الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف غريب: بعد الكمامات.. جهاز تنفس مغربي الصنع

يوسف غريب: بعد الكمامات.. جهاز تنفس مغربي الصنع يوسف غريب

إذا كان العالم يتقاسم هذا الزمن الوبائي المرعب… فهو للأسف لم يستطع أن يتقاسم مختلف أساليب الوقاية والعلاج منه بشكل تضامني إنساني.. بل بالعكس تمّت مواقف وسلوكات غير أخلاقية حول العتاد الطبّي والاستشفائي كالكمامات وأجهزة التنفس الصناعي بعد اكتشاف الخصاص المجهول لدى هذه دول العالم الأول كما تصنّف قبل كورونا..

 

ومن يسمع للرئيس الأميركي دونالد وهو يوجه نداء صريحا لكبريات شركات صناعة السيارات على غرار فورد وغيرها بتصنيع أجهزة التنفس الصناعي التي تواجه البلاد أزمة في توافرها مع زيادة الإصابات بالقاتل الخفيّ...

 

ليكون حاكم ولاية نيويورك، أحد أكثر الولايات تأثرا بالوباء، وضوحا بهذه الصرخة (إنها أجهزة التنفس الصناعي وليست البنادق ما نحتاج إليه) في هذه الحرب التي تخوضها الولاية لمواجهة فيروس بحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك بوست.

 

هكذا ينظر إلى أجهزة التنفس كأحد أهم الأسلحة الطبية على الإطلاق لإيقاف نزيف حصد أرواح المصابين بالفيروس عبر العالم… ومنها بلدنا التي استطاعت أن تدبّر الخصاص في هذا الجانب وفي زمن قياسيّ بتوفير (3000) كرسي مجهز وموزع على جميع المستشفيات الجامعية الجهوية.. مع ما رافق ذلك من آلات الكشف السريعة والمتطورة حسب الخبراء.. وهو إنجاز قد ينسجم مع هذه الخريطة الاستباقية التي دبَّرت بها الأزمة...

 

رغم ذلك.. فالأمر لا يقف عند حدّ استيرادها من الخارج بل كان حافزا لردة فعل إيجابية لدى أغلبية مهندسينا الشباب للإبداع والابتكار تحمل عناوين التحدّي والتخلّص من كل تبعات التحكم في مصيرنا واستقلاليتنا الانتاجية بشكل عام… إذ توصل مهندسون شباب إلى صناعة جهاز تنفسي 100% مغربي وجهاز قياس الحرارة لمحاربة الوباء بتظافر جهود عدة كفاءات مغربية لإخراج هذا الاختراع إلى الوجود بمواصفات طبية وذات فعالية كالعمل بشكل مسترسل لمدة تصل لـ 3000 ساعة، كما يمكن تشغيلها بالمدن والقرى باستعمال التيار الكهربائي أو بطاريات ونحن في الأسبوع الأخير من إنتاج 500 جهاز تنفس، لتكون جاهزة للمساعدة في إنعاش المصابين بالوباء وخاصّة الحالات الحرجة منها..

 

ليرفع التحدّي عاليا من طرف مهندسين مغاربة آخرين وبمعية طبيب مختص بتسجيل براءة اختراع جديد ”انشراح” كاسم لجهاز تنفس اصطناعي محمول وقابل للاستعمال أثناء جائحة كورونا وبعدها بالنسبة للأمراض التنفسية الأخرى عبر الضغط على صمام عادي دون الحاجة إلى تدخل شخص آخر.. بل هناك من اعتبرها أصغر جهاز تنفسي صناعي لحد الساعة.

 

هذا هو المغرب في زمن كورونا.. وهكذا استطاعت هذه الأزمة أن تعيدنا إلى ذواتنا والإيمان بقدراتنا البشرية عبر هذا الإنتاج المحلي في تدبير أمورنا وسط هذه الأزمة العالمية دون توسّل دواء كان أو طبيب.. بل عدنا إلى مغربنا لنقف عند هذا الجيش من الأطباء والمهندسين والخبراء والمختصين في مجالات الأوبئة وغيرها من الأطر ذات العلاقة بالأزمة لنجدهم مغاربة خريجي المدرسة العمومية والجامعات والمعاهد المغربية بمختلف تخصصها بما فيها عاهل البلد كخريج لجامعة محمد الخامس بالرباط… وهو مؤشر جد إيجابي على سلامة ونجاعة منتوجنا التربوي التعليمي.. بل شهادة ملموسة وحيّة ضد كل الصور المسيئة والقدحية لهذه المدرسة ولنساء ورجال التعليم منذ الرواد الأوائل إلى الآن..

 

وهل هناك اعتزاز أكثر من أن تجد شباب مغاربة وسط الطلبة الباحثين بفرنسا وأمام رئيسهم.. إلى جانب هذا الحضور القوي والباهر وفي شتى الميادين للأدمغة المغربية عبر العالم.. حتّى أن نائب رئيس المنظمة الصحيّة العالمية من أصول مغربية.

 

لا ننكر بعض النواقص لمشروعنا التربوي طبعا.. لكن أيضا لم يسجّل علينا ونحن في صلب هذه الأزمة الوبائية أننا طرقنا باب دولة للمساعدة أو غيرها..

 

لم نتوسل الكمامات، بل أصبح عرضنا مطلوب لدى دول كانت إلى حدود البارحة ملجأ استشفائياً..

 

قمنا باستيراد أجهزة طبية عبر تبرعاتنا التضامنية ولم نقف بل أنجزنا بداية تحريرنا من هذه التبعية..

 

لن نخاف الجوع والعطش فالبلد قادرة على الصمود وبنفس الوتيرة إلى حدود شهر دجنبر...

 

الأزمة أكّدت بالفعل أننا بلداً استثنائيا انتبهت اليه أغلبية المنابر الإعلامية الدولية ليس فقط هذا الأسلوب التدبيري الاستباقي، بل إلى قيمه الحضارية ذات الطابع التضامني الإنساني في إشارة إلى إعادة فتح مستشفى ميداني بالعاصمة مالي مؤخراً بعد طلب منها لتقديم مساعدات وقائية وعلاجية..

 

لكن الأزمة أيضاً كانت هدية غير منتظرة للجنة المشرفة على مشروع النموذج التنموي كي تقف عند أهمية القطاعات الحيوية الاستراتيجية من تعليم بجودة معرفية وعلمية.. ونظام صحي متكافئ ومتكامل وأمن غدائي ذاتيّ..

 

هي أولويات ما بعد كورونا.. ولمغرب جيل اليوم والأجيال القادمة..

 

أمّا الآن.. فالمغرب عبر تاريخه يخرج دائما منتصراً في الأزمات..

 

نعم منتصراً على الأزمات..