الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

منصف اليازغي:الصحافة كما عشتها... و"السخافة" كما أتابعها.. أو الرقص على جثة ما تبقى من صاحبة "الجلالة"

منصف اليازغي:الصحافة كما عشتها... و"السخافة" كما أتابعها.. أو الرقص على جثة ما تبقى من صاحبة "الجلالة" الدكتور منصف اليازغي
عندما كنت صحافيا...كنت أحرص على حمل بطاقتي المهنية للإدلاء بها والتدليل على أني أنتمي لجهاز إعلامي...وكانت أول شيء أتأكد من حملي له وأنا أغادر منزلي صباحا...ولم يكن يضيرني أن يستوضح عشرة من رجال الأمن هويتي قبل الوصول إلى منصة الصحافة أو إلى مقر ندوة صحفية..ولم أؤمن يوما أن الصحافي فوق القانون...أو أن قذف الناس واقتحام خصوصياتهم هو  فرع من فروع حق التعبير. 
ليس ذلك إبداعا مني...بقدر ما هو التزاما بمبادىء تلقفتها في الفصل الدراسي...وبعدها في الميدان الاعلامي.
قبل ذلك كنت مراسلا بمدينتي لبعض الجرائد وأنا تلميذ في الاعدادي...وكنت أحتمي بمراسل جريدة المنتخب الأستاذ موحا أفرني الله يجازيه بالخير من اجل ولوج الملعب او حضور الجموع العامة بما أني لم أكن بعد قد توصلت ببطاقة المراسل....ورغم أني نشرت عدة مقالات حينها...واسمي معروف بالمدينة..فإني لم أكن أتعنتر على أحد او أتنطع بصفتي قي الوقت الذي كان فيه بعض المراسلين يتواصلون مباشرة مع العامل او الباشا لقضاء بعض أغراضهم...بل اضطررت في عدة مناسبات الدخول وسط الجمهور لنقل المباراة مكتوبة في الليلة ذاتها..وبعثها من خلال إرسالية عبر الساتيام.
بعد احترافي للصحافة...وجدت ان هناك اجيالا سبقونا للاعلام...وكان جيلي يحتمي بأمرين...إما الاحترام الواجب اتجاه مرجعيات اعلامية صادقة...او النأي بالنفس عن دخول في صراعات مجانية...على الاقل أتحدث عن نفسي وبعض زملائي المقربون...فأحيانا كنا نتابع غارات تنتقل بين صفحات الجرائد بين الفينة والأخرى.
كان نشر مقالة بمثابة مخاض عسير. تحرص خلاله على النقطة والفاصلة والمدخل...والأهم "لاشيت" بلغة الصحافيين..قبل ان تمرر مقالتك لزميلك لإعادة قراءتها...في انتظار المرور من فرن سكرتير التحرير او سكانير رئيس التحرير...والأدهى أن تمر الأمور بسلام في اليوم الموالي مع قرائك او مع الجهة التي كتبت عنها خبرا.
أتذكر جيدا كم مرة اضطررت فيها إلى تنبيه الشخص المحاور بأنه لا يدرك خطورة ما صرح به...إما لعدم ضبطه لبعض الكلمات او تبعات ما صرح به...ولم اسع يوما لنبش حفرة لأحد من المستجوبين من اجل الانفراد بالسكوب او السبق...إلى درجة ان الرابط مع بعض المستجوبين تجاوز حدود العلاقة المهنية..إلى ما هو إنساني.
 كان الهم الاول هو ان تكون سباقا للاخبار الطرية...والحفاظ على مكانتك وسط جمهور القراء...وكان العمل يتطلب منا أحيانا كتابة 4000 كلمة في اليوم...وأتذكر ان تغطيتي لتظاهرة دولية تطلبت مني إعداد صفحة بشكل يومي إلى جانب مقالة في الصفحة الاولى او الاخيرة...إلى جانب تدبر أمر الصور...كل ذلك بحس لا يوصف...وبمتعة أشتاق إليها بين الفينة والأخرى.
أتذكر أني التقيت مع زميل لي بالرباط وقد انتهيت من إجرائي لحوار مع نزهة بيدوان بمنزلها بالرباط...وأخبرني أنه ذاهب إلى منزلها بدوره لإجراء حوار...ولا أتذكر مناسبة مسارعتنا لإجراء حوار معها...لكن أتذكر جيدا أني لم انم تلك الليلة إلا بعد أن فرغت الحوار وأعددته للنشر ضمن صفحة حوار الجمعة...وقعدت بالقرب من مقهى إكسيلسيور بالدارالبيضاء أترقب وصول الجريدة التي يعمل فيها زميلي...وكم ارتحت وأنا اكتشف انه لم ينشر الحوار في اليوم ذاته. سارعت متصلا بالزميل العزيز المختص في العناوين المختصرة والمؤثرة يونس خراشي لأخبره أن السبق هو لجريدتنا...قبل ان أستقل طاكسي أبيض كبير مزهوا بإنجازي...وقبل النوم يتصل زميلي من الجريدة الاخرى وهو يستغرب كيف فرغت حوارا مطولا في وقت وجيز...وانا الذي عدت من الرباط مساء اليةم ذاته...ليزيدني الامر متعة.
الآن أتابع أشخاصا يحملون هاتفا محمولا على عصا...وراء رجال السلطة بدعوى أنهم يملكون قناة على اليوتيوب...علما أنه حتى طفل او جدة لها الآن قناة...او ينتمون لجريدة إلكترونية في احسن الأحوال...ويزيد الأمر سوء وهم يدفعون من أمامهم بدعوى أنهم صحافيون...ويردون بتنطع على رجل الأمن بأنهم صحافيون...كل ذلك بكل سهولة... في الوقت الذي كانت هذه الكلمة لها ثقلها ووقعها. ما علينا، يبدأ الرفس والركل في الأسئلة والتصوير...لينتهي الأمر بحفلة رقص على جثة الصحافة بمنتوج ينتظره معطوبو هذا الوطن...ويتلذذ بها مقترفو الجرائم في حق من كانت تسمى يوما صاحبة الجلالة.
 يطبعون ورقة عليها خطا احمر وأخضر ويبصمون فوقها كلمة "صحافة" باللغتين ويضعونها على واجهة السيارة لترهيب حراس السيارات واستعراض العضلات امام بعض رجالات السلطة.
وكم ألمني عندما قال لنا أستاذي في قانون الصحافة محمد الصاليح أن وصف الصحافة بالسلطة الرابعة هو معنى مجازي وغير موثق...ولا يخول لكم سوى ممارسة مهنتكم في الحدود التي يسمح بها القانون...وليس التطاول عليه بدعوى لقب صحافي...لكن ذلك كان لي شخصيا درسا علمني أن الصحافة مثلها مثل باقي المهن...ودلا بتوجب استغلالها في الابتزاز المادي والمعنوي...او ممارسة الاستعلاء والاستجداء.
عندما كنا نسافر في مهمة داخلية أو خارجية...كنا نحرص اولا على الحصول على البادج...ليس لعرضه بزهو على صفحات الفايسبوك....بل لتسهيل المهمة على المنظمين...والاحتفاظ به ذكرى حدث ربما لم يكتب للآخرين حضوره.
خلال سفري إلى مونديال روسيا قبل حوالي سنتين في رحلة خاصة مع افراد من عائلتي وبعض أصدقائي...فرحت بلقاء عدة صحافيين في مطار محمد الخامس عاصرتهم قبل حوالي 15 سنة... ورغم إلحاح أحدهم رفضت التقاط صورة جماعية برفقتهم قرب الطائرة تفاديا لحمل او تحميلي صفة لم أعد أحملها.
رغم أني عضو مؤسس للرابطة المغربية للصحافيين الرياضيين قبل 20 سنة...لم أطلب بعد رحيلي عن المجال الاعلامي بطاقة شرفية تخول لي ولوج الملاعب بالمجان..بل أقتني تذاكري رفقة أبنائي بدون اقتحام منصة صحفية أراقبها عن بعد...بحثا عن وجوه تذكرني بذكريات جميلة مضت.
عندما أرى عناوين مقالات وفيديوهات في قنوات اليوتيوب او حتى على مواقع الكترونية معترف بها أو غير معترف بها...يصيبني الدوار وأنا أتذكر التقريع الذي كنا نلاقيه من أساتذة معهد الصحافة اولا...وبعدها من إعلاميين اشتغلنا إلى جانبهم بكل حب...بداية من عدد كلمات العنوان مرورا بمضمون العنوان وصولا إلى اختيار كلمات دقيقة تفاديا لتغليط القارئ...وشتان الآن بين بوابة المقال او الفيديو وما يحملانه من تشققات وتصدعات تجعلنا نذرف الكلمات على هذا الوضع الهجين.
الاعلامي في نظر البعض هو فتح جهاز الهاتف او حمل كاميرا لنقل ما وقع...وتصوير لساعات بحثا عن مقطع يقتطع من سياقه لخلق الحدث بعنوان يدعو إلى الغثيان.
ربما كورونا..كما كشفت لنا اشياء جميلة في هذا الوطن...قد تكون سببا في فضح ممتهني مهنة مثخنة بالجراح. والبداية بإعطاء تعليمات لرجال السلطة بعدم السماح لأي كان بتصويرهم خلال اداء مهامهم...او على الأقل التنسيق الاولي مع جهاز او أجهزة معتمدة لمواكبة رجال الأمن كنوع من الإخبار...وليس قنوات يوتوبية عشوائية...فكم كانت تروقنا روبورتاجات معدة بعناية من خلال مصاحبة اطباء المستعجلات او رجال الشرطة في رأس السنة...بكل الاعداد والتدقيق والتقرير المصاحب للروبورتاج...وليس نقل لمشاهد جافة يصبح فيها رجل السلطة هو الصحافي والموضوع في الآن ذاته.
الأمر الآخر هو ان يقتنع المواطنون أن لهم حق الخصوصية..أي ان لا احد له الحق في تصويرهم بدون موافقتهم في فيديوهات بئيسة..وأن لهم الحق في متابعته قانونيا...بل حتى لو قبلوا تصوير انفسهم فلهم الحق في متابعة صاحب الفيديو او القناة او الموقع في حالة التوظيف السيء لتصريحاتهم او لحالتهم.
هي خربشات عفوية حضرتني...واعذروني إن لم تكن أفكاري مرتبة...طاب يومكم.