الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الأمين: الحراسة النظرية وامتحان حالة الطوارئ الصحية.. نجح المغرب وسقطت فرنسا

محمد الأمين: الحراسة النظرية وامتحان حالة الطوارئ الصحية.. نجح المغرب وسقطت فرنسا محمد الأمين

منذ الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية وجد مجموعة من المخالفين أنفسهم في مخافر الشرطة موضوعين تحت الحراسة النظرية، قد يبدو الأمر عاديا، فإجراءات البحث البوليسي غالبا ما تسفر عن ذلك، لكن ذلك لا يمنع من كون اللجوء لهذا التدبير له شروط، هو ما يدفعنا للقول بأن المغرب احترم شروطها في حين أن نفس التدبير بفرنسا كان إلى حد ما غير سليم من الناحية القانونية خصوصا في الأيام الأولى لإعلان حالة الطوارئ. كيف ذلك؟ يمكن تفسير ذلك من خلال معطيين أساسيين هما:

 

المعطى الأول: من حيث طبيعة الجريمة المرتكبة

إن قراءة مقتضيات المادة(62-2 ق.م.ج) المنظمة للحراسة النظرية بفرنسا تبين بأنها لا تهم سوى الأشخاص الذين توجد أسباب تدل على أنهم ارتكبوا أو حاولوا ارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، هذا يعني بأنه لا يمكن اللجوء إلى هذا التدبير في المخالفات وكذلك في الجنح التي تكون فيها العقوبة هي الغرامة فقط. والحال أن ما أثار الانتقاد هناك بفرنسا خصوصا في الأيام الأولى هو أن خرق إجراءات الحجر الصحي الذي يعتبر مخالفة يعاقب عليها بالغرامة فقط (135 أورو) قد أدى إلى تعرض مجموعة من الأشخاص للحراسة النظرية، مما يجعل هذا الإجراء غير قانوني.

 

من أجل تدارك الأمر وإيجاد أساس قانوني لهذا التدبير فقد تمت إضافة عقوبات أخرى بمقتضى قانون 23 مارس 2020 لتصل العقوبة في حالة خرق تدابير الحجر الصحي ثلاث مرات في ظرف شهر إلى غرامة قدرها 3750 أورو مع الحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر، مما يعني أن الحراسة القانونية لن تكون سليمة من الناحية القانونية إلا في هذه الحالة الأخيرة. لكن رغم تلك المقتضيات الجديدة فإنها لن تغير من واقع الحال شيئا فعدد كبير من حالات الحراسة النظرية ستبقى غير قانونية.

 

بالنسبة للمغرب فالمادة 66 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أن تدبير الحراسة النظرية يمكن اللجوء إليه من قبل ضابط الشرطة القضائية عندما تقتضيه ضرورة البحث، دون تحديد صريح لما إذا كان الأمر يتعلق بالجنايات والجنح أم يشمل المخالفات، وإن كانت قراءة المواد المرتبطة بها توضح بما لا يدع مجالا للشك بأنها لا تهم المخالفات. وبالرجوع إلى أحكام حالة الطوارئ يتبين بأن الجريمة هي جنحة مما يجعل كل لجوء للحراسة النظرية سليما من الناحية القانونية.

 

المعطى الثاني: من حيث مدى تناسبية الوضع تحت الحراسة النظرية مع الجريمة المرتكبة

إن السؤال الذي يطرح هنا يتعلق بما إذا كان هذا الإجراء الماس بالحرية الفردية ولو لمدة قصيرة متناسبا مع حجم الجريمة المرتكبة حتى في حالة الجنحة؟ قد يحمل هذا المعطى نوعا من التشابه بين المغرب وفرنسا، فكل من المشرع الفرنسي والمغربي يمنحان نوعا من السلطة التقديرية لضباط الشرطة القضائية في اللجوء لهذا التدبير من عدمه؛ لكن بالنسبة للمشرع الفرنسي مسؤوليته شيئا ما مقيدة مما يجعل إثارة مسألة تناسبية الإجراء مع الجريمة أمرا سهلا؟ فالمادة 62-2 من قانون المسطرة الجنائية تعتبر بأن اللجوء له لا يكون إلا عندما يكون هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أحد الأهداف الواردة فيها، ومن قراءة تلك الأهداف لا يبدو بأن خرق إجراءات الحجر الصحي قد تحقق أحدا منها، فلا ينتظر منها في مثل هذه الجريمة أن تمنع الشخص من تغيير معالم الجريمة أو أن تمنعه من القيام بضغوط على الشهود أو الاتصال بأشخاص آخرين قد يكونوا مساهمين أو مشاركين معه في الفعل الإجرامي، اللهم إذا كان الهدف هو ضمان تقديمه لوكيل الجمهورية من أجل اتخاذ ما يلزم بخصوص البحث.

 

أما بالنسبة للمغرب فمسؤولية ضباط الشرطة القضائية حاليا أقل مقارنة مع نظيرتها الفرنسية، فلا وجود لمثل تلك الأهداف (المشار إليها سلفا) التي يجب مراعاتها إلا بمسودة قانون المسطرة الجنائية والتي لا تزال تراوح مكانها منذ 2015 دون استكمال مسارها الطبيعي رغم أهميتها العملية في توفير ضمانات أكثر للمشتبه فيهم.

 

لكن بعيدا عن الأساس القانوني لهذا التدبير، والذي يعتبر سليما في المغرب، فإن إطلالة على الإحصائيات المعلن عنها والمتعلقة بعدد الأشخاص الذين تم وضعهم رهن تدبير الحراسة النظرية بسبب خرقهم للإجراءات التي تفرضها حالة الطوارئ، والذي يناهز 19000 شخصا على المستوى الوطني، يجعلنا نتساءل عما إذا كان مثل هذا التدبير ضروريا عند ارتكاب إحدى الجرائم الواردة بالمادة الرابعة من مرسوم 23 مارس 2020؟

 

نقول هذا، لأننا نعتقد بأن العفو الملكي الذي بمقتضاه تم الإفراج عن مجموعة من السجناء له أكثر من دلالة، من ضرورة الأخذ بكل الأسباب التي من شأنها الحد أو على الأقل التقليل من انتشار الوباء، كما أنه من الناحية العملية فهذا التدبير يتطلب إجراءات ومساطر طويلة وضباط الشرطة القضائية سيجدون أنفسهم باللجوء إليها تحت ضغط إضافي هم في غنى عنه، هذا، دون إغفال إمكانية تعريض صحتم للخطر.

 

هذا الإجراء وغيره من الإجراءات التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية وأعوانهم من أجل التثبت من الجرائم وجمع الأدلة حولها وإلقاء القبض على مرتكبيها خصوصا في ظل هذه الظروف يجعلنا نوجه لهم ولباقي الأجهزة الأمنية الأخرى، ودون نسيان جهاز الجيش الذي يشتغل في صمت، تحية تقدير واحترام.

 

لكل ما سبق، ولما يعلم الجميع على أصعدة أخرى، ختمنا العنوان ونختم المقال بـ: نجح المغرب وسقطت فرنسا.

 

د. محمد الأمين، أستاذ القانون الخاص والعلوم الجنائية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله