يعيش العالم وضعا استثنائيا بسبب الأزمة الصحية التي تسبب فيها فيروس كورونا المستجد، والذي صنفته منظمة الصحة العالمية بالوباء العالمي، وذلك بعد تسجيل أول اصابة في أواخر دجنبر سنة 2019 بمدينة ووهان الصينية، التي تعد بؤرة انتشار هذا الفيروس قبل اجتياحه العالم بأسره وتفشي هذا الوباء بسرعة شديدة لم تكن العديد من الدول على استعداد للتعامل معه، بما فيها الدول المتقدمة كأمريكا وايطاليا وغيرها من الدول، وكذلك مجموعة من الدول العربية التي لم يكن المغرب بمنأى عن هذه الدول، حيث تم تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد لمواطن وافد من الديار الإيطالية، وذلك يوم الاثنين 02 مارس 2020، وبعد ثلاثة أيام أعلنت وزارة الصحة أيضا تسجيل ثاني إصابة بفيروس كورونا لمواطنة هي كذلك وافدة من إيطاليا... بمجرد ما بدأ هذا الوباء بالانتشار أصدر المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، عدة إجراءات وتدابير استباقية متدرجة ونوعية على كافة المستويات، سواء على مستوى الصحي أو الاجتماعي والاقتصادي، وهذه التدابير تتجسد أساسا في الحفاظ على حياة وصحة المواطنين اولا، ثم المحافظة على العجلة الاقتصادية ثانيا.
فما هي أهم التدابير والإجراءات التي اتخذتها الدولة المغربية للتصدي لهذا الوباء الفتاك، وخاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي؟
أولا: فيما يخص التدابير المتخذة في المجال الاجتماعي
اتخذت لجنة اليقظة الاقتصادية زمرة من الإجراءات في هذا الصدد استهدفت فئة اجتماعية هشة متضررة من هذه الجائحة بداية بتعويض شهري لفئة الإجراء المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي إلى غاية شهر يونيو بتخصيص لهم دعم مالي قيمته 1000 درهم بالنسبة لشهر مارس و2000 درهم لكل من شهر أبريل وماي ويونيو، مع التعويضات العائلية، كما أن عقودا الشغل المتوقفة بسبب هذه القوة القاهرة ستستمر بعد زوالها، رغم أن المنظمة الدولية للشغل تتوقع بأن يفقد العالم أكثر من 25 مليون منصب شغل بسبب هذه الجائحة، فإن السلطات المغربية كان لها تصور خاص وذلك حماية للأجراء وحفاظا على العلاقات الشغلية، كما ركزت لجنة اليقظة الاقتصادية المحدثة من قبل الحكومة على تدابير دعم الأسر المتضررة من تداعيات فيروس كورونا، وهذه الأسر تستفيد من مساعدة مالية تمكنها من المعيش، والتي ستمنح من موارد الصندوق المخصص لمحاربة جائحة كورونا الذي أنشئ تبعا لجلالة الملك محمد السادس، سواء الأسر التي تستفيد من المساعدة الطبية "خدمة راميد"، وكذلك الأسر التي لا تستفيد من خدمة الراميد، والتي تعمل في القطاع غير مهيكل وغير مسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي، أي الأسر التي توقفت عن العمل بسبب الحجر الصحي.
وقد حددت اللجنة المساعدة المالية على النحو التالي: 800 درهم للأسر المكونة من فردين أو أقل، و1000 درهم للأسر المكونة من ثلاثة أفراد إلى أربعة، و1200 درهم للأسر التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أشخاص... وهذا ما تم بالفعل حيث تلاقى أرباب الأسر إعاناتهم المالية ابتداء من 6 أبريل 2020 بشكل تدريجي؛ وبناء على شكايات بعض الأسر التي تحمل بطاقة الراميد وزارة الاقتصاد والمالية ترخص بسحب الدعم المالي في بعض الحالات الاستثنائية مثل حالة وفاة رب الأسرة أو عدم قدرته على التنقل؛ وكآخر إجراء اتخذته الحكومة في هذا الشأن بتخصيص وحدات بنكية متنقلة من أجل استفادة ساكنة العالم القروي من هذا الدعم، على اعتبار صعوبات التنقل.
كل هذه التدابير من أجل الحفاظ على سلامة الأفراد وتوفير مساعدة مالية تمكنهم من المعيش في ظل هذه الأزمة. لكن الإشكال المطروح هنا أن العديد من الأسر المتواجدة بالعالم القروي الحاملة لبطاقة الرميد والتي تعيش من الفلاحة المتضررة نتيجة الجفاف، لم تتوصل بعد بهذا الدعم.. في اعتقادي الشخصي يجب الالتفات إليهم والعمل على مساعدة هذه الفئات التي هي في حاجة ماسة لهذا الدعم.
ثانيا: أما بخصوص الإجراءات المتخذة في المجال الاقتصادي
كأول خطوة اتخذتها السلطات العمومية لتتبع انعكاسات انتشار فيروس كورونا هو الإجراء المتعلق بإنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية، وذلك في إطار المجهودات الاستباقية التي تقوم بها الحكومة، وتضم بين أعضائها كل من وزارات الداخلية والشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزارة الصحة ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد، كما تضم في عضويتها وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي ووزارة الشغل والإدماج المهني لبنوك المغرب والاتحاد العام لمقاولات المغرب وجامعة الغرف المغربية للتجارة والصناعة والخدمات وجامعة غرف الصناعة التقليدية.
وأصدرت الحكومة يوم الثلاثاء 17مارس 2020 مرسوما يقضي بإحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا.. تنفيذا للتعليمات السامية التي تفضل بها جلالة الملك بادرت الحكومة بالإحداث الفوري للصندوق يحمل اسم "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا". وقد أحدث هذا المرسوم بموجب المرسوم رقم 2.20269 والذي تم نشره بالجريدة الرسمية، وقد تمت المصادقة عليه من قبل اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان، وهما لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، حيث يحمل هذا الصندوق تكاليف تأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء فيما يتعلق بتوفير البنية التحتية الملائمة والمعدات والوسائل الإضافية التي يتعين اقتناؤها بكل استعجال، وذلك من أجل علاج الأشخاص المصابين في ظروف جيدة، وتعتبر هذه المبادرة السامية بمثابة الإجراء المهم لتجاوز هذه الازمة الصحية.
ومواكبة منها لتداعيات الأزمة اتخذت السلطات الحكومية عدة تدابير بهدف احتواء الآثار السلبية لفيروس كورونا، على مستوى القطاعات الأكثر تأثرا بفعل انتشار هذه الجائحة كالسياحة والصناعة المعدة للتصدير، حيث قامت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة يوم الخميس 26 مارس 2020 بإحداث آلية للضمان على مستوى الصندوق المركزي تحت اسم "ضمان أوكسجين" لتمكين المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغرى جدا التي لا يتعدى رقم معاملاتها 200 مليون درهم، بسبب تدهور خزينتها بعد انخفاض نشاطها مع انتشار وباء كورونا من الحصول على تمويل استثنائي، وذلك من أجل حماية الاقتصاد الوطني عبر حماية النسيج المقاولاتي المغربي.
- حليمة سحنون، باحثة بسلك الماستر تخصص قانون الأعمال بكلية الحقوق تطوان