الثلاثاء 16 إبريل 2024
اقتصاد

في الحاجة إلى من يحد جشع لوبي صفقات الحراسة والنظافة والبستنة؟

في الحاجة إلى من يحد جشع لوبي صفقات الحراسة والنظافة والبستنة؟ وزير المالية بنشعبون مع جانب مجال البستنة (أرشيف)

أصبح متتبعو الشأن العام والطلبيات العمومية بصفة خاصة يتساءلون عن السبب الحقيقي وراء هذه الضجة التي أصبحت تثيرها الطلبيات العمومية في المغرب في السنوات الأربع الأخيرة، بالنسبة لجانبها المتعلق باحترام مبدأ المنافسة، خاصة عندما يتعلق بصفقات الحراسة والنظافة والبستنة؟

 

قبل الجواب عن هذا السؤال، أو مقاربته على الأقل، لا بد من الإشارة إلى أن من يطرحون هذا السؤال لم ينتبهوا لنقطة غاية في الأهمية، وهي التناسل الملحوظ للشركات التي أصبحت تقوم بهذه الخدمات ودون القول التخصص فيها، لأن هناك فرقا بين القيام بعمل والتخصص فيه بالفعل. لقد أصبح عدد هذا النوع من الشركات يتزايد يوما بعد يوم، وكأن المغرب والطلبيات العمومية لا تخص إلا هذه المجالات.

 

السبب واضح ولا يحتاج إلى شرح أو تحليل معمق، وهو أن هذا النوع من الصفقات السهلة وغير المكلفة والمضمونة الأرباح، وأي أرباح بل هي أرباح خيالية تبيض ذهبا لسبب واحد، فاعتمادها على اليد العاملة وبعض الأدوات البسيطة التي غالبا ما تكون جد رخيصة، خاصة وأن الإدارات المعنية لا تولي هذا الجانب أي اهتمام لأسباب تعتبر أهم العناصر التي تجعل تلك الصفقات تسيل لعاب الشركات المعنية، وعندما نقول اليد العاملة نستحضر فورا أجرة الحارس أو المنظفة أو البستاني. وبالتالي الحد الأدنى للأجور وما يرتبط به من تعويضات أخرى ذات طابع اجتماعي وإنساني، وهو الأمر الذي يجعل عدد الشركات التي تشارك في طلب العروض الواحد قد يفوق 80 شركة، وعندما قلنا إنها مربحة وسهلة، فإن تلك الشركات التي ظل عددها إلى حين صدور المنشور 2/2019 المتعلق باحترام قانون الشغل بالنسبة لهذا النوع من الصفقات جد محدود، بل لا يتجاوز العشرة هي التي كانت تهيمن على صفقات الإدارات والمؤسسات العمومية بالمغرب، والتي كانت في بعض الأحيان تتجاوز المليار، مع العلم أن الصفقة عندما تحصل عليها تبقى سارية لمدة ثلاث سنوات. والسبب هو أنها كانت تقدم عروضا مالية لا تحيد في مكوناتها عن الحد الأدنى للأجور، وهو الأمر الذي يدفع إلى اللجوء إلى استعمال وسائل تدليسية من أجل تمكينها من الفوز بها مثل القرعة.

 

بيت القصيد ليس هو هذا، بل إن تلك المقاولات عندما تفوز بالصفقات، فمن المفروض أن أجرة عمالها يجب ألا تقل عن الحد الأدنى للأجور، وهو أمر ظل مستحيلا ومازال، وإلا لماذا تشارك تلك الشركات وتفوز بهذا النوع من الصفقات؟! لكن الواقع المر الذي ظل وراء اغتناء أصحاب الشركات هو أن أجرة العامل لم تكن تتجاوز 700 درهم او 1000 درهم.

 

وكي لا ننسى موضوعنا ونغوص في ما أصبح معروفا لدى الصغير والكبير، فسبب الضجة التي أصبحت تسيل مداد العديد من الصحف هو تشبث لوبي صفقات الحراسة والنظافة والبستنة بموقعهم ورفضهم التام اقتسام الكعكة مع المقاولات الصغيرة والمتوسطة، بل حتى بعص المقاولات الكبرى غير المرغوب فيها لسبب ما. الشيء الذي جعل المتدخلين في هذا المجال يبتكرون عدة طرق لتضييق الخناق على المقاولات الصغرى والمتوسطة مثل جعل المشاركة رهينة بتقديم عروض تقنية تعجيزية لصالح اللوبي أو اشتراط شواهد للتصنيف وضمانات بمبالغ جد مرتفعة في خرق سافر لقانون الصفقات، وهو الأمر الذي جعل حوالي 100 مقاولة وشركة تحتج مؤخرا على ما قام به مجلس الدار البيضاء بالنسبة لحوالي 25 صفقة بعد أن سبقهم إلى ذلك العديد من المقاولين بمراكش، وذلك قبل سنوات. بل إن هذه الشروط التعجيزية كانت ترفض من قبل مصالح الخزينة التي تعرضت لوابل من الهجمات من لوبي هذه الصفقات، وآخر ما قطعت عليه مصالح هذه الإدارة الطريق هي صفقة البستنة للمستشفى العسكري بمراكش والمحافظة الجهوية للآثار بمراكش.

 

لقد ظلت مراكش منذ أربع سنوات تعيش على إيقاع الصراع من أجل تطبيق قانون الشغل بالنسبة لهذه الصفقات، وهو الأمر الذي كرسته دورية رئيس الحكومة رقم 2/2019 المشار إليها أعلاه، إذ أن القطع مع مثل هذه الممارسات التي تسهل هيمنة حفنة من الشركات على القطاعً الذي اغتنت منه بشكل فاحش، لابد فيه من إعادة النظر في القواعد المنظمة لهذه الصفقات عن طريق تضافر جهود جميع الفاعلين من خزينة عامة وأمانة عامة للحكومة ولجنة الطلبيات وزارة التشغيل وصندوق الضمان الاجتماعي، لانً منذ صدور الدورية لم تقم أي جهة من هذه الجهات بأية مبادرة باستثناء كناش التحملات الذي وضعته وزارة التشغيل في غياب مشاركة الخزينة العامة على الأقل، مع العلم أن كناش التحملات النموذجي كما يصطلح عليه يعج بالتغيرات القانونية والتقنية.