السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد أمجولي: بين طيور ألفريد هيتشكوك وكوفيد 19، ماذا تغير؟

خالد أمجولي: بين طيور ألفريد هيتشكوك وكوفيد 19، ماذا تغير؟ خالد أمجولي

فيلم الطيور لمخرجه ألفريد هيتشكوك، أنتج سنة 1963، المقتبس عن قصة للروائية الانجليزية دافني دوموريي، يتحدث عن لقاء جمع ببن محامي شاب "ميتش"، وفتاة ثرية "ميلاني"، من مدينة سان فرانسيسكو، في محل لبيع الطيور، يتطور اللقاء إلى علاقة حب بعد التحاق ميلاني بـ "ميتش" في بلدته، ولكن ستقع أحداث مرعبة وغير متوقعة، ستعكر صفو اللقاء، فقد هاجمت أسراب من الطيور البشر من أجل القضاء عليهم، مما خلق الخوف وأجواء من الهلع والرعب في البلدة، حيث خلفت الهجومات عدة ضحايا كان من بينهم أطفال.

 

لا يمكن أن تشاهد هذا الفيلم، دون أن يرحل بك خيالك، ولو للحظة، إلى ما تعيشه البشرية اليوم من أحداث، جراء هجوم كوفيد 19.. تكاد تكون شبيهة بوقائع الفيلم وبتفاصيلها، لحظة بلحظة؛ إلا أننا نحن هنا في نفس الوقت أبطال ومتفرجون.

 

"الفيلم" الحالي "كوفيد 19"، الذي مازلنا نترقب النهاية التي سيؤول إليها، شبيه بأجواء فيلم هيتشكوك، من رعب جراء هجوم كورونا القاتل، ولكن مع فارق كبير، فالأحداث هنا لا تجري في بلدة صغيرة ومنزوية وعدد محدود من السكان، بل بات العالم كله والبشرية جمعاء، مسرحا وشخوصا لهذا الفيلم/ الفيروس المرعب.

 

إن فيلم الطيور يجسد لامبالاة الإنسان، وغطرسته تجاه الطبيعة عبر تعامله الغبي والمدمر لها. لقد تم إنتاج الفيلم في فترة الحرب الباردة، حيث كان الصراع والتنافس على أشده من أجل السباق نحو التسلح وتطوير أسلحة الدمار الشامل بدرجة اولى، والزيادة في الانتاج على المستوى الصناعة والفلاحة.

 

أما اليوم فالعالم يشهد تدميرا غير مسبوق لجميع مكونات الطبيعة، وفي إطار تنافس حاد على استغلال مواردها، كما أن السباق اليوم أصبح على أشده، حول تطوير الأسلحة البيولوجية والكيماوية.

 

فيلم الطيور، يطرح العلاقة المختلة والغير سوية بين الإنسان والطبيعة، والتي تحكمها رغبة الإنسان في التسلط والسيادة والمحكوم بنزوعه العدواني. لقد حاول هيتشكوك تجسيد طبيعة العلاقة بين الإنسان والحيوان، عبر عدة لقطات ومواقف في الفيلم، فزيارة الشابة داني للمتجر كانت من أجل شراء بعض الطيور، وفي نفس الوقت كان المحامي ميتش يعتزم شراء زوج ببغاوات ليقدمه هدية لأخته الصغيرة بمناسبة عيد الميلاد، من جهة، ومن جهة أخرى فقد دار نقاش بين داني وميتش في محل بيع الطيور حول سبب وجود الطيور في الأقفاص، ليتبين من خلال الحوار، مدى جهل الانسان التام، وعدم الانتباه إلى الجرائم التي يرتكبها في حق الطبيعة (الحيوان/الطائر)، وقد تأكد ذلك عبر لقطة تبين إصرار بطلي الفيلم، وفي جو رومانسي، على إرجاع طائر إلى القفص بعد محاولة هروبه، مما يحيل على رغبة الإنسان في تسخير الطبيعة من أجل أهوائه.

 

لقد سعى الفيلم كذلك إلى إثارة و إبراز ما تعرفه العلاقة إنسان/إنسان من اختلالات وظلم، والتي غالبا ما تحكمها رغبة التحكم في مصير البشر، أفرادا أو جماعات، ويتضح ذلك من خلال تصرفات أم ميتش مع ابنها واحتراسها من داني الوافدة الجديدة على العائلة، ورغبة الأم في الإبقاء على ابنها بالقرب منها والتحكم في مصيره وتقييد حريته في الاختيار .

 

لقد ارتكب الإنسان، بالفعل، عبر التاريخ جرائم تجاه البشر وتجاه الطبيعة وتوازناتها، وأصبحنا نستفيق اليوم على أخبار الحروب والصراعات وتحكم القوى العظمى وحليفاتها، بمختلف إديولوجياتهم، وعبر المؤسسات الدولية التابعة لها، في مصير الانسان وأمنه الغذائي والصحي وحتى الثقافي. لقد أطلقت الدول والجماعات العنان لتدمير البيئة، من أجل تحقيق الرفاه ومن اجل مصالح تجارية وعسكرية واستعمارية.

 

إن كوفيد زارنا مهاجما، فحول الناس إلى سجناء، يحتمون داخل أقفاص المنازل، بنفس الطريقة التي حولت بها طيور هيتشكوك منازل البشر، إلى سجون شبيهة بأقفاص الطيور، حتى يجبر الإنسان على أن يتذوق الإحساس بالظلم الذي يمارسه عبر السجون والاعتقال، بل لقد استطاع كوفيد أن يذهب أبعد من فيلم الخيال الهيتشكوكي، لقد تمكن من تكميم أفواه البشر عبر العالم، انتقاما مما يقترفه الأنسان من قمع وإجهاز على الحريات في حق أخيه الإنسان، كما أرغم البشر على عيش تجربة ومعاناة الحصار المفروض على الضعفاء في جميع أنحاء العالم، كأداة للعقاب والانتقام.

 

إن الغازي كوفيد، وبعد أن حد من تحركات الإنسان، استطاع اليوم أن يرمم بعض ما عبثت به أيادي البشر، عبر سنوات من الأضرار التي لحقت بالغلاف الجوي وبالمياه والبحار جراء الهجوم والتعدي على الطبيعة، بل الأكثر من ذلك فقد تفاجأ العالم اليوم وهو يتناقل صورا مذهلة للحيوانات، وهي تستعيد مجالات حياة مسلوبة، منذ عقود، حيث انقلبت الأدوار وأصبح الاختباء مقتصرا على البشر دون الحيوان.

 

في فيلم الطيور، كانت لقطة الناس مجتمعين في أحد مطاعم البلدة، وهم يتداولون حول أسباب هيجان وهجوم الغربان، مصحوبة بتناولهم لأطباق من الطيور، في مشهد يصور قمة غباء البشر، إذ لم يخطر ببالهم السؤال الحقيقي، لماذا يهاجم الإنسان الطيور؟ إن الإنسان مازال إلى الآن يرتكب نفس الخطأ، فالعالم اليوم، وفي أجواء شبيهة، يتساءل عن سبب هجوم كوفيد وأصله وتفاصيله، وهو يتناول وجبات الكلاب والقطط والخفافيش والثعابين والفئران، ولم يطرح السؤال الصحيح، لماذا نهاجم نحن الحيوان والطبيعة؟ بل لقد تجاوزنا ذلك بهجومنا على الفيروسات وعبثنا بخصائصها الجينية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل مازال ينتظرنا الأخطر جراء محاولاتنا إدخال تعديلات على خلايا وجينات البشر .

 

إن المحير والمشترك بين فيلم هيتشكوك و"فيلم "كوفيد، هو الإنسان الذي مازال مصرا على جبروته، وغبائه، وغطرسته وعلى رغبته القاتلة في التحكم في الطبيعة بكل مكوناتها، واعتقاده أنه هو من يحدد مصير جميع كائناتها، باستعمال العلوم، ولا يعتبر نفسه، بل يغيب عليه أنه جزء لا يتجزأ منها، فيواصل المضي نحو تجريب اللقاحات والرفع من تجارة الدواء في الوقت الذي يجب أن يطرح على نفسه السؤال الجوهري والمنطقي، لماذا نعاقب نحن من طرف كوفيد؟

 

في فيلم هتشكوك، ناقش أهل بلدة ميتش أسباب الهجوم، إما من زاوية دينية أو طبيعية، أو فلسفية، واليوم نعاود طرح نفس النقاش ونفس الأسئلة مع الأسف حول كوفيد، ولكن بطرق أخرى، وبتغليب أكثر للجانب العلمي، هل كوفيد مصنع أم طبيعي، ما هي خصائصه الجينية؟ إلخ...

 

في فيلم الطيور، تذوقت أم ميتش عذابين في نفس اللحظات، عاشت جحيم علاقة الفتاة داني بابنها وجحيم هجوم الطيور على البلدة.

 

أما في حالتنا اليوم، ومن غريب الصدف، أن القوى العظمى المتسلطة هي من عانت اليوم أكثر من هجومات كوفيد، رفقة جيوشها، وتمكن من إذلالها، ولكن مع الأسف، فقد كان أكثر فتكا بكبار السن، لقد بدوا كقرابين للتكفير عن لامبالاة الأجيال السابقة ومساهمتها في تدمير البيئة، في حين أن طيور هيتشكوك كانت عادلة عبر الانتقام، إذ لم تستثن صغار البشر ، قصاصا لصغارها في الأقفاص، فلقد اختارت مبدأ السن بالسن، والبادئ أظلم.

 

لقد تساءل كثير من النقاد كيف تفوق هيتشكوك بتوظيف طيور عادية، دون الاعتماد على طيور متوحشة، في زرع الخوف والرعب لدى المشاهد؟، ولكن الجميل والغريب أن يأتي الجواب بعد 57 سنة، إنصافا لهتشكوك، فكوفيد ليس حتى بكائن صغير، بل هو كائن غير مرئي بالعين المجردة، يرسل لنا جميع إشارات التحدي المرعبة، رغم ما وصل إليه الإنسان من علوم وتكنولوجيا .

 

فلا شيء تغير بين الأمس واليوم، فثورات الطبيعة في تزايد، وحلقات مسلسل كوفيد لم تنته بعد، ومازال الأسوأ قادما، والخطر قائما، والغباء بجميع أشكاله، في انتعاش لا متناه.

 

خالد أمجولي، فاعل تربوي