الأربعاء 1 مايو 2024
كتاب الرأي

امريدة: لهذه الأسباب يتعين على البرلمان افتتاح دورة أبريل في وقتها العادي

امريدة:  لهذه الأسباب يتعين على البرلمان افتتاح دورة أبريل في وقتها العادي عبد الغني امريدة
بمناسبة النقاش الدائر حاليا حول افتتاح البرلمان لدورة أبريل، يبدو أنه من واجب ومسؤولية البرلمان افتتاح دورة 10 أبريل 2020 في وقتها القانوني، وذلك للأسباب التالية:
أولا: يجب على البرلمان أن يفتتح دورة أبريل في وقتها العادي دون تأجيل، لأنه من الناحية الدستورية لا شيء في الدستور ولا في النصوص والأنظمة القانونية ما يمنع البرلمان من عقد دورته العادية الحالية في وقتها القانوني رغم حالة الطوارئ الصحية.
ثانيا: إذا ذهبنا في اتجاه أن حالة الطوارئ الصحية تدخل ضمن مقتضيات الفصل 21 من الدستور التي تنص على "لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته. تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع".
فهذا الفصل وبهذا المضمون يمتد ليشمل حتى التدابير الممكن الإعلان عنها من طرف البرلمان. لأن مفهوم السلطات العمومية الوارد في الفصل أعلاه، وحسب السوابق الموجودة في نصوص وأنظمة قانونية سابقة يشمل رئيسي البرلمان أيضا. فالقانون التنظيمي رقم 44/14 يعرف السلطات العمومية بأنها هي "رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين. وبالتالي فالإجراءات المعلن عنها من طرف رئيسي البرلمان بخصوص انعقاد دورة أبريل والتي هي أصلا منصوص عليها في قلب الدستور تندرج في صلب الإجراءات المتخذة لبحث تدابير الحماية (مواجهة جائحة كورونا) مادام الفصل 21 من الدستور يتحدث عن السلطات العمومية ومفهوم السلطات العمومية باتفاق المشرع (القانون التنظيمي رقم 44/14) والقاضي الدستوري (قرار القاضي الدستوري رقم 16/1010 رقم) يحيل على كل من رئيس الحكومة ورئيسي البرلمان. وبالتالي فالتدابير الممكن اتخاذها من طرف رئيسي البرلمان تندرج في إطار التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية لحماية الأفراد حسب الفصل (21).
ثالثا: يبدو أن افتتاح البرلمان لدورة 10 أبريل 2020 ضرورة مؤسساتية، لكي يبين السادة النواب للمغاربة تصور البرلمان لكيفية إدارة ومكافحة جائحة كورونا، والطريقة التي يدير بها البرلمان مثل هذه الحالات غير العادية، ومن واجبه ومسؤوليته أن ينخرط في هذه العملية، فالتمثيل البرلماني يغطي كل الحالات ولا يعفي البرلمان من الحضور في قلب هذه الأحداث. مادام المشرع الدستوري لم يعفيه حتى في الحالات الأشد والأخطر من حالة الطوارئ الصحية وهي حالة الاستثناء بمنطوق الفصل 59. لذلك يجب على البرلمان أن يفتتح دورته ويعقد جلساته ويوضح للمغاربة الطريقة التي يدير بها حالة الطوارئ الصحية. لأن ملاحظات وتدخلات وآراء النواب تكمل عمل الحكومة، وربما بعض المواقف الصادرة عن البرلمان قد تلعب دور المنبه للحكومة بخصوص الجوانب التي لم تنتبه إليها.
في ارتباط بالفصل 59 المشار إليه يجب أن ننبه إلا أنه لا توجد أي إشارة في الدستور إلى شيء اسمه حالة الطوارئ الصحية، والدستور يتحدث فقط عن حالة الاستثناء وحالة الحصار وبالتالي فكل عملية أو محاولة للربط بين حالة الطوارئ من جهة وحالة الاستثناء والحصار من جهة أخرى تبقى مجرد تقدير واجتهاد شخصي يصعب إثباته والدفاع عنه بحجج قانونية، بل أخطر من ذلك يبدو أن حتى حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 بقوله "إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية".
هذه الحالة (الاستثناء) نفسها تثار بشأنها بعض التساؤلات ويسودها بعض الغموض حول ما معنى "لا يحل البرلمان أثناء حالة الاستثناء". فما المقصود هنا هل يعني أن يبقى البرلمان يشتغل بشكل عادي ويعقد جلساته ويمارس اختصاصاته؟ أم أن الأمر يعني فقط أن البرلمان يظل قائما أي لا تنتهي مدة ولاية أعضائه إلا بانتهاء موعدها القانوني (الولاية التشريعية)؟ وبالتالي من الصعب ربط حالة غامضة (حالة الطوارئ الصحية) بحالة أكثر غموضا (حالة الاستثناء مثلا)
رابعا: أن تدخل البرلمان إلى جانب باقي الفاعلين في إدارة المعركة ضد كورونا. يخفف الضغط عن الحكومة ويشرك البرلمان في تحمل المسؤولية على مستوى النتائج الممكن أن تترتب عن هذه الظروف العصيبة. لأن عدم افتتاح الدورة وغياب الجلسات يعفي البرلمان من المسؤولية ويجعل السلطة التنفيذية وحدها من تظهر في واجهة المعركة. لذلك يجب على البرلمان أن ينخرط في عملية المواجهة والمشاركة الفعلية في كل التدابير والإجراءات التي تدخل ضمن اختصاصاته لإدارة هذه المرحلة.
خامسا: مادامت حالة الطوارئ الصحية هي سابقة من هذا النوع، فيجب على البرلمان أن يوجد في قلب هذه الحالة، وهذا في صالح البرلمان لأنه سيكسبه مناعة مستقبلا في كيفية التعاطي والتعامل مع مثل هذه الأحداث، وفرصة للبرلمان لسد الثغرات والعيوب التي تعتري نظامه الداخلي في الجانب المتعلق بغياب مقتضيات وأحكام توضح كيفية التعامل مع هذه الأحداث مسبقا. كما أنه من شأن النقاش بين البرلمان والحكومة حول تدابير وإجراءات إدارة حالة الطوارئ الصحية أن يتطور ويصل إلى المحكمة الدستورية. الشيء سيعطي الفرصة لهذه المحكمة لتدلي بدلوها بخصوص مجموعة من العناصر القانونية المتعلقة بهذه الحالة. الأمر الذي سينعكس في النهاية على بناء وتقوية دولة القانون ويساهم في بناء التقاليد المتعلقة بكيفية إدارة الحالات غير العادية.
سادسا: يبدو أن كل محاولة للدفع في اتجاه عدم افتتاح دورة أبريل أو تأجيلها يعني ضمنيا إعفاء وتملص البرلمان من مسؤوليته في هذه الحالات، وفي حالة نزوع البرلمان نحو هذا الاتجاه سيكون بذلك يؤسس لسلوك سلبي يفتح الباب أمام البرلمانات المتعاقبة للتخلي عن دورها في مثل هذه الحالات والظروف العصيبة. كما أن انعقاد البرلمان سيمكن الدارسين والمتتبعين من قياس مدى قدرة نواب الأمة على التعامل الاستباقي مع الحالات غير العادية. وحتى نعرف أيضا إيقاع اشتغال وتعامل البرلمان أهو نفسه الذي عهدناه في الحالات والظروف العادية أم سيتغير في مثل هذه الظروف؟ وإذا لم يتغير الآن فمتى سيتغير؟
سابعا: لا حظنا منذ بداية الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية أن معظم المؤسسات (الحكومة، الجامعات..) استطاعت التكيف مع هذه الحالة واستمرت في أداء دورها وحافظت على قاعدة الاستمرارية، بل واجتهدت في ابتكار أساليب وطرق جديدة لضمان استمرار أداء وظائفها والتواصل مع المواطنين، ولا يمكن للبرلمان أن يبقى معزولا أو يشكل استثناء عن هذه المؤسسات، بل يجب عليه أن يطور ذاته ويجتهد في الاستمرار في أداء وظائفه في وقتها بأساليب وأدوات تتماشى والظروف الحالية.
                                          عبد الغني امريدة، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بفاس