والتي لها نتائج كارثية على الطبيعة ومن تم علىالكائن البشري.. وسيعيش العالم مزيدا من الحروب على الموارد والماء ومزيد من الوفيات نتيجة تكاثر الأوبئة . وحسب تقرير لباحثين أستراليين، فإن نصف سكان العالم سيتعرضون إلى 20 يوما من الحرارة المميتة chaleur letaleفي سنة 2030، إذا استمرارتفاع دراجة حرارة الكوكب. وهناك تقرير لوزير البيئة السابق بفرنسا  يحذر من فناء 75%  من سكان الأرض في عام 2060 إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من ارتفاع درجة الأرض.
نحن أمام عولمة ليبرالية متوحشة تعتمد الجشع والاستغلال والتفاوت بين الدول وداخل الدول وتدمر الإنسان والطبيعة.والمكوك الفضائي، الذي هو الأرض، الذي يقول عنه إدغار موران، مدفوع بسرعة جنونية من قبل المحركات الأربعة غير المتحكم فيها: وهي العلم، التقنية، الاقتصاد، والربح. 
ويقودنا هذا السباق نحو أخطار متصاعدة: اضطرابات أزماتية وحرجة لاقتصاد رأسمالي منفلت، تدهور محيطنا الحيوي، تشنجات عدوانية متصاعدة مرتبطة بتراكم لأسلحة الدمار الشامل، فكل هذه الأخطار تنمي بعضها البعض.
يجب علينا  قبل كل شيء - يضيف إدغار موران- مقاومة الهمجية الصاعدة، إلا أن “لا” مقاومتنا يجب أن تتغذى ب”نعم” تطلعاتنا. إن مقاومة كل ما يبخس الإنسان من طرف الإنسان، وكل استعباد وكره وإهانة يجب أن تتغذى بالتطلع، ليس إلى عالم مثالي، ولكن إلى عالم أفضل. هذا التطلع الذي لم يتوقف عن الظهور وإعادة الظهور على مر التاريخ الإنساني، سيولد مرة أخرى.
النضال من أجل عولمة إنسانية حضارية متضامنة - تعيد تفكير الايتوبيا التي سميت اشتراكية 
( كمشروع قابل للانجاز لم ينجز بعد) - ممكن ،لأن الحضارة التي أنجزتها الرأسمالية غير مكتملة وليست أبدية . والطريق إلى ذلك - يقول سمير أمين- ستكون طويلة مادام الأمر يتعلق بإنشاء حضارة جديدة أرقى من الحضارة الرسمالية، وهذا يتطلب القطع مع تجربة الواقعية الاشتراكية التي لم تنتج أكثر من رأسمالية بدون رأسماليين وتحول ديكتاتورية البروليتاريا إلى دكتاتورية الفرد والتي تحولت إلى دكتاتورية الشخص.
 إذا كان التقدم ليس حتميا، فإنهممكن بإنضاج مخارجه المحتملة.والمطلوب هو إيجاد الطريق للعبور، فغالبا ماشاهدنا خلال مجرى التاريخ - يقول إدغار موران-بأن الممكن قد يصبح مستحيلا واللامحتمل قد يتحقق أكثر من المحتمل، لنراهن على اللا- محتمل ليصبح محتملا: لنراهن على عالم أفضل، مدخله تحرير الأفراد والجماعات وإصلاح المجتمعات،لتأسيس عالم يكون فيه التفاهم بين البشر بدل التنافس واستقلال الشعوب والأمم وربط الديمقراطية بالتنمية الاجتماعية، عالم يزيل الصبغة التجارية على الصحة والتعليم وعلى البرامج الثقافية والعلمية وموارد الأرض الطبيعية والزراعة .
المطلوب الآن هو النضال من أجل عولمة إنسانية أكثر ديمقراطية وأكثر حضارة في أفق العالم الأفضل (وليس أفضل العوالم).