الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: من أجل عقلنة طقوس تقديم النقد الذاتي

مصطفى المنوزي: من أجل عقلنة طقوس تقديم النقد الذاتي مصطفى المنوزي

صحيح أنه حصل تقدم في سلوك المغاربة، والنخبة على الخصوص، على مستوى الاعتراف بالخطأ، مقرونا أحيانا بالاعتذار؛ إلا ان الملاحظ أن الأغلبية تعتبر أنهم بهذه الطريقة يقطعون مع سلوكات سابقة، وأن الاعتراف والاعتذار يجب ما قبله. وهنا تحضرني صورة جميلة رسمها المبدع المجتمعي نجيب محفوظ، في ثلاثيته المأثورة، حينما وصف السلوك المزدوج الذي يتصرف به السي سيد، حينما يمارس حقه المطلق في العبادة والتذرع إلى الله، بنفس القدر الذي يلهو ويزهو بمتاع الدنيا. وإن اللحظة، التي لم تستطع السينما إبرازها وترجمتها تقنيا، خلافا لقوة التشخيص لدى الكاتب، هي تلك اللحظة التي ينتهي فيها سي السيد من الصلاة، ويتضرع إلى الله، ويطلب منه، وبحيطة شديدة، أن يغفره له ما اقترفه من معصية.. وبنفس القدر من اليقظة يجتهد لكي يمنع نفسه من زلة لسان تدفعه إلى توسل التوبة من الله، عن أفعاله، وذلك رغبة في ألا يتوب ويحرم من استدامة المتعة والملذات، خلال لياليه الحمراء.

 

لذلك فهذه الصورة  البليغة تبين كيف أن أغلبنا يفضل تقديم الاعتذار عن خطئه، دون تقديم نقد ذاتي، يلتزم بمقتضاه القطع مع تصرفاته الماضية، والعمل على تغيير سلوكه.

 

من هنا وجبت المحاسبة، وليس فقط تقديم الحساب، وترتيب الجزاء، حتى لا يتم تكرار ما جرى. وبمنطق نجيب محفوظ، علينا، عوض طلب المغفرة، علينا طلب التوبة، بمعناه العقلاني والمدني والحضاري، من ضحايا سلوكاتنا، دون أن ننتظر صك غفران أو عفو، لأنهما لن يمحوا أثر الاعتداء والخطأ. أو نراهن على الزمن وتقادم أمد الفعل وحده؛ لأن العقاب يسقط، ولكن تظل المسؤولية قائمة.

 

وبيت القصيد هو أن نخبتنا تحتاج إلى مثل هذا التمرين من التقييم، من أجل التقويم.

 

فكما هو معلوم أن حصيلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مثلا، وعلى امتداد سنوات الرصاص، تتحمل فيها الدولة، كامل المسؤوليات الجنائية والسياسية والتاريخية، والتي لا تسقط بالتقادم، ولكن الهيئات السياسية والنقابية لها حظها من المسؤولية فيما جرى من تداعيات، على الأقل من الناحية المعنوية. فبافتحاص وقائع الانتفاضات من أحداث الساتيام وبريشة 1956 والريف 1958 و1959، إلى أحداث دجنبر 1990 بفاس، مرورا بانتفاضة التلاميذ والطلبة  في مارس 1965، وانتفاضة 20 يونيه 1981 بالدار البيضاء وأكادير، ثم  انتفاضة شمال المغرب ومراكش في يناير 1984؛ يتضح بأنها أنجزت وقعها السياسي والثقافي، لكن الثمن كان باهضا، خاصة بالنسبة للضحايا الذين وجدوا أنفسهم بدون هوية سياسية وبدون غطاء سياسي، يؤرخ لتضحياتهم ضمن وعاء محدد، يراكم ويحفظ تمردهم ووقائعهم ضمن الذاكرة الوطنية الجماعية «المسيسة».

 

فكيف يمكن محاسبة بعضنا البعض، ونحن لا نستقر على حال تنظيمي أو سياسي.. وبلغة مهذبة لم نوفر للتاريخ شباكا وحيدا للمساءلة السياسية، كقيادات تحسن الترحال والانشقاق؛ تهربا من المحاسبة والمساءلة فمتى ومن يعلق الجرس، لأن العدالة ليست سوف اعترافا وأنصافا؟؟