الأربعاء 30 أكتوبر 2024
كورونا

حميد الخياري: كيف نحافظ على "حياة جيدة" طيلة مدة الحجر الصحي؟

حميد الخياري: كيف نحافظ على "حياة جيدة" طيلة مدة الحجر الصحي؟ حميد الخياري في صورة تركيبية مع أحد المحجورين وهو يطل من النافذة

يعيش العالم حالة استثنائية وغير عادية بسبب انشار وباء كورونا المستجد الذي اجتاح كل دول العالم. في هذه الظروف الصعبة كان من الضروري إيلاء قضية فيروس كورونا أهمية قصوى تتناسب وحجم المخاطر المترتبة  عن انتشار الفيروس بسرعة عالية جدا، باتخاذ إجراءات صارمة  خالية  من التهاون والاستخفاف.

 

الحجر الصحي وخطر ظهور أمراض على المدى القريب أو البعيد:

في هذه الفترة الاستثنائية من الحجر الصحي نسمع الكثير عن الطرق الصحية لنحمي أنفسنا ونحمي الغير، وكذا نصائح للوقاية من العدوى من قبيل: تنظيف اليدين، الحفاظ على مسافة لا تقل عن متر بينك وبين أي شخص، تجنب لمس العينيين والفم، ارتداء الكمامة... إلخ. وهذا مهم جدا.

 

موازاة مع هذه الإجراءات الوقائية، يجب الاهتمام أيضا بكيفية تحسين ظروف الحجر للحفاظ على الصحة العقلية والنفسية  لكل من يعيش هذه الظروف الطارئة وغير المعتادة.

 

إن إجراءات تقييد الإنسان وبقاءه أسابيع، وربما أكثر في المنزل، بعيدا عن أحبابه وأصحابه، وفي وضعية بطالة جزئية أو كلية، ستؤدي عند العديد من الأشخاص إلى حالات الملل والضجر والضغط والتوتر أو ربما -لا قدر الله- إلى الاكتئاب. وقد تنتج عن هذه التدابير عواقب متعددة ومتنوعة تشمل  الجانب النفسي-السلوكي والعاطفي-الوجداني الذي يفضي حتما إلى التأثير على المستوى البدني-الجسدي بحكم العلاقة الجدلية بين البيولوجي وكل ما سلف ذكره.

 

يجمع علماء النفس الإكلينيكي أن الخوف والقلق والضغط والاكتئاب وكل هذه الانفعالات السيكولوجية لا تؤثر فقط على الصحة النفسية، بل تفضي إلى نتائج وخيمة على صحة الجسم سواء على المدى القصير أو على المدى المتوسط أو المدى الطويل. إذ يصاب المرء، جراء هذا التفاعل بين النفسي والبيولوجي،  بأمراض عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر: الجهاز الهضمي، الجهاز التنفسي، أمراض القلب واختلال ونقص وظائف المناعة.

 

عندما يشعر الشخص بالقلق أو الإجهاد يرسل الدماغ إشارات إلى أجزاء أخرى من الجسم، ويستجيب هذآ الأخير بإطلاق الأدرينالين والكورتزون المعروفين بهرمونات الإجهاد. واستمرار هذه الاستجابة على المدى الطويل يخلف مزيدا من اختلال وظائف الجهاز المناعي، حيث يمنع الكورتزون إطلاق المواد الذي تسبب الالتهاب. كل هذا يضعف استجابة المناعة الطبيعية للشخص. ولهذا، فالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق قد يكونوا أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد والأنفلونزا، وأنواع أخرى من العدوى. لذلك نحن بحاجة إلى تعزيز نظام المناعة لدينا. كلما كانت مناعتك أقوى، كلما قل احتمال إصابتك بالفيروس.

 

للحد من الضغط والاكتئاب يلجأ البعض إلى تناول المسكنات والعقاقير ذات التأثير النفسي. قد تبدو مريحة -مرحليا- للحد من التوتر، لكنها  ستكون كارثية على المدى الطويل. لأن الحيوية التي تنتج عن هذه المواد المنشطة عادة ما يصعب التخلص منها. هناك أيضا نصائح كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لمرضى فيروس كورونا المستجد، بعضها جيد ومعظمها سيئ، وقد يؤدي إلى مضاعفات.  لذلك ينبغي على المصاب بفيروس كورونا أو المشتبه في اصابته به عدم تناول الأدوية المنشطة  مضادات الالتهاب من نحو: ايبوبروفين" و"الكوتزون" لأنها تدمر الجهاز المناعي للإنسان. ونؤكد أن هذه النصائح ليست بديلا  عن الطبيب المعالج الذي نبغي استشارته.

