الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: الحكومة تخاف من صوت الشعب فاستغلت الحجر الصحي لتصول وتجول

صافي الدين البدالي: الحكومة تخاف من صوت الشعب فاستغلت الحجر الصحي لتصول وتجول صافي الدين البدالي

لم يستطع العلم بكل فروعه  القضاء على فيروس كورونا، بل اكتفي المهتمين بالبحث العلمي بتكهنات اقتراب القضاء عليه، لكن سرعان ما يكذب تلك التكهنات الواقع الذي يعرف سقوط ضحايا جدد يوميا في معظم دول العالم. لم تنفع معه صواريخ عابرة للقارات ولا قنابل انشطارية ولا أقمار اصطناعية. لم تنفع معه المخابرات المتعددة الرؤوس ولا شراك الماسونية ولا طلاسم المشعوذين ولا أزلام المنجمين، فما هو إلا كائن مجهري لا يرى بالعين المجردة، ينتقل كيف يشاء من بلد إلى بلد ومن قارة إلى أخرى، ليصيب الأطفال والنساء والرجال والأغنياء والفقراء والضعفاء والأقوياء، بل حتى الرؤساء والوزراء. فرض على الدول أن تقرر الحجر الصحي هروبا من الموت لما أيقنت أنها عاجزة على رده. دخل الجميع كرها أو طوعا للحجر الصحي، فارتاحت الطبيعة وازداد توالد الأشجار والغطاء النباتي وتوالد الحيوانات البرية والبحرية والطيور، فاستعادت الطبيعة توازنها الإيكولوجي الذي تسبب الإنسان في ارتباكه.

 

هو فيروس أصبح صديق الطبيعة وعدوا للإنسان في نفس الآن، الذي ظل يخرب الطبيعة كي يعيش في رفاهية تجاوزت الحدود وكي يكسب المال باستغلال ثرواتها استغلالا بشعا، حتى جفت فرشة المياه وجفت الأرض وازداد معدل الاحتباس الحراري من خلال امتصاص غازات الغلاف الجوي كثاني أكسيد الكربون لطاقة الشمس وحبسها بالقرب من الأرض، ممّا يساهم في ارتفاع حرارة الأرض. لقد كشف هذا الفيروس ضعف الدول التي ركبت قطار الليبرالية المتوحشة والدول التي تدور في فلكها بعدما توقفت آلة الإنتاج وتراجع استهلاك البترول، حتى أصبح دون الصفر وظهور حجم البطالة الحقيقي في هذه الدول وخطورة الاقتصاد غير المهيكل واقتصاد الريع.

 

ونحن في المغرب من البلدان التي صارت على نهج الليبرالية المتوحشة فاكتوى الشعب اختياراتها وظهر ذلك في هذه الأزمة.. لقد نفذ الشعب قرار الحجر الصحي الذي قررته الحكومة، فدخل الناس بيوتهم وغادروا المساجد والزوايا والمدارس والكنائس، هربا من العدوى وهربا من الموت، منتظرين الفرج. ليس من الحكومة، ولكن من السماء، فلم يستطع الناس دفن أمواتهم، كما كان من قبل، ولم يستطيعوا زيارة أقاربهم حتى ولو كانوا في أزمة.

 

نفذ الشعب قرار الحكومة، لكنها لم تنفذ  مطالبه، بل استغلت الجائحة ودخول الجميع بيوتهم لتمرر قرارات مجحفة، فتحققت الرؤيا بأننا أمام حكومة تنتهز الأزمات لتفعل ما تريد... لقد قررت الاقتطاع من أجور الموظفين دون إجماع النقابات، ولم تترك المبادرة لهؤلاء مع أن جلهم في واجهة محاربة الفيروس وآثاره النفسية والتعليمية.

 

ثم يطرح السؤال البوم حول ما هي الدوافع الحقيقية إلى إصدار القانون 22.20 في هذا الظرف بالذات؟ هل في ذلك مصلحة الشعب كي تخفف عنه من ظروف الحجر ومن البطالة والفقر الذي تضاعف بفعل هذه الظروف؟ أم فيه مصلحة الحكومة حتى لا يبقى على الأرض صوت يعارض أو ينتقد أو يكشف عيوبها التي لا تنتهي؟ ولماذا لا تصدر قرارا يقضي بتخفيض سعر المحروقات الذي ما زال مرتفعا رغم سقوط سعرها العالمي إلى تمن تحت الصفر للبرميل؟ لمصلحة من عدم مراجعة أسعار المحروقات؟ ألم تكن هذه جريمة في حق الشعب المغربي؟ تريد الحكومة أن تحرر سوق المحروقات وتكمم الأفواه لمصلحة لوبي الفساد والإثراء غير المشروع. و لماذا لا تصدر قرارا يقضي بإرجاع الأموال المنهوبة من طرف المفسدين والأموال المهربة إلى الخارج من أجل دعم  صندوق التضامن ومساعدة الأسر الفقيرة والتي ليس لها دخل، والتي لا تملك بطاقة راميد؟ لماذا لا تصدر قرارا يقضي بتخفيض الأجور والتعويضات الخيالية لدعم صندوق التضامن الاجتماعي؟ لماذا تستغل هذه الظروف الصعبة من أجل تمرير قوانين بشكل لا ديمقراطي ضدا على إرادة الشعب؟

 

لقد تأكد بالملموس أن الحكومة تخاف من صوت الشعب، فاستغلت الحجر الصحي تصول وتجول، ويصدق عليها قول الشاعر "خلت السفوح من النسور/ فارقصي يا طيور وزقزقي".

 

- البدالي صافي الدين، فاعل سياسي وحقوقي