الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط : لهذا السبب لا يمكن للمغرب أن يستغني عن أحزابه في زمن كورونا

عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط : لهذا السبب لا يمكن للمغرب أن يستغني عن أحزابه في زمن كورونا عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
العالم ما بعد كورونا ليس كما قبله، ولن تتمكن البشرية اليوم على المدى البعيد من فهم ما سيجري من تغييرات سياسية واقتصادية سيخلفها وباء الكورونا، فبالنسبة إلينا هذا أمر سابق لأوانه، مالم تضع الحرب أوزارها، لكن ما يهمنا في بلادنا هو دراسة التداعيات السلبية على المدى القريب والمتوسط لهذا الوباء، وإلى حد استطاع الفاعلون السياسيون أن يتعبأوا بشكل جيد وراء المجهودات التي تقوم بها الدولة المغربية بإشراف فعلي ومباشر من جلالة الملك محمد السادس، الذي أعطى تعليماته باتخاذ كافة التدابير الاحترازية والاستباقية حين فضل شعبه على الاقتصاد،.
ما نلاحظه وهو أن أغلب الفاعلين السياسيين مع ظهور هذا الوباء أوقفوا عجلة أحزابهم وجمدوا تنظيماتهم وتخلوا عن مهامهم السياسية، وحجروا على أنفسهم، فبعضهم نسي أنه يترأس الحكومة، فراحت قياداته من تأثير "الحجر الحزبي"، تسوق لنظرية المؤامرة من جديد، بدعوى أن "النظام السياسي بالمغرب لا يسمح للأحزاب بالظهور" في زمن الكورونا، والحال أن مثل هذه الأحزاب التي كانت تملأ سمائنا وأرضنا عويلا وانتقادا للسياسة ورجالاتها، عادت كما حليمة لعادتها القديمة، تصر على ممارسة الحكم نهارا، وتتقمص دور المعارضة ليلا، تناست أنها دخلت في سبات عميق، منذ ظهور الوباء، وجمدت عملها الحزبي والسياسي وأغلقت مقراتها، لأنها لا تعتبر السياسة إلا خطابات في المحافل والمهرجانات، ودغدغة لمشاعر المواطن، متناسية أن من أدوارها هو دعم السلطة التنفيذية، وطرح بدائل معقولة ومقترحات عملية للتخفيف من آثار الأزمة، ومراقبة الأداء الحكومي والتنبيه إلى أوجه التقصير المحتملة.
للأسف أن معظم الأحزاب السياسية، إلا من رحم الله فضلت الدخول في "سبات" عميق بسبب تفشي فيروس " كورونا"، وآثارت أن تجمد أنشطتها ولقاءاتها ومؤتمراتها لتفادي انتشار الفيروس، في حين أن بعضها أكتفى بإصدار بيانات أو ببث أشرطة فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كانت هذه مبادرات محمودة، إلا أنها ممارسات خاطئة تعري واقع حال مثل هذه الأحزاب، لأنها أخفقت في تكييف عملها وتجديد أساليبها التقليدية.
لقد فضح وباء كورونا كل الثقوب التي تنخر البنيات التنظيمية المتآكلة، التي لم تجدد من نفسها فتحاول أن تبعث روحا جديدة، تساير تطورات العصر من حولها. لقد فضح هذا الجمود السياسي والحزبي، بعضا من الانتهازيين، والراقصين على جراح الوطن، و فضح أيضا المتاجرین بالدین، والمستهترين بوضعیة الصحة والاقتصاد والمدرسة والصحة العمومیة.
إن من يقول بأن طبيعة النظام السياسي بالمغرب لا تسمح للأحزاب السياسية بالظهور في أزمة كورونا مبررا فشله، أخطأ الوجهة لأنه نطق بكلام غير منطقي، يتعارض مع التزام جلالة الملك محمد السادس بتكريس الخيار الديمقراطي، لأن نظامنا السياسي، الذي ظهرت معالمه الجديدة بعد خطاب 9 مارس ودستور 2011 ، حدد الاختصاصات وسمح بهامش كبير لممارسة الأحزاب السياسية لأدوارها، وتقوي من تواجدها، إن في الجهاز التنفيذي كحكومة أو التشريعي كنواب للأمة، أو معارضة قوية.
فما فتئ جلالة الملك محمد السادس، يدعو الأحزاب السياسية، في مناسبات متعددة، إلى "ضخّ دماء جديدة في هياكلها، لتطوير أدائها، باستقطاب نُخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمَل السياسي".
خصوصا بعدما أبانت بعضها، عن قصور واضح في القيام بدور الوساطة بين الدولة والمجتمع، إبان الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب في وقت سابق. لقد شدد جلالة الملك في أحد خطب العرش، على أنه "يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي؛ لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها".
وبلغة أكثر وضوحا دعا الملك الأحزاب السياسية إلى القيام بدورها، قائلا "فالمنتظر من مختلف الهيئات السياسية والحزبية التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث".
وحتى لا يقول قائل لا وقت الآن للمحاسبة والانتقاد، ففي جميع الأحوال نحن أيضا ليس غرضنا من هذا التحليل، أن نبث خطاب اليائسين، لأننا كلنا أمل وتفاؤل بمغربنا الذي يسع جميع أبناءه، نريد أن نفكر جميعا بإيجابية في ما بعد الوباء، ونؤكد على أنه بإمكان بعض الأحزاب السياسية الناجحة، التي تحول وزراءها إلى شعلة مضيئة ومتقدة من العطاء، متجردين من الحزبية المقيتة، ومرتدين قبعة الوطن، دفاعا عن مصالحه وسلامة وأمن مواطنيه، أن يجسدوا ممارسة حزبية في أبهى حالها.
في اعتقادنا، ينبغي على الأحزاب أن تصيغ سياسات أكثر عملية وواقعية حول كيفية التعامل مع الأزمة سواء طال أمدها لا قدر الله أو تقلص بفضل الله ومنته، فتبادر إلى الإعلان عن مقترحاتها لمواجهة آثار ما بعد انتهاء هذا الوباء سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو ودراسة أبعاد كل المتغيرات على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
الخطير ونحن نتحدث عن الأحزاب السياسية في زمن الكورونا، أن بعضها ويا للأسف يقود سفينة الحكومة !!
تناست أنه كان للأحزاب الوطنية كما كانت دائما قبل الاستقلال وبعده، لها أدوارا أساسية، لا يمكن الاستغناء عنه تحت أي ظرف من الظروف، وفي مقدمة تلك المهام الحزبية، التدريب والتكوين والتثقيف، فتنتج الأفكار وتساهم بالبحوث والدراسات لتحليل التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية، فما الذي يمنعها من فتح قنوات التواصل، مع الهيئات والمنظمات في زمن الرقميات.
إلى حدود الساعة، لم نرى مبادرات للفاعل الحزبي، تقوم بإعلان أي خطط عمل تبين كيفية التعامل مع الأزمة الحالية، أو مع آثارها بعد التخلص من الفيروس، فالآثار كارثية وخصوصا الاقتصادية والسياحية وتدعياتها ستكون على كافة المستويات، إن لم نتجند جميعا للحد منها.
لقد قال صندوق النقد الدولي إن المغرب من المرجح أن يمر بحالة من الركود خلال السنة الجارية نظراً للانخفاضات الكبيرة في الصادرات والسياحة وتحويلات الجالية، والتوقف المؤقت للنشاط الاقتصادي جراء تفشي جائحة "كوفيد-19".
وذكر الصندوق، في بلاغ أصدره أمس الأربعاء، أن سيناريو الركود الاقتصادي بالمملكة مرجح رغم الإجراءات العديدة التي اتخذتها السلطات لزيادة الإنفاق الصحي ودعم مؤسسات الأعمال والأسر، مشيراً إلى أنه سيظل على تواصل وثيق مع المغرب لمتابعة جهوده في التعامل مع أثر الجائحة.
إذن لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي، ولا نضع لأنفسنا خطة اقتصادية، تشحذ فيها الأحزاب السياسية والنقابات كل عقول أطرها ونخبها من أجل التفكير الجماعي في إعادة بناء الاقتصاد، خصوصا ونحن نرى بعضا من الدول تدعو أحزابها ونخبها والقوى السياسية في المشاركة إلى "اقتراح وثيقة كبرى من أجل إعادة بناء بلدانهم اقتصاديا واجتماعيا". كل هذا لأن جوهر الممارسة السياسية السليمة، والمعنى الحقيقي للأحزاب مرتبطان بضرورة قدرة إنتاج النخب السياسية لوصفات ناجعة، خدمة للمواطن، فعدم لعب الأحزاب السياسية لأدوارها التأطيرية والتوعوية في أزمة ''كورونا'' سيثير مستقبلا تساؤلات عديدة بشأن الغاية من وجودوها ومستقبلها.
ليس هذا الكلام تهويلا ولا انتقاصا من الأحزاب الوطنية الصادقة، فقد أبان بعض أطرها وقياداتها عن تعبئة كبيرة، وعمل متميز في مواجهة الجائحة، إلا أن زمن الكورونا وضعنا جميعا في لحظة مكاشفة حقيقية، نأمل أن تساهم في خلق وعي سياسي مستقبلا يعيد هيكلة البنى الحزبية، بشكل جديدا بعيدا عن الإقصاء، والكولسة، لأن التحولات الحالية على كافة المستويات، ستدفع في سياق إعادة صياغة العقد الاجتماعي، وتغيير ملامح البنيات الحزبية والتنظيمية، لهذا يجب أن تتحرر بعض الهيئات السياسية من كوابحها وتواجه عجزها في إعادة تشكيل وصياغة أوراقها المذهبية، بما يتناسب مع دقة المرحلة، لتبدع أفكار جديدة وتضع خطة عمل جديدة، فمن يمنع البنيات التنظيمية للأحزاب ونواتها الصغيرة في الحي أو الإقليم أو الجهة، لكي تتحول إلى أوراش للتفكير، وتكون صلة وصل فتهيئ كل المعطيات وترصد الحاجيات، وتكون بنكا للمعطيات من خلال منظماتها الموازية، فلا استغناء للبلاد عن أحزابها السياسية في زمن الكورونا.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط ،رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية