الأحد 28 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد الادريسي:مشروع قانون شبكات التواصل الاجتماعي كمامة قانونية دائمة على حرية التعبير

خالد الادريسي:مشروع قانون شبكات التواصل الاجتماعي كمامة قانونية دائمة على حرية التعبير خالد الادريسي
فوجىء المتتبعون للشأن القانوني والسياسي بالمغرب، برواج وثيقتين مسربتين من مشروع قانون 22.02 المتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البت المفتوح والشبكات المماثلة.
إن المتأمل في حجم وعدد القوانين الزجرية التي صدرت خلال الأسابيع القليلة الماضية، يتبين المشرع المغربي أصابه إسهال تشريعي كبير من خلال إصدار عدة قوانين زجرية تتضمن عقوبات زجرية حبسية ومالية في وقت قياسي، حتى أنه تم إصدار وتطبيق قانون يجبر المواطنين على ارتداء الكمامات تحت طائلة العقاب، قبل أن يتم توزيع هذه الكمامات في الصيدليات و المحلات المختصة ببيعها ، وهو ما يؤكد أن الحكومة تفكر وتقرر بسرعة وأحيانا بتسرع غير محمود، قد يؤدي إلى انتهاك كبير لحقوق و حريات الأفراد .
وهذا الأمر يدخل في إطار ما يعرف بمبدأ الهروب نحو القانون الجنائي، أي أن المشرع يحاول أن يعالج أي إشكال قانوني عن طريق الآلية الجنائية و الزجرية، رغم أنه كان يمكن معالجة الأمر عن طريق إقرار فقط جزاءات ذات طبيعة إدارية أو مدنية أو جزاءات بديلة للعقوبات السالبة للحرية.
بالنسبة لمشروع قانون 22.02 المتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البت المفتوح والشبكات المماثلة، يمكن التساؤل بكل جدية،هل هناك بالفعل حاجة آنية لإصدار قانون ينظم مجالا حساسا كوسائل التواصل الاجتماعي، في وقت وجيز، وفي برلمان تغيب عنه غالبية ممثلي الأمة، وبهذه الحمولة العقابية والزجرية في جرائم تدخل في إطار حرية الرأي والتعبير ؟
كما أنه بالتأمل في مضمون النص الجنائي الوارد في هذا المشروع، يتبين أن بعض اللوبيات هي من وراء صياغته، وتريد من خلال هذا القانون استغلال الظرفية الحرجة التي تمر منها بلادنا جراء تفشي جائحة كورونا من أجل إدراج مقتضيات قانونية زجرية حماية لمصالحها مما يمكن أن يتهددها مستقبلا ، وخاصة أولئك الذين تضررت مصالحهم جراء حملة مقاطعة منتجاتهم، التي تمت في إطار حملة المقاطعة الشعبية لهذه المنتجات والتي عرفت نجاحا كبيرا، بفعل التنسيق التي تم بين المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن، وبالنظر لما ذكر أعلاه، ما هو التقييم الذي يمكن أن نخرج به حول هذا المشروع قانون من ناحية السياسة الجنائية من خلال هاته الصفحتين الرائجتين التي بين أيدينا ؟
حينما نتأمل الصياغة التشريعية لهذا المشروع قانون، يتبين أنه يعبر عن سياسة جنائية جد متشددة، سواء من جهة الجانب التجريمي، أو من جهة الجانب العقابي . فمن الناحية التجريمية يتبين أن هذه الجرائم صيغت في إطار جرائم سلوك أي أنها تتطلب فقط القيام بالفعل الجرمي وهو استعمال الوسائط المعلوماتية الاجتماعية.
فالجريمة ثابتة ومكتملة من ناحية الركن المادي بارتكاب هذا الفعل ولو لم ينتج عن ذلك نتيجة كإخلال بالنظام العام و الأمن العام . كما أنه من ناحية الركن المعنوي فإنها تتطلب فقط القصد الجنائي العام ، أي العلم والإرادة ، ولا تتطلب قصدا جنائيا خاصا كوجود سوء النية . فتأكد حسن النية لدى ناشر أو صانع المحتوى لا يؤثر في ثبوت ارتكابه لهذه الجرائم فحتى لو ثبت أن قصده كان هو التوعية و محاربة الفساد فان حسن نيته لا ينفعه لتجنب العقاب .
وهذا ما يؤكد قمة التشدد في السياسة التجريمية في النص القانوني لهذا المشروع قانون . وإذا أردنا إجراء مقارنة بسيطة بين جريمة نشر أخبار زائفة في قانون الصحافة طبقا لمقتضيات المادة 72 من هذا القانون وبين نشر أخبار زائفة في نص هذا المشروع قانون ، سيتبين أن المشرع منح الصحافيين امتيازات لم يمنحها لمستعملي وسائل التواصل الإحتماعي ، فهو اعتبر هذه الجريمة تامة وليس جريمة سلوك ، وبالتالي تشترط أن تتوفر إضافة إلى الفعل و هو السلوك الإجرامي ، النتيجة الإجرامية و هي الإخلال بالنظام العام و الأمن العام ، و أن تكون علاقة سببية بين السلوك والنتيجة .
وبالنسبة للركن المعنوي اشترطت المادة 72 من قانون الصحافة توفر قصد جنائي خاص وهو سوء النية، إضافة إلى القصد الجنائي ، الذي هو العلم و الإرادة ، وبالتالي فإن عدم توفر سوء النية لدى الفاعل يجعل العناصر التكوينية للجريمة غير مستجمعة، ولا تكون هناك أي جريمة قائمة .
أما من ناحية السياسة العقابية فإن الحكم بعقوبات سالبة للحرية قد تصل إلى ثلاث سنوات حبسا نافذا، و عقوبات مالية تصل إلى حدود مبلغ خمسين ألف درهم . يدل أن الجانب العقابي متشدد جدا في هذا القانون ، إلى درجة أننا إذا أردنا مقارنته بمقتضيات قانون الصحافة، ولا سيما المادة 72 من هذا القانون، التي تقرر عقوبة مالية فقط دون العقوبة السالبة للحرية في حالة ثبوت ارتكاب الجريمة بجميع عناصرها التكوينية. وبالتالي قد نصل إلى حالة غير عادلة ونوع من انعدام المساواة بين أشخاص يمارسون تقريبا نفس المهام لا سيما بالنسبة لصناع المحتوى الذي يكون أحيانا مضمون انتاجاتهم أكثر قو و جودة واحترافية من الانتاجات الإعلامية والصحفية لبعض الجرائد الالكترونية لا سيما في حالة نشر منبر صحفي إلكتروني محتوى يدخل في إطار الجرائم المنصوص عليها أعلاه ، ويتم نشرها وتداولها بين مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي ؟
ففي هذه الحالة رغم أن الجريدة الإلكترونية هي مصدر الخبر أو المحتوى المجرم، فإن مدير نشرها الذي يعتبر فاعلا أصليا والصحافي صاحب المحتوى المباشر باعتباره شريكا يتابعان فقط وفق الامتيازات التي وفرها لهم قانون الصحافة، ولا يعاقبان سوى بعقوبات مالية عبارة عن غرامات مالية . بينما الأشخاص الذي تداولوا الخبر أو المحتوى المجرم يتابعون و يحاكمون من دون أي امتيازات خاصة وفي نفس المحاكمات التي تجرى في حق مجرمي الحق العام و بعقوبات حبسية نافذة قد تصل إلى ثلاث سنوات، وغرامات مالية قد تصل إلى خمسون ألف درهم .
وهذه المعطيات تبين أنه إضافة إلى التشدد التشريعي في النص المتعلق بالقانون 22.02 ، فإنه يقر نوعا من اللامساواة وانعدام العدالة بين المواطنين .
أخيرا، فإن الخلاصة التي يمكن أن نستخلصها في إطار ما ذكر أعلاه ، هي أن هذا القانون متسرع و تتم محاولة استغلال أزمة جائحة كورونا من أجل إصداره في زمن قياسي من دون اعتماد أي مقاربة تشاركية ، ويتضمن العديد من العيوب من جهة الصياغة و من زاوية السياسة الجنائية ، وأنه سيستعمل كغطاء لحماية بعض اللوبيات التي تحاول حماية مصالحها و لو ضد الإرادة الشعبية . وأنه في حالة مصادقة البرلمان عليه ونشره في الجريدة الرسمية، سيتم حينئذ وضع كمامة دائمة على حرية الرأي والتعبير ببلادنا، مع ما يستتبع ذلك من قمع و انتهاك للحقوق والحريات الفردية والجماعية التي ضمنها الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
خالد الادريسي ، محام بهيئة الرباط و أستاذ جامعي و باحث في ميدان الإعلام والاتصال