 

اقتراح طرق بسيطة تجنبا لما لا يحمد عقباه:

بالمقابل توجد هناك طرق فعالة وبسيطة للحد من القلق والإجهاد من أجل تقوية المناعة والحافظ على "حياة جيدة وصحية" طيلة مدة الحجر الصحي.

 

لتجنب الخوف المبالغ فيه يجب علينا تغيير نظرتنا لفيروس كورونا. إن المرض الذي يسببه فيروس كورونا المستجد خفيف بشكل عام لاسيما عند الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة. ولهذا يجب أن لا نقضي معظم وقتنا لمشاهدة أو قراءة أو الاستماع إلى كل المعلومات والأخبار المتعلقة بكوفيد 19، والاكتفاء بتحديث المعلومات، بين الفينة والأخرى، لا تتجاوز مرتين في اليوم، كما ينبغي تجنب الشائعات والأخبار الزائفة، والاكتفاء بتتبع أخبار الجائحة من مصدر طبي مسؤول.

 

يجب علينا أيضا تحويل الحجر الصحي من عبء إلى فضاء مؤطر بعقلانية وإيجابية بدون ضغوطات نفسية، وذلك عبر استغلال الوقت بشكل جيد، ووضع برنامج يومي يجمع بين أعمال تكوينية وأخرى ترفيهية. أي الحفاظ على روتين يومي قريب من الروتين المعتاد:

- النهوض باكرا وعدم تغيير دورات النوم، رغم الإغراء الذي قد يحصل بعدم وجود التزامات في الصباح؛

- تناول الطعام في أوقات محددة ودون إفراط، مع تجنب تناول الوجبات الخفيفة طوال اليوم، لأن تناول وجبات طعام غير صحية أضف إلى ذلك قلة الحركة و النشاط البدني قد  يضاعفان من الوزن مع ما يرافق ذلك من مشاكل صحية؛

- اعتماد نظام غذائي صحي غني بالفيتامينات خصوصا فيتامين د، حيث أن نقص هذا الفيتامين في الجسم يؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي والاكتئاب الموسمي وأمراض أخرى. مع العلم أن الجسم ينتج فيتامين د بشكل طبيعي عند تعرضه لأشعة الشمس، إلا أن الحجر في المنزل يجعلنا بعيدا من الأشعة. هناك العديد من الأطعمة الغنية بفيتامين د كبعض أنواع السمك (الطون، السلمون، الماكرو...)، الحليب، البيض...؛

- تناول الخضر والفواكه الملونة لاحتوائها على كميات كبيرة من مضادات الأكسدة التي تعمل على حماية الجسم من ما يعرف بالشوارد الحرة، وهي جزئيات مؤذية جدا للخلايا؛

- فتح النوافذ لإدخال أكبر قدر ممكن من الضوء إلى المنزل وممارسة تمارين رياضية بسيطة لتعزيز جهاز المناعة والتقليل من الضغط النفسي. هذه الحركات الرياضية البسيطة اليومية تجعلك أقل عرضة للإصابة بهشاشة العظام وأمراض القلب؛

- النظرة الإيجابية والتفاؤل والضحك والاسترخاء يقلل من الضغط لما لهم من تأثير فيزيولوجي هام وفعال، حيث يفرز المخ مادة الأندورفين، وهي المادة الطبيعية التي يفرزها جسم الإنسان كمسكن للألم وهي أيضا لمادة التي تقلل الضغوط ويعمل الضحك أيضا على تقوية المناعة في الجسم، وذلك عن طريق زيادة إنتاج خلايا تسمى الخلايا التائية، نوع من الكريات البيضاء المسؤولة عن مقاومة العدوى وتحفيز الجسم على الشفاء السريع.

 

إن النوم الكافي وعدم الافراط في تناول السكريات واعتماد نظام غذائي صحي غني بالفيتامينات، وممارسة نشاط رياضي وأخذ الأمور بتفاؤل وإيجابية من شأنه أن يقوي جهاز المناعة ويصون صحة الشخص.

 

على سبيل الختم:

في انتظار إيجاد دواء لهذا الفيروس، يبقى الرهان منصبا على التفاعل الجاد مع القرارات الاحترازية وطرق الوقاية وكذلك الاعتناء بالصحة وتقوية المناعة كذراع واق للجسم.

 

- حاميد الخياري، أستاذ التعليم العالي، تخصص البيولوجيا، كلية العلوم والتقنيات المحمدية