السبت 27 إبريل 2024
مجتمع

الباحث رضوان رشدي يشهر في وجه المشككين الأدلة المعتمدة على جواز صلاة التراويح

الباحث رضوان رشدي يشهر في وجه المشككين الأدلة المعتمدة على جواز صلاة التراويح رضوان رشدي
أخرج الشيخان عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:" احْتَجَرَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً أَوْ حَصِيرًا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيهَا فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُم،ْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ".
 
 وأخرج مسلم في بَاب فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الدَّائِمِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهِ رقم 1302 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِيرٌ وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ .
 
-هذا النص دليل ناصع كذلك على جواز التطوع جماعة في المسجد لعدم نهي المصطفى صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام عن الإقتداء به وموافقته لهم، بل ندب عليه السلام فعلهم هذا وجَوَّزه بإطلاق، إلا إذا انصرفت الأمة كلها لصلاة الليل جماعة معه عليه السلام في وقت التشريع فيكون ذلك مظنة فرضه على الأمة، لاسيما إذا تضافر في هذا الأمر خرق للأدب معه عليه السلام بضرب الباب بالحصى فيكون النهي آكد منه عليه السلام ليذهب الناس إلى بيوتهم، ومن تم ساق الإمام البخاري النص في كتاب الأدب، أمَا وإنَّ علة النهي أزيلت بموته عليه السلام، فقيام الليل جماعة في المساجد وغيرها جائز للأمة، مندوب في حق الطليعة المجاهدة. يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم :" وفيه أي الحديث جواز النافلة في المسجد وفيه جواز الجماعة في غير المكتوبة وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة، وفيه ترك بعض المصالح لخوف مفسدة أعظم من ذلك، وفيه بيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته ومراعاة مصالحهم.
 
- وفي حديث عائشة رضي الله عنها الذي ظنه البعض خاصا برمضان فإن الإمام النووي وكذا الإمام ابن حجر حملا النص على التنفل بإطلاق بدون تقييد في زمن بعينه، وفي ذلك يقول الإمام النووي: "وفيه جواز النافلة في المسجد وان كان البيت أفضل ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها في المسجد لبيان الجواز". ويؤكد رضي الله عنه شمولية النص للتطوع جماعة فقال: "قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس وذكر الحديث… ففيه جواز النافلة جماعة"   والأفضل عنده ما تعارف الناس على الاجتماع عليه كصلاة الاستسقاء والكسوف والتراويح وغيرها لكن أصل التطوع باق على عمومه، فإذا انبرى بعض الصالحين للتطوع جماعة في بيت أو في مسجد فالأمر جائز، وأنت ترى كيف احتجر المصطفى عليه السلام منفردا في المسجد ليصلي فيه لما في ذلك من توفر الخشوع وفراغ القلب من المشوشات، ولابأس إذا صاحبه في صنيعه بعض الأصحاب، أما إذا غص المسجد بالمصلين ففي ذلك مدعاة لفرض قيام الليل جماعة عليهم، بل سيتوهم البعض فرضيته إذا لم يفرق بين أفعاله عليه الصلاة والسلام، ومن ثم كان صرف الناس للصلاة في بيوتهم لعلة احتمال فرضية هذا التطوع عليهم. وهذا الاحتجار جائز كذلك إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم ولم يتخذ دائما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجرها بالليل يصلي فيها ويبسطها بالنهار، كما قال النووي، وقد استغرب الحافظ ابن حجر ترجمة النص في كتاب الآذان بباب صلاة الليل وكان الأولى عنده أن يترجم له بصلاة الليل جماعة، لأن مباحث صلاة الليل مبثوثة في أواخر كتاب الصلاة فلا داعي لتكرار الترجمة، يقول الحافظ: "فأما صلاة الليل بخصوصها فلها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة وكأن النسخة وقع فيها تكرير لفظ صلاة الليل، وهي الجملة التي في آخر الحديث الذي قبله، فظن الراوي أنها ترجمة مستقلة فصدرها بلفظ باب وقد تكلف بن رشيد توجيهها… ثم ظهر لي احتمال أن يكون المراد صلاة الليل جماعة فحذف لفظ جماعة والذي يأتي في أبواب التهجد إنما هو حكم صلاة الليل وكيفيتها في عدد الركعات أو في المسجد أو البيت ونحو ذلك.
 
وهكذا فإنك ترى القوم واقفين على الباب الليالي الطوال مع الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة، حتى إذا انتظموا في ديوان الصدق والرجولة الإيمانية نزل التخفيف، فنزل الأمر من رتبة الإيجاب إلى الندب والاستحباب، لا كما يظن بعض الأغمار أن النسخ موجب لإزالة السنة، بل إن قيام الليل بعد نزول الناسخ أصبح تطوعا في حق الأمة، ولازما في شأن المصحوب صلى الله عليه وسلم تحقيقا لمقام الشكر كما حكت عائشة رضي الله عنها.
والمقصود هاهنا أن الصحابة قاموا الليل جماعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم حولا بأكمله، فلما أجهدوا واخضرت أقدامهم نزل التخفيف بإبقاء السنة قائمة لا على محمل الإلزام بل تطوعا، ومن ثم فإذا اجتمع الأصفياء على قيام الليل، كان اجتماعهم هذا سنة ثابتة لا يماري فيها عاقل استنانا بهؤلاء السلف وسيرا على منهاج النبوة، وحديث الحجيرة السابق مؤكد لذلك، لأن الصحابة لو ظنوا بأن النسخ مزيل للقيام تطوعا لما هَبوا لفعله مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة ليلا، لاسيما وأن قيامهم هذا لاحق على قيامهم السابق الذي بمكة. وقول عائشة حاسم في المسألة إذ تقول رضي الله عنها: "حتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ"، والتطوع لا يعني إزالة قيام الليل جماعة، بل بقي ندبا واستحبابا كما أشرت، والتحقيق في مسألة النسخ هو ما ذهب إليه الحافظ في الفتح، يقول مفسرا ترجمة البخاري في باب قيام الليل: "قوله باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل من نومه وما نسخ من قيام الليل، وقوله تعالى يا أيها المزمل قم الليل كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم من طريق سعد بن هشام عن عائشة قالت أن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة يعني يا أيها المزمل فقام نبي الله  صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضيته واستغنى البخاري عن إيراد هذا الحديث لكونه على غير شرطه…" وهو قول الإمام النووي في إبقاء قيام الليل جماعة تطوعا بدون إزالة له، يقول: "قولها فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة هذا ظاهره أنه صار تطوعا في حق رسول الله  صلى الله عليه وسلم والأمة، فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في نسخه في حقه… 
 
وفي قوله تعالى: "فاقرءوا ما تيسر منه" يقول الإمام القرطبي: "فالمعنى رجع لكم من تثقيل إلى تخفيف، ومن عسر إلى يسر، وإنما أمروا بحفظ الأوقات على طريق التحري فخفف عنهم". وهذا التخفيف هو رحمة لهؤلاء الأصفياء ولو كثرت الحِكَم المقتضية للترخص، كقوله تعالى "أو انقص منه قليلا" وقوله: "علم أن لن تحصوه، فتاب عليكم" وقوله: "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه"… كل ذلك علل موجبة للرحمة والتخفيف، ودالة على معرفة الإسلام بواقع الناس وحوائجهم واعتبار مصالحهم. 
 
ويجب ألا ننسى أن قوله تعالى: "فاقرءوا ما تيسر منه" ترك علماء جهابذة محددين للمقدار الأدنى الذي على المسلم قراءته ليلا، كالسدي الذي حدد مائة آية، قال الحسن: "من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن"، وقال كعب: "من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين"، وحدد سعيد ابن المسيب خمسين، لكن القرطبي رضي الله عنه رجح قول كعب فقال: "قول كعب أصح لقوله عليه السلام: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" أخرجه أبو داود.
 
فإذا كان هذا شأن قيام الليل وما حازه من الفضل والشرف والجزاء فضلا على أنه سبب لوصال المحبوب عز وجل كما في الحديث الذي خرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَه،ُ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ...كان لزاما على المُحب أن لا يعدل عن هذا الوقت النفيس بديلا، بل تجده يقظا مستيقظا واقفا عند باب الذل منكسرا، قارئا الآيات بتدبر وكأنها تخاطبه فيزداد انطراحا، ومناجاة للمحبوب، وبكاء على الخطايا … لكن إن لم يف المحب بهذا البنذ انفرادا، فلا ضير عليه بل يندب في حقه الاجتماع مع إخوته ليقوموا الليل جماعة، كما اجتمع الأصحاب والأصفياء مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
 
رضوان رشدي، رئيس مركز ابن رشد للدراسات والبحوث الإنسانية