الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

مومر: إنهم اعتادوا الظهور في زمن الرخاء واختاروا الإدبار في الجحور أمام كَرَّة الوباء

مومر: إنهم اعتادوا الظهور في زمن الرخاء واختاروا الإدبار في الجحور أمام كَرَّة الوباء عبد المجيد مومر الزيراوي
" كان هيغل على حق عندما قال إننا نتعلّم من التاريخ أنه يستحيل على البشر التعلّم من التاريخ " جورج برنارد شو.
إشتدي أزمة تنفرجي ! و مهما طالت شِدَّتها سينقضي أجل ذروة الجائحة وستزول غُمَّتها بإذن الرحمان، و سنشرع جميعنا في تقييم أرقام خسائرنا البشرية والإقتصادية والاجتماعية. ثم سنعود إلى ممارسة حياتنا الطبيعية ضمن سياق خارجي جديد، لكي نكتشف أن الأمة المغربية تواجه صعوبات و تحديات مُسْتجدة.
فهل سنجد أحزابنا جامدة مُتَجمِّدة مثلما كانت أم أنها ستتطور إيجابا بإعتماد الجواب الثقافي الكفيل بتجاوز مرحلة الصدمة والرعب قصد التعلّم من مُخلفات هذه التجربة الإنسانية والإستفادة من دروسها ؟!.
ولأن المغربيات و المغاربة -إبَّان مِحنَتهم هاته- قطعوا الشك باليقين في انعدام الجدوى من منظومة حزبية منكوبة، فإن سياق الحديث سيمضي بنا إلى الرد على ما جادت به قريحة عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي خرج علينا كاتبا ما يلي : " ثم صرنا نسائل أنفسنا : في ظل أية سياسة سنعيش مستقبلا؟".
هكذا إذن، سأَمُد يد العون إلى زعيم حزب الأصالة و المعاصرة كَيْ يَتذَكر معي أن تطور الشعوب والأمم سنة لن تجد لها تبديلا. وَكَما خرجت الانسانية مُثقلة بخسائر الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيّتها عشرات الملايين من البشر، ودمَّرت قنابِلها عُمرانَ واقتصادَ دولٍ عدة. خرج منها نظام عالمي جديد سار بالقطبية الثنائية إلى أن انهار الاتحاد السوفياتي. ثم جاء نظام أحادي القطبية فَتَعالَت معه صيحات نظرية نهاية التاريخ و إنْدَمجَت عبرَه أسواق العولمة حتى بلغت ذروتها التوَسُّعية وطفرَتها المالية. وعند ساعة الثورة الصناعية الرابعة، إِنْهَارَت أسهم البورصات واندحرت قوة الإنتاج وتوَقَّف الإنسان عن الجَوَلان في مناكِب الأرض بسبب أهوال كورونا فيروس، ولم يَنْته التاريخ بعد !.
نعم يا رفيق ستَنْقضي الجائحة بإذن الله، وستظل الطبيعة على طبيعتها قادرة على المباغثة والمفاجأة، ستستمر الطبيعة مثلما كانت حبلى بالملايين من الفيروسات و بالكثير من التهديدات الفضائية والجيولوجية والبيولوجية وما خفي كان أعظم. وستجد الطبيعةَ ذكيةً خارجةً عن ثقافة المألوف والمعتاد و الجامد في النفوس. وأنا على أتم اليقين أن الأحزاب المغربية التي تحارب العقل والإبداع ليس بمَقدورها -اليوم - تقديم الأجوبة الكبرى المُنْتَظَرَة!.
وذلك لأنها أحزابٌ بلا مناعة فكرية متطورة و بلا خيال ذكي حالم، فكيف لها و من أين لها القدرة على طرح أفكار و حلول جديدة أمام أنظار المجتمع المغربي تساعِدُه على الثبات و التفاؤل والمقاومة؟. وها نحن نراها كما نراها : ليست إلا غُرفًا مغلقةً مظلمةً اعتاد قاطِنوها المُخْتارون على استجداء الغنيمة ونشر ثقافة الريع التي تتحكم في كل مفاصل الحياة اليومية للمواطن. نعم، هي الأحزاب مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تبخيس العلم و تكبيل الوعي برفع شعار لسنا بحاجة إلى من يفكر!. وهي في عَماهِهَا مازالت كذلك؟.
أما الآن -و نحن في زمن العسر و الضيق- ها قد اصطدمنا بأم الفواجِع حينَ يَفرُّ قادة الأحزاب خوفا من المجهول لأنهم اعتادوا النقل ضد العقل و طغوا في خنق حرية التفكير والإبداع و الابتكار والاختراع. إِيْ وَ رَبِّي ؛ إنهم إعتادوا الظهور في زمن الرخاء و اختاروا الإدبار في الجحور أمام كَرَّة الوباء.
ولعل حالة عبد اللطيف وهبي أبرز مثال على حقيقة القيمة السياسية المضافة لهذا الذي نجح في قيادة حزب " بالدْفِيعْ " !. ها أنتم تجدونه -اليوم- يستجدي التوافق باسم الوطن مع من أضاعوا مصالح الوطن طيلة عُشريَتهم الحكومية ، و ذلك بعد أن شَتَّتَ فيروس كورونا شمْلَ مجالس استكمال انتخاب أجهزة حزب الأصالة و المعاصرة، وصار عبد اللطيف وهبي يهيم وحيدا منفردا بلا مرجعية ثقافية ولا مكتب سياسي، ولا هم يستَحُون !.
فها أنتم تجدونه ضائعًا تائهًا متسائلاً : أي معارضة ستكون أجدى لأي حكومة بعد اليوم؟. أما أنا سأقول له قولا لَيِّنًا عَلَّهُ يَسْتَحِي قليلاً : إن هذا السؤال لا يليق بحزب صَمَّ أسماعنا بِلَغْو ادِّعاء امتلاك المشروع الحزبي البديل أَ لاَ وَ هوَ: مشروع " الأصالة و المعاصرة". نعم .. هذا السؤال لا يليق بحزب تحصل على المرتبة الثانية في نتائج الانتخابات و له ثاني أكبر كتلة نيابية كان يفترض فيه تقديم الحلول البديلة في الصحة و التعليم وإنقاذ الإقتصاد بعد هذا الفشل الحكومي الذريع.
ثم ها أنتم ترون كيف أصبح عبد اللطيف وهبي مُنْهَكًا لا يخجل من رَذيلة التسول السياسي. وتأمَّلوا معي كيف يعيش زعيم " حزب الفرد" في زمن حالة الطوارئ منهارًا فاقدا لرؤية مستقبلية بسبب مرض الجمود العضال و داء فقدان المناعة الثقافية. و ها أنتم تتابعون كيف أنه لا يدري ما العمل ؟! رغم أنه عاش يساريا يدَّعى مناهضة العولمة والنيو ليبرالية المتوحشة و طغيانها الاقتصادي، والتي بات تتهددها اليوم حمى الضعف المبتذل. بل أكثر من هذا ! بات عبد اللطيف وهبي تحت تأثير الصدمة يلعن موقعه في المعارضة ويَتَمَسَّح بالأهْدابِ الواهية لتنظيم العدالة والتنمية كَيْ يَستَجْدي الغنيمة بالتوافق مع سعد الدين العثماني رئيس الحكومة مُبْدِعُ كذبة " مَا تْخَلْعوشْ منْ كورونا .. عِيشُو حياتْكُمْ "، و الذي جرَّبَه المغاربة وتبَيَّنوا من إنجازاته الوهمية خلال محنة كورونا الشديدة الخطورة.
خَطْبِ الإكراهات الداخلية و العالمية فإنَّا لا نُعارض قدرَ الله، وإنَّمَا سَنَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله!. سَنَفِرُّ من شرور كورونا ومن فشل أحزاب المَعكَرُونَة إلى أَمَلِ الإحياء الثقافي مُتَمَسِّكين بِحِكَمِ المعلم محمد السراج المنير الذي قال إذا قامت الساعةُ وفي يدِ أحَدِكم فَسيلَة فَلْيَغْرِسْهَا!.
ولأنَّ على هذه الأرض شعبٌ يستَحق الحياة !، ولأننا الحاملون لفكرة الحداثة الشعبية التي تؤسس لمرحلة تنقية الذات المحلية مما علق بها من ثِقل تاريخاني قصد تجاوز النزاع المفتعل الذي يروم تحريض الماضي على الحاضر أو العكس، ويفتح أمل وثبة ثقافية للشباب المغربي من أجل مواجهة تداعيات الجائحة الخطيرة عبر إبداع أنماط و صيغ متطورة تضمن القابلية للتجدد السلس لمفاهيم التفاؤل والعزم والعمل، وتفسح في المجال لإحقاق التأهيل المعرفي و العلمي و التكنولوجي للمنظومة المتجمدة أمام ثورة ” رقمنة الإنسانية “ ونتائجها المتعددة الأبعاد.
فإننا بالتأكيد سنطالب باحترام الدستور، وسنطالب الشعب المغربي بمحاسبة الحكومة على المسؤولية التقصيرية في جائحة كورونا بعد أن انكشفت للعيان أوهام أحزاب الأغلبية والمعارضة التي هي أوهن من بيت العنكبوت.
تحيا الدولة الوطنية السيادية
عبد المجيد مومر الزيراوي، شاعر وكاتب مغربي