الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

رشيد هاوش: كورونا دمرت الأفكار التي كانت لدينا على مستوى إعداد المدن

رشيد هاوش: كورونا دمرت الأفكار التي كانت لدينا على مستوى إعداد المدن رشيد هاوش، مهندس معماري وعمراني ومنظري وخبير في البيئة
المدينة بعد كورونا؟ سؤال يطرح اليوم بعدما أدى انتشار الفيروس إلى الانفجار الرقمي والتدبير عن بعد الذي شمل عدة مناحي في الحياة. «أنفاس بريس» اتصلت في هذا الإطار برشيد هاوش، مهندس معماري وعمراني ومنظري وخبير في البيئة، وأجرت معه الحوار التالي. 
 
* الانفجار الرقمي الذي عرفه العالم بسبب كورونا خلق تغييرا ملموسا، حيث بات الكل يدبر شؤونه عن بعد من تعليم وشغل...إلخ، فكيف تقرأ الوضع الجديد للمدينة في ظل تحدي الرقمنة؟
- يمكن القول إن ما يحدث اليوم أثبت أن الإنسان وصل إلى مرحلة الخسارة بحكم أنانيته وتحديه للطبيعة، حيث أن  الإنسان خرب في القرن العشرين حوالي 50 في المئة مما أنتجته البشرية منذ نشأة الخلق، حتى وصلنا إلى أن الفيروسات التي كانت تحملها الحيوانات انتقلت إلى الإنسان بعدما تم هدم مفهوم التنوع الحيوي  للطبيعة، ودخلنا  في فضاء وبيئة حيوانات أخرى ليست لنا. وهذا سيتجلى في المفهوم الواسع للمدينة التي تشكل مهد حضارة الإنسان. لهذا عندما هجم فيروس كورونا ولم يجد لدينا الدواء لمواجهته، تبين أن العزلة بالبقاء في المنزل وتدبير الأمور عن بعد، يمكن أن تحل بها عدة مشاكل، من توفير وقت التنقل من المنزل إلى مكان الشغل والنقص من التلوث...إلخ. إذن فالفرصة ما وراء الجائحة متاحة للتفكير في تقليص -على الأقل- 50 في المئة من التنقلات. يعني ذلك أن العمل «يجب أن يأتي عندي ولا أذهب إليه». وبالتالي علينا غدا التخلي ومحو جل الأفكار القديمة التي كانت لدينا، وخاصة على مستوى بناء المدن، وتصور المنازل الجديدة بمكاتب الآباء ومكاتب الأبناء، على اعتبار أن الأب يشتغل عن بعد والابن يدرس كذلك عن بعد. وأعتقد أن فيروس كورونا بين لنا أن الرأسمال المتوحش لم يعد له أي معنى أو مجال، لأن في ظله كان الفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنى.
الفيروس جاء ليهدم هذا التصور القديم بعدما تأكد أن ساكنة الأحياء الشعبية هي التي تخرج ولا تحترم الحجر الصحي، وهي التي تمرض وتنقل العدوى للجميع، وهذا نتيجة الاكتظاظ الذي هو بدوره كان نتيجة سياسة السكن الاجتماعي، حيث يتم تكديس أسر من عدة أفراد في شقة من 50 متر مربع فكيف يمكن احترام الحجر الصحي أمام هذا الاكتظاظ، بل كيف سيتم تجنب العدوى؟
فلابد من إعادة النظر في السكن الاجتماعي وإنتاج نموذج فيه الحد الأدنى من المساحة الحيوية للسكن،
وهكذا فالمطلوب هو تطوير تصورات الرقمنة بشكل يدفع إلى التخلي عن كل النماذج التي تؤدي إلى الاكتظاظ والتلوث، وأن نفكر في مدن صغيرة نقلص فيها التنقلات وتوسيع مساحات الشقق والدور السكنية وتطوير الرقمنة.
 
* ولكن ألا ترى أن هذا التصور يحتاج إلى إرادة سياسية؟
- هذا لا يحتاج إلى إرادة سياسية؛ فإما أن نعمل ونطور هذه التدابير أو انتظر الموت، فهل بقي هنالك مجال للسياسة مع كورونا وأين هو السياسي؟ ألا تلاحظ أنه لا يوجد في الواجهة اليوم سوى الطبيب والممرض ورجل الأمن والقائد والقوات المساعدة والمقدم والجندي. فمن يعمل اليوم من السياسيين؟ وهذا ما يجعلني أقول إنه ينبغي الاستثمار في الرأسمال البشري. لقد اتضح بأن 60 في المئة من اقتصادنا غير مهيكل، وأن 30 في المئة تصل إلى الباكالوريا، و10 في المئة فقط تصل إلى التعليم العالي، حيث تم اكتساح الميدان من طرف الأصوليين والتيارات الإسلامية التي فتح لها الباب حتى أن بعضها حرضت على التظاهر بطنجة في زمن الطوارئ مهددة السلامة والصحة العمومية، لذلك قد حان الوقت للالتفات نحو التعليم والصحة، والابتعاد عن المزايدات. فقد نفذ بنكيران منذ 2012 تعليمات صندوق النقد الدولي وذلك بنقص النفقات العمومية، والنتيجة كانت مخيبة، حيث تم تشجيع المدارس الحرة ورميتا بالصحة والسكن إلى الوراء. لذلك فمن هو العسكري بالنسبة للغد؟ إنه هو الطبيب، وهو الأستاذ، وأؤكد أن الثروة الحقيقية هي في الرأسمال البشري الذي علينا من الآن تطوير نموذج خاص بنا يلائمنا.
 
* ألا ترى أن الثورة الرقمية لها سلبياتها على المستوى الإنساني من حيث التواصل والحميمية؟
- هذه المسالة تأتي من بعد في مرحلة قادمة، فالثورة الرقمية لا مفر منها. والمناسبة اليوم تقتضي التجنيد أولا، وثانيا التعبئة من إعادة النظر في التصورات والمفاهيم حول التطور المستقبلي المغرب وتجاوز الخلل، لأن غالبية الناس تعيش على الهامش، وكذلك إعادة النظر تشمل كل المبادرات في السياسة وفي الأولويات، في مجانية الصحة والتعليم، وفي بناء الإنسان والعدالة الاجتماعية والسكن، ولهذا عندما نتساءل عمّن نفع الشعب في هذه اللحظة الحرجة؟ نجد أن الملك محمد السادس هو الذي كان بجانب الشعب، فقد كان هو صاحب المبادرات الحكيمة لحماية الشعب من الوباء في وقت توارى السياسيون عن الأنظار.