الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

أحمد لعيوني: مدينة ابن أحمد كان يطلق عليها المدينة الطبية لهذا السبب

أحمد لعيوني: مدينة ابن أحمد كان يطلق عليها المدينة الطبية لهذا السبب أحمد لعيوني، ومشهد مستشفى ابن أحمد المغلق منذ 2004
تتساءل ساكنة ابن أحمد إقليم سطات والمتتبعون هل سيتم إعادة إحياء نشاط مستشفى ابن أحمد إلى سابق عهده، بعد أن تم إغلاقه سنة 2004 وقد اشتهر منذ الحقبة الاستعمارية بتخصصه في علاج أمراض الصدر والرئة بالنظر إلى مناخ عاصمة مزاب الملائم لمرضى السل والجهاز التنفسي ؟
سؤال يتردد الآن كثيرا إثر انتشار وباء كورونا؛ وبعد أن كانت الترتيبات قد شرعت منذ يوليوز 2019 في تحويل هذه المنشأة الطبية التاريخية إلى نواة جامعية تابعة لجامعة الحسن الأول بسطات؟
"أنفاس بريس"، اتصلت في هذا الشأن بأحمد لعيوني، الباحث المعروف في الكتابات عن التاريخ المحلي الذي سلط الضوء على جوانب من مستشفى ابن أحمد عبر الورقة التالية :
 
إن مخلفات الحرب العالمية الثانية كانت جد قاسية على ساكنة المغرب، ومع توالي سنوات الجفاف والمجاعة التي أطلق عليها في التعبير الشعبي "عام البون" أو "عام بوهيوف" والأسماء كثيرة والدلالة واحدة، وكلها أنتجت عواقب مفجعة.
وخلال سنوات الحرب، لم تكن هناك مبالاة ولا اهتمام بالتقلبات الاجتماعية التي تحدث وتتفاعل هنا وهناك من طرف سلطات الحماية. ومع مرور الأيام تعاظمت المآسي ولم تبق لها حدود، وزاد من حدة الوضع ارتفاع الكثافة السكانية في المدن المغربية العتيقة، ومدن الصفيح في الضواحي. ومن التبعات الجسيمة لهذه الظروف الأمراض الخطيرة والمعدية، وعلى رأسها داء السل، الناتج أساسا عن سوء التغذية، نظرا للظروف المزرية التي خلفتها الحرب، وندرة المواد الغذائية الأساسية طيلة سنوات الحرب، وتلك التي أعقبتها، حيث فقدت الأجسام مناعتها في مقاومة الوباء، مع وجود بيئة مناسبة لتفشي الخطر والمتمثلة في السكن غير اللائق، حيث لا تتوفر البيوت على التهوية ودخول أشعة الشمس بالقدر الكافي ، ولا قنوات الصرف الصحي، مع ندرة قنوات إيصال الماء الصالح للشرب.
وحتى نهاية سنة 1945، وبعد انتهاء الحرب واحتفال الحلفاء بالنصر، فإن الوضع في المغرب لم يكن يوحي بأي انفراج للخروج من النفق المظلم لمستقبل الساكنة المعوزة في العديد من أحياء المدن. ورغم ما قامت به السلطات الاستعمارية من التخطيط لمشروع برنامج الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية كرد على المطالب السياسية الشاملة للحركة الوطنية بقيادة جلالة السلطان سيدي محمد بن يوسف، بداية إصلاحات كان مهندساها كل من ليون مارشال (1900- 1956) مستشار الإقامة العامة، وضابط المراقبة المدنية العالم السوسيولوجي - والأنثروبولوجي جاك بيرك (1910- 1995)، وتتعلق بمجالات التعليم والفلاحة والصحة.
أما رواد الطائفة اليهودية بالمغرب فاتجه اهتمامهم بالدرجة الأولى للجانب الصحي في محاولة لخلاص أطفالهم من تفشي داء السل. ومن ثمة كانت انطلاقة التفكير في بناء مستشفى للوقاية والعلاج. وعلى رأس هؤلاء الرواد شمعون ليفي (من مواليد فاس سنة 1934، توفي سنة 2011 بالرباط) والدكتورليون بنزاكين (من مواليد 1902 بطنجة، توفي سنة 1977 بالدار البيضاء، أول طبيب مغربي مختص في الأمراض الصدرية، وأصبح وزيرا في أول حكومة بعد حصول الاستقلال). وجه هذان الرائدان نداء إلى جميع أفراد الطائفة بالمغرب من أجل تنظيم حملة مفتوحة للتبرع لإنجاز المشروع. وساهم الجميع كل حسب استطاعته.
شهر ابريل 1951 حضرت إلى مركز ابن أحمد لجنة يرأسها الطبيب ليون بنزكين، ورفاييل ممثل اللجنة الأمريكية المشتركة للقاء بالمراقب المدني في سكالابر رئيس الدائرة لدراسة تحديد المكان الذي سيشيد به المستشفى، وتم الاختيار على الموقع الحالي الذي يقع فوق ربوة، في مكان يرتفع فوق سطح البحر بحوالي 700م، وفي منطقة تتمتع بهواء نقي ومناخ جاف على طول السنة، وفي حالة إنجازه سيقوم بتوفير رعاية مستنيرة للمرضى، وتكون الظروف مساعدة لضمان الشفاء.
فرغم أن إنجاز مثل هذا المشروع الاجتماعي والذي يهم المجال الصحي يلزم مخططات الدولة، فإن الإرادة القوية لمجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، وبعزيمة مجموعة من الرواد، كان لهم السبق في تحمل القيام بإنجاز مشروع ضخم بمركز ابن أحمد. ومديرية الصحة العمومية والأسرة التابعة لإدارة الإقامة العامة كان لها الفضل في التشجيع على إنجاز المشروع منذ طرحت الفكرة، حيث أعطت موافقتها على توفير التجهيزات الضرورية. ففي مراسلة من مدير منظمة غوث الطفولة التابعة للطائفة بالمغرب، رفاييل، موجهة إلى مدير الصحة والأسرة بتاريخ 16 ماي 1951 عدد 11 /MO-680، تتضمن اقتراحات بشأن إنجاز مستشفى بابن أحمد لعلاج مرض داء السل لأطفال الطائفة اليهودية، وأخبره بأن فيدرالية جمعيات الطوائف اليهودية لاهتمامها بمحاربة داء السل، تمكنت من شراء القطعة الأرضية التي سينجز عليها المستشفى، وبالتالي يكون البناء في ملكيتها، وسيتم من وجهة نظره دمج هذا الجناح في التنظيم العام للمصحة القائمة سابقا بالمدينة، وسيكون من المرغوب فيه تعيين الطاقم الطبي والإداري من بين أفراد الطائفة حفاظا على خصوصية انتماء النزلاء. كانت مدينة ابن أحمد بداية خمسينيات القرن الماضي يطلق عليها المدينة الطبية لوجود العديد المستوصفات، وخاصة ما يتعلق بمعالجة الأمراض الصدرية، منها مستوصف الطائفة اليهودية حيث أنشئ في البداية عبارة عن بناية خشبية مفككة، قبل أن ينتقل إلى مستشفى ببناء صلب، وحوّل غداة الاستقلال إلى دار الأطفال الحالية. وتم افتتاح مستشفى آخر لعلاج داء السل للمسلمين سنة 1953 بطاقة تصل إلى 180 سريرا وتخصيص جناح للنساء في حدود 40 سريرا، مكان المستشفى المتنقل الذي أنشئ بعد انتهاء الحرب، وكان يعالج به المرضى من الجنود السابقين، و المنحدرين من جهات مختلفة من المغرب. بالإضافة إلى دار العجزة التي كانت تسمى "جورج أورتليب" نسبة لحاكم جهة الدار البيضاء الشاوية الذي أحدثها بداية ثلاثينيات القرن العشرين، وأصبح تسييرها تابعا للجمعية الخيرية الإسلامية ابتداء من أكتوبر 1950. وكان جواب المسؤول الفرنسي على مراسلة فرع منظمة غوث الطفولة، (مراسلة بتاريخ 25 ماي 1951 عدد 5330 TR) بأن إدارة الصحة ستتكلف بالتجهيزات الضرورية للتمريض والعلاج، وأيضا المساهمة في تكوين الأطر من أبناء الطائفة، أما عملية البناء والصيانة فإن ميزانية المديرية ليس بمقدورها تحمل أي جزء منها.
وفي مراسلة من اللجنة الأمريكية المشتركة فرع الدار البيضاء إلى الفرع الجهوي بباريس تنص على مساهمة اللجنة في إنجاز المشروع وتشترط أن تسجل ملكيته في اسم التجمع اليهودي.
انطلقت الأشغال شهر غشت 1952، ويوم 29 نونبر 1953 تم الاحتفال بإنجاز سقف الطابق الأول. حضر هذه التظاهر وفد مهم يترأسه مدير الصحة والأسرة بالإقامة العامة الدكتور سيكو، ونوه بالمجهود الذي تقوم به الطائفة اليهودية من أجل توفير الاعتمادات الضرورية لتمويل إنجاز هذه المؤسسة الاجتماعية التي ستلعب دورا مهما في محاربة آفة داء السل، وحضر مدير مؤسسة غوث الأطفال العالمية، وممثلو فيدرالية الطوائف اليهودية بالمغرب، وحاكم جهة الشاوية الجنوبية غاريل، والمراقب المدني رئيس الدائرة، وقائد مركز ابن أحمد، محمد ولد القائد الحسن (جريدة لا فيجي ماروكان بتاريخ 30 نونبر 1953).
تم اكتمال بناء مستشفى الأمراض الصدرية نهاية سنة 1955 وفتح أبوابه لاستقبال المرضى مع حصول الاستقلال، لكن من المغاربة المسلمين، و تسلمته وزارة الصحة المغربية، نظرا لبداية هجرة أفراد الطائفة اليهودية من المغرب باتجاه فلسطين المحتلة ونشأة دولة إسرائيل، أو إلى فرنسا وبلدان غربية أخرى.
كما عرفت دائرة ابن أحمد نشأة العديد من المستوصفات القروية في إطار برنامج الإصلاحات التي قامت بها سلطات الحماية الفرنسية لتنفيذ مشروع قطاع التحديث القروي "بيزانة" والذي شمل كذلك قطاعي التعليم والفلاحة.
مستشفى الأمراض الصدرية بني على مساحة 1.700م في قمة المرتفع شرق مركز ابن أحمد وسط مساحة أرضية تصل إلى 14 هكتار. 1 آر. 83 سنتيار، تم تشجيرها لتلطيف الجو، وهو حاليا في اسم دائرة الأملاك المخزنية، الملك الخاص للدولة. تتكون البناية من طابق تحت أرضي استعمل مخزنا للمؤونة والأغطية والتصبين. والطابق السفلي به مطعم وقاعة للاستراحة المرضى ومكاتب إدارية،وقاعة للتمريض النساء. الطابق الأول مخصص للرجال، والطابق الثاني يستقبل الحالات المستعصية.
المستشفى تم إغلاقه نهاية سنة 2004 من طرف وزارة الصحة اعتمادا على تقرير المندوب الإقليمي بسطات، والذي ارتكز بدوره على دراسات منظمة الصحة العالمية والتي لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات بلد كالمغرب لا تزال به أمراض تتطلب متابعة طبية داخل المستشفى، بحسب تعبير الدكتور عبد الله التايب الاختصاصي في الأمراض الصدرية، والذي سبق أن شغل مديرا للمستشفى لعدة سنوات. وتذرعت الوزارة ونقص في الإمكانيات. وتجدر الإشارة أنه كان يستقبل مرضى داء السل من مجموع إقليم الشاوية، وقد يتعداها في بعض الأحيان ليشمل مناطق أخرى من أجل مراقبة العلاجات الطويلة التي تصل لعدة شهور. كما يعود تبرير الإغلاق إلى كون علاج داء السل لم يعد يتطلب دخول المستشفيات لفترات طويلة، مثلما كان الحال في الماضي. ومهما يكن الأمر فلا يعقل أن يتم التخلي عن بنية تحتية صلبة، لا تزال حديثة العهد بالبناء، ولا تحتاج سوى للترميم والتجهيز، مع إمكانية تغيير التخصص لعلاج الأمراض التي تتطلب مكوث المريض بالمستشفى وهي كثيرة ومتعددة.