الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

فؤاد بلمير: دور المرأة المغربية في مواجهة جائحة -كورونا كوفيد 19-

فؤاد بلمير: دور المرأة المغربية في مواجهة جائحة -كورونا كوفيد 19- فؤاد بلمير

تواجه المملكة المغربية ككل دول العالم خطر فيروس كورونا المستجد، هذه الجائحة التي تصدت لها الدولة المغربية باتخاذ عدة إجراءات احترازية وتدابير وقائية تمثلت في إغلاق الحدود وتوقيف جميع الرحلات الجوية وإغلاق كل الأماكن التي تشهد تجمعات بشرية مع فرض حجر صحي مصحوب بقواعد السلامة الصحية، ومن الطبيعي أن هذه الإجراءات استلزمت تعبئة شاملة لكل مرافق الدولة.

 

وإذا كانت جميع المصالح الإدارية للدولة المغربية تجندت لتجنيب المواطن المغربي والمواطنة المغربية مخاطر هذا الفيروس غير المرئي وغير المتوقعinvisible et imprévisible ، فإن نوعا من هذه الطواقم التي توجد في الخطوط الأمامية برزت بشكل متميز ونالت إعجاب كافة المغاربة، بل أشادت بها مجموعة من وسائل الإعلام الدولية، إن الأمر يتعلق بالمرأة المغربية، المرأة الطبيبة والممرضة والشرطية والدركية والجندية والأستاذة والقاضية والقائدة....، إذ أمام هذه المأساة توحدت كلمة المرأة المغربية التي أبانت عن كفاءة عالية وحس وطني كبير وجدية حازمة  جعلت صوتها يرتفع عاليا ليشنف مسامع من يسعوا إلى تقزيم دورها واختزاله فيما هو أدنى بكثير مما تستحقه عن جدارة. في حين أن المرأة المغربية الحرة أبانت عن وطنيتها الصادقة على امتداد تاريخ هذه الأمة المجيد.

 

وفي حقيقة الأمر، ما دفعني للحديث في هذه المقالة عن دور المرأة ومساهمتها الفعالة في مواجهة جائحة -كورونا كوفيد 19- هو سؤال سبق للإعلامي المتميز بالقناة الثانية جامع كلحسن أن طرحه علي في حلقة برنامج، مباشرة معكم بتاريخ 04 شتنبر 2019، الذي ناقش موضوع "التجنيد العسكري: "وقد تعلق السؤال المذكور" بالخلفيات التي تفسر إقبال الفتيات على التجنيد العسكري وبعدد فاق التوقعات.

 

وفي جوابي عن السؤال المذكور قدمت قراءة استأنست بالتذكير بوضعية المرأة بالمغرب خلال السنوات الأخيرة، وبالضبط خلال العقدين الأخيرين، وهي المدة التي صادفت العشرين سنة من حكم صاحب الجلالة محمد السادس، التي شهدت تقدما ملموسا بعدما راكمت المرأة عديدا من المكتسبات الدستورية والتشريعية والسياسية والحقوقية والثقافية، في تجربة متفردة على صعيد المنطقة العربية والإفريقية.

 

وقد شكل الحضور اللافت للنساء في مختلف مناحي الحياة مصدر إشعاع للتجربة المغربية في محيطها الإقليمي والقاري، بعدما أن بصمت على حضور متميز في كل المجالات من خلال تواجدها في أسمى المناصب وفي كافة الميادين، حتى تلك التي كانت عبر التاريخ حكرا على الرجال وآخرها مهنة العدول، بعد القرار الملكي السامي بفتح خطة العدالة في وجه المرأة المغربية لولوج مهنة التوثيق العدلي.

 

ولفهم وتفسير هذا التطور المهم الذي مس وضعية المرأة المغربية قمت بطرح الأسئلة التالية:

- من (بفتح الميم) من المغاربة كان يتخيل يوما أن المرأة سيمكنها تملك قرار الزواج وعقد قرانها بدون الحاجة لوصي بالنسبة للبالغات والحق في الطلاق وتدبير الثروة الخاصة بالأزواج؟ فضلا عن التدابير المتقدمة الخاصة بتعديل قانون الجنسية الذي ضمن مساواة كاملة بين الرجل والمرأة في منح الأطفال من زوج أجنبي الجنسية المغربية.

- من اعتقد يوما أنه سيتم المصادقة على القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء؟

- ومن توقع يوما أن المغرب سيسن قانونا يمنع تشغيل الفتيات العاملات بالبيوت البالغ عمرهن أقل من السادسة عشرة سنة.

 

أضف إلى كل هذه الترسانة القانونية والثقافية التي جاءت لفائدة المرأة المغربية، ما حمله دستور فاتح يوليوز 2011 في فصله 19 الذي نص على المساوات والمناصفة. وذكرت -للأمانة- بأن هذه الخطوات الجبارة على درب هذا المسار القانوني والثقافي أقدم عليها جلال الملك محمد السادس لأنه لا أحد من الفاعلين السياسيين تجرأ يوما على تقديم مشاريع قوانين في هذا الاتجاه!  ومن المؤكد أن هذه التشريعات القانونية والدستورية أحدثت تغيرا على مستوى البنية الفكرية للمجتمع المغربي وإن ظلت الصور النمطية تجاه المرأة حاضرة وتستلزم “تفكيك البنية الثقافية” القائمة لدى فئات المجتمع المغربي، وهذا يتطلب، عملا جادا على مستوى الوعي الجمعي، وذلك من خلال النهوض بالتعليم والارتقاء بالمدرسة وتأهيل الإعلام.

 

هذه المكتسبات القانونية والتشريعية هي التي أسست لظهور المرأة المغربية في مناسبات عدة وفي مجالات متعددة بمستوى من المسؤولية وبوطنية عالية، وهو ما يفسر مساهمتها بكل حزم إلى جانب الرجل في مواجه جائحة كورونا، إلى درجة جعلها تنال احترام المجتمع المغربي ووسائل الإعلام الدولية بتفانيها في العمل وقدرتها على التأطير والتعبئة وفرض احترام قواعد السلامة الصحية وتقديم الخدمات الطبية على الوجه المطلوب وأكثر.

 

وهذه الخطوات الجبارة على درب تمكين المرأة من كل حقوقها ككائن اجتماعي كامل الأهلية تشكل استراتيجية تنموية مهمة جدا، خاصة أنها هي من تضمن للمغرب أن يستمر في التوجه نحو التحديث والحداثة لأنه إذا كان المغفور له الحسن الثاني يعتبر مؤسس الدولة الوطنية فوريث عرشه جلالة الملك محمد السادس هو من أخذ على عاتقه تحديث المجتمع المغربي، وتعتبر المرأة المغربية هي إحدى الضمانات الأساسية لنجاح هذا المشروع التحديثي والحداثي  للمغرب، وهي من تتصدى لكل محاولات تكريس وضعيتها التقليدية خدمة لتصورات تنتمي إلى عصور بائدة. والمرأة المغربية هي من سيوجد في الخطوط الأمامية للدفاع عن مسلسل يضمن للمغرب مكانة من بين الثلاثين أقوى دولة في العالم في المستقبل القريب التي وضع لها قائد البلاد المشاريع الكبرى المهيكلة.

 

ويبقى الاشتغال على الجانب الثقافي المرتبط بالذهنيات السائدة لدى شرائح واسعة في المجتمع ضروريا أمام استمرار ثقل التمثلات السلبية والأحكام المسبقة حول المرأة وكذا الصور النمطية، وهي كلها عوامل تحد من دينامية تطور المجتمع وتعيق ترسيخ وترجمة قيم المساواة والمناصفة في الواقع بما يقوي من مكانة النساء بشكل أكبر في كافة المؤسسات.

 

إنه لا أحد من ذوي التفكير العقلاني يجادل اليوم بأن المرأة تعتبر شريكا أساسيا في تحقيق التنمية وتطوير المجتمع، وقد شهد العقدان من هذا القرن الواحد والعشرين اهتماما متزايدا بالدور الذي تضطلع به المرأة داخل المجتمع المغربي، خصوصا أنه من باب الوهم الاعتقاد أنه يمكن الحديث عن أية تحولات أو تقدم دون دور فاعل للمرأة.

 

هذه بعض الخلفيات القانونية والتشريعية والثقافية التي تسمح بفهم تميز المرأة المغربية وهي تمارس مسؤوليتها في مختلف قطاعات الدولة في مواجهة هذه الجائحة التي تسبب فيها -فيروس كورونا كوفيد 19-. يبقى فقط على النخبة المثقفة والنخبة السياسية أن تعملا على رسملة هذه المكتسبات المهمة جدا بعد اختفاء الوباء وسد الباب أمام كل من يتاجر بالدين لتحجيم دور المرأة.

 

- فؤاد بلمير، باحث في السوسيولوجيا