الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف غريب: إزعاج النّاس ولو بالقرآن.. يعدّ من البوائق

يوسف غريب: إزعاج النّاس ولو بالقرآن.. يعدّ من البوائق يوسف غريب

وسط هذه التعبئة المجتمعية، قيادة وشعباً، من أجل الخروج من هذه المعركة الوبائية بأقل الخسائر في أرواح أحبائنا… وأمام هذه السرعة في اقتناء كل مستلزمات الاستشفاء من جهة، وأجرأة توزيع الدعم، ولزوم رجالات السلطة العمومية بتطبيق الحضر الصْحي مع ما يتبع ذلك من احتكاكات مع أقلية من المواطنين البسطاء..

 

 وسط هذا المناخ العام تخرج إلينا بعض الجماعات المتديّنة جدّاً لتعاكس كل هذا المجهود الجباّر بالبحث عن بعض الهفوات الصغيرة هنا وهناك.. آخرها ما سميْ بفيديو قائدة وجدة التي تعرضت لتجليد لا نظير له من طرف الجيش الإلكتروني لهذه الجماعات، متهمة إياها بإهانة كتاب الله عزْ وجلْ  القرآن الكريم..

 

وبالرغم من أنّها تقصد مكبّر الصوت، فإنهم تعمّدوا إخفاء الحقيقة، وذلك بخلفية تتجاوز السيدة كشخص إلى رمزها في بنية الدولة عموما.. ولعلْ العصيان ضد الحضر الذي عرفته مدن طنجة وفاس.. و.. و… هو عنوان لذلك.

 

ولنحتكم إلى الشرع في نازلة وجدة.. و بالسّند

 

إنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إن المصلي يناجي ربه عز وجل، فلينظر ما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن"، رواه أحمد، ومالك في الموطأ.

 

هنا بالمسجد فكيف بالحيّ وبين الجيران وأنت لا تعرف حالتهم ووضعيتهم النفسية والمرضية، كإحدى جيران هذا الشيخ التي اشتكت أيضا من هذا الإزعاج الذي جعل صبيّها ذي الثمانية أشهر يعاني من الصراخ طيلة الوقت.. أليس من الأولى العمل بالحديث النبويّ الشريف "والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه"… إلى جانب سلسلة من الفتاوى في هذا الباب، حتى أن هذا السلوك الإزعاجي، ولو بالقرآن، يعدّ من البوائق، كما عند الشيخ الدكتور مجدي عاشور.

 

وليس لأنّك تذيع صوت القرآن الكريم هو مبرّرٌ كاف لإطلاق الصوت بشكل مرتفع...

 

وهو الشّق الذي نبّهت إليه القائدة، ولم تقصد القرآن الكريم كتابنا الحنيف الذي اهتديناه جميعاً لحياتنا العامّة والخاصة.. وعلاقتنا به روحية مستمرة في الزمان والمكان، ولن نقبل أن يتحوّل إلى صك غفران نتوسله عند من يعتقدون في أنفسهم ضمن الثلث الناجي وبهذه التمظهرات الدينية المبالغ فيها، وهم يلعبون بالعقل ويتلاعبون بالدين... والذين يخرجون علينا ليل نهار في الفضائيات والجوامع والأحزاب والجماعات التي تقول عن نفسها إنها إسلامية ويوهموننا أنهم يعرفون الإسلام. ويتحدثون باسمه.. وحذار أن تختلف معهم أو تجادلهم، ومن نفس المرجعية الدينية.. فأنت في الحقيقة ضد الإسلام وعدوّ هذا الدّين.. حتّى أن بعضهم تمنّى لو سلّم على المحامي الهيني من طرف زميل له مصاب بالوباء.

 

هم هكذا.. أوفياء لتجارتهم حتّى في زمن الوباء الذي يفرض علينا جميعا التعاضد في ما بيننا لإنقاذ البلاد والعباد.. يخرج علينا أحد مشايخهم كي يفسر انتشار هذا الوباء كعقاب من الله نتيجة تفشّي الزنا والمثلية بالمغرب.. كاستمرار للآخر الذين خرجنا من دار الإسلام.

 

أليس هذا التفسير وبهذا التأويل المفرط والتوقيت أيضاً أن يزعزع هذه اللحمة المجتمعية التي خلقها الحدث الوبائي.. ويعمق التشكيك في الدولة كحاضنة لبؤر الفسق والفجور.

 

لماذا لم تفكروا في الدعاء إلى الله والتضرع إليه لرفع هذا الوباء علينا، وأنتم أنقياء هذا البلد.. كما فعل وما زال مشايخنا وفقهاؤنا الأجلاء بسوس الذين دخلوا، وللأسبوع الثالث، في خلواتهم بقراءة اللطيف (اللهم لا فرج إلا فرجك، ولا لطف إلا لطفك فرج عنا كل هم وغم وكرب، وارفع عنا هذه المحنة والبلية، وادفعها بيدك القوية إنك على كل شيء قدير...)، وغيره من الأدعية.

 

يفعلون ذلك وفي صمت رهيب وبدون عجرفة أو استعلاء.. لانّهم صادقين مع أنفسهم مخلصين إلى الله طالبين الخير للبلاد والعباد.. متضرعين إليه عبر صلواتهم ونسكهم في رفع هذا الوباء علينا وعلى الأمة الإنسانية جمعاء.

 

لن يستطيع تجّار الدّين أن يفعلوا ذلك.. بل تجدهم يستغلّون هذا الضياع وشبح الرعب المخيم علينا اليوم بمواقف مغلفة بالدين، وهم يعرفون جيّداً أنّ التعاليم الطبية والعلمية، لا تتعارض قطعا مع التعاليم الدينية تجاه الأخطار والأوبئة، والذي لا يمكن مواجهتها إلاْ بوجود الدين طبعاً والأخلاق والقيم والعلم معا في صف واحد، لإيقاف حالة الرعب الرّاهن.

 

فشكرا لفقهائنا ومشايخنا المرابطين هناك.. وهم ما زالوا يردّدون في ألطافهم إلى الله عزّ وجلّ: "تداركنا باللطف الخفي يا ذا اللطف فأنت الذي تشفي وأنت الذي تعفو، أغثنا أغثنا يا لطيفا بخلقه، إذا نزل القضاء يتبعه اللطف، بجاه إمام المرسلين سيدنا محمد. فلولاه عين اللطف ما نزل اللطفُ، عليه صلاة الله وسلامه"...