الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
جالية

أزمة المدافـن والمقابر بايطاليـا في زمن كورونا

أزمة المدافـن والمقابر بايطاليـا في زمن كورونا كورونا فرضت قواعــد جديــدة حتى بعد موت ضحاياه وجعلت المقابر تضييق بجثث الموتى
ونحن نشاهد طابور شاحنات عسكرية إيطالية تنقل توابيت موتى ضحايا فيروس كورونا من مكان إقامتها بمدينة بيرغامو إلى مدن أخرى بايطاليا... نقف عند حقائق مؤلمة في زمن كورونا ..حيث لا يمكن للأهل توديع موتاهم ولا يمكن تشييعهم ولا يمكنك السلام عليهم حتى وقت احتضارهم...
كورونا فرضت قواعــد جديــدة حتى بعد موت ضحاياه وجعلت المقابر تضييق بجثث الموتى، كما ضاقت بهم ثلاجات المستشفيات، فـبِثْـنـا نسمع عن اقتناء بلديات في أوروبا أو أمريكا ( نيويورك مثلا ) لثلاجات كبيرة متنقلة لتوضع فيها جثث ضحايا حرب كورونا لتنتظر دورها في الدفن أو الحرق...
وباتت مسألة تدبير الدفن والمقابر من الإشكاليات القوية... نظرا لارتباطها بالهوية الثقافية والهوية الدينية للموتى في المجتمعات الغربية المتعددة الديانات...
في إيطاليا لم تعرف مسالة الدفن ضغطا كبيرا، لأن اغلب مغاربة إيطاليا يحبدون الدفن بالمغرب...
لكن فيروس كورونا غَـيَـر من ترتيب المعادلات في ظل إقفال الحدود و تطبيق الحجر الصحي، وفي ظل الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه أماكن الدفن بإيطاليا ...وهو ما جعل بعض " تجار المآسي " يُـضاربون في موضوع لـه قــدسية كبيرة عند مغاربة إيطاليا و جميع مغاربة العالم...
هذا مع التذكير أن المغرب اتخذ بدوره تدبيرا وقائيا آخــر، وهو إقفــال كل الحدود الجوية والبرية...فكيف السبيل إذن إلى تطبيق أن إكـرام الـميت دفـنه...
في ظروف استثنائية وطوارئ الحجر الصحي في اغلب دول العالم...؟
أولا، يجب التذكير أن مسألـة تدبير مرفق المقابر تعود للبلديات وبالتالي فكل البلديات الإيطالية تخصص أماكن لدفن المسلمين منفصلة عن غيرهم من الكاثوليك واليهود...كما تعْهَـدُ إلى تفعيلها شرطة خاصة منذ سنة 1990 أي la polizia mortuaria ..تتكلف بجميع الترتيