السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل يمكن للمغرب الاستفادة اقتصاديا من أزمة وباء كورونا؟

يوسف لهلالي: هل يمكن للمغرب الاستفادة اقتصاديا من أزمة وباء كورونا؟ يوسف لهلالي

منذ بداية أزمة كورونا أشاد عدد من المنابر الدولية بإدارة المغرب بقيادة الملك محمد السادس لهذه الأزمة الخطيرة لجائحة كورونا، سواء على المستوى الصحي أو على المستوى الاقتصادي، رغم محدودية الموارد الاقتصادية والهشاشة الاجتماعية لجزء من السكان بسبب ضعف التعليم والتكوين. رغم هذه الصعوبات والعوائق كان الأداء ناجحا وباعتراف دولي.

 

هذه الأزمة الصحية العالمية كانت كذلك فرصة للمقاولات المغربية التي بينت أنها قادرة على إنتاج حاجيات البلد من المعدات الطبية، خاصة الكمامات الواقية والقدرة على تصديرها إلى أوروبا كما أعلن عن ذلك الوزير المسئول عن قطاع التجارة.

 

كيف استطاع المغرب تعبئة صناعته لإنتاج 7 ملايين كمامة واقية في اليوم، وهو رقم قابل للارتفاع في أقرب وقت، وتجندت الصناعة من خلال 17 مصنعا، التي كانت متخصصة سابقا في تصنيع الأكياس البلاستيكية، حيث أضحت تصنع الأقنعة الجراحية التي تحظى بالتصديق، والتي تباع بالصيدليات، والمحلات التجارية الصغرى، والمساحات التجارية الكبرى، وذلك بسعر في متنازل الجميع.

كما قامت شركات صناعة الطيران وبطلب من السلطات العمومية إنتاج أجهزة للتنفس الاصطناعي. وفي ظرف 15 يوما، تم إنشاء نموذج مخصص لأقسام المستعجلات، وتم تطوير نموذج جراحي يتيح تنبيب الأشخاص الذين يعانون من ضيق تنفسي كبير، والذي يتطلع المغرب إلى إنتاج ألف منه.

كما تم إحداث صندوق "كوفيد-19" بقيمة 3,2 مليار يورو، ويضاف إلى هذا المبلغ ميزانية قدرها 3 مليارات يورو من خط الاحتياط والسيولة، الموضوعة رهن إشارة المملكة من طرف صندوق النقد الدولي.

 

هذه الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية بينت هشاشة منظومة الاقتصاد العالمي واستراتيجية الاعتماد الكلي على الصين كورشة لتصنيع حاجيات الغرب والعالم من الاستهلاك. وهو اختيار فرضته المقاولات الكبرى  باسم العولمة والركود وراء التكلفة الرخيصة لليد العالمة التي توفرها الصين لمختلف القطاعات، بالإضافة إلى سوقها الاستهلاكية الكبيرة.

 

طبعا العالم ما بعد أزمة كورونا لن يكون هو العالم ما قبلها، بدأت بلدان العالم بما فيها البلدان الغربية النقاش حول طبيعة اقتصادها وطبيعة الاختيارات السابقة التي قامت بها، وهو أن انتداب الصين لتصنيع مختلف حاجياتها الاستهلاكية فقط  من أجل هامش الربح الكبير الذي يوفره هذا البلد.

 

الأزمة الحالية بين الغرب والصين، كسرت جانبا مهما في العلاقات الدولية وهو الثقة بين الجانبين، خاصة أن عددا من المقاولات الصينية استفادت من المزايدات بين الدول من أجل تسليم المعدات لمن يدفع أكثر وبسرعة، مثل الحصول على  مقابل السلع بالأوراق المالية، وعلى والأداء على مدرجات المطار، كما تناقلت ذلك الصحف الدولية. ورغم ذلك، فإن دولا كبرى مثل الولايات المتحدة، فرنسا وألمانيا عاجزة عن توفير الكمامات الواقية  لسكانها بما يكفي حاجياتها رغم قدراتها على الدفع المالي السريع للحصول على ذلك. وذلك لاعتماد العالم على مصدر وحيد للإمداد وهو ما يعرض الجميع للخطر.

وهو ما دفع الجميع الى التساؤل حول نجاعة هذا الاختيار، وهو اعتماد البلدان الغربية وباقي العالم على الصين كورشة لتصنيع منتجاتهم الاستهلاكية، هو أمر يتم التفكير فيه بجدية وسط دوائر التقرير بهذه البلدان. وهناك اصوات كثيرة تطالب بذلك، خاصة في مجالات استراتيجية مثل صناعة الدواء والمعدات الطبية بمختلف أشكالها. وهي مجالات يتوفر فيها المغرب على قدرات كبيرة، وذلك مند عدة عقود.

 

هذه الأزمة اليوم هي فرصة للمغرب من أجل استرجاع هذه الصناعات التي ضاعت منه في الماضي بسبب المنافسة الصينية، التي نجحت من خلال كلفتها  المتواضعة جدا وسوقها الكبير استقطاب أغلب الزبناء الغربيين وشركاتهم الكبرى التي تجري وراء الربح السريع. المغرب من أجل إعادة استقطاب هذه المقاولات الغربية هو في حاجة إلى إعادة هيكلة نسيجه الصناعي وقدراتها الإنتاجية وهو في حاجة إلى سوق محلية ومغاربية وإفريقية. وبسب غياب المغرب الكبير نظرا لسياسة الجارة الجزائر التي مازالت تائهة في مقاربة استراتيجية قديمة تعود إلى القرن الماضي وإلى زمن الحرب الباردة؛ ليس أمام المغرب إلى الاعتماد على إفريقيا التي تعتبر عمقه وقوته مند قرون.

 

وليستفيد المغرب من هذه الوضعية الجديدة لعالم ما بعد كورنا، يجب أن تستمر الدولة في قيادة الأوضاع من خلال وضع رؤية استراتيجية تسعى الى إعادة تنظيم النسيج الصناعي للمقاولات ومواكبتها من خلال القروض وتكوين الموارد البشرية ومساعدتها في وولوج الأسواق الأوروبية والأفريقية التي تعتبر المجال الحيوي للمغرب مند قرون. وهذا المجال كان يوفر له استقلالية اقتصادية وسياسية جعلت من المغرب دائما مستقلا على إمبراطوريات الشرق العربي، وآخر دولة افريقية تسقط في شباك الحماية الفرنسية الإسبانية.

كما أنه على الدولة اتقوم بدورها كفاعل تنموي موجه لدعم المقاولة المغربية في هذه العملية، وهي استرجاع الصناعات التي ضاعت من المغرب في العقود الأخيرة، سواء في مجال النسيج، الصناعات الخفيفة، الصناعات الالكترونية، صناعة السيارات وقطاع الطيران. وهي كلها قطاعات لها حضور تاريخي بالمغرب ولا ينقصها إلا دور الدولة كفاعل موجه ولها رؤية استراتيجية. وضرورة إبعاد المقاولات التي تعودت العيش على الريع، والهمزة والاحتكار ومساعدات الدولة دون أي دور في الاقتصادي الوطني لا من حيث الإنتاج أو الجودة أو التشغيل.

 

هذه الأزمة هي فرصة للمغرب وأفريقيا من أجل استرجاع الروابط القوية مع البلدان الأوروبية. والنسيج الصناعي المغربي قادر على  توفير حاجة الغربيين من الكمامات والمعدات الطبية التي اعتادوا على طلبها من الصين، واليوم هذه الأزمة، وهذا الخوف من الصين لدى هذه البلدان مناسبة لعدد عدد من الصناعات الوطنية مثل صناعة الدواء التي تحتكرها اليوم الصين وآسيا من أجل استرجاع قوتها. الغربيون اكتشفوا اليوم خطأهم الاستراتيجي وهو انتداب تصنيع كل حاجياتهم إلى الورشة الصينية والى بلد وحيد فقط لضعف تكلفته وهو اختيار بين عدم نجاعته في ظروف هذا الوباء العالمي.

 

المغرب اليوم مؤهل في العديد من القطاعات من أجل تكسير هذا الاحتكار الصيني. وما يعرفه العالم من تقلبات بسبب أزمة كورنا وانعكاساتها الخطيرة على الاقتصاد هي مناسبة لاستعادة شركائه وجيرانه التاريخيين بأوروبا.

 

هذه الأزمة الصحية العالمية كانت درسا كبيرا للجميع، وأهم هذه الدروس هو تنويع الشركاء والاعتماد على القرب وعلى الجوار، وهذه كلها معطيات لصالح المغرب ولصناعته اليوم. وهي فرصة لطرح النموذج التنموي الجديد، ودمج الجامعات المغربية والمدارس العليا في هذا المجهود والاستفادة من الكفاءات التي يتوفر عليها المغرب في القارات الخمس.

 

هذا القرب وهذا الجوار في الشراكة بين المغرب وأوروبا ليس جديدا، بل يعود الى قرون والى عصر "القوافل التجارية" القادمة من إفريقيا عبر سجلماسة، وإلى صناعة السكر بالمغرب التي جعلت منه مركزا صناعيا ونقطة تجارية استراتيجية بين إفريقيا وأروبا. وإذا كان البعض يريد إحياء "طريق الحرير"، فإن المغرب هو الآخر يمكن أن يحيي "طريق القوافل التجارية بين إفريقيا وأروبا" عبر السكك الحديدية، الطرق السيارة والطرق البحرية.

هذا الوباء العالمي أعطى للعالم والغربيين دروسا جديدة في العلاقات الدولية، وهذه التوجهات الجديدة هي من المؤكد في صالح المغرب إذا عرف كيف يقطف تمارها برؤية استراتيجية من أجل تعزيز قدراته الصناعية ومكانته بأفريقيا وأوروبا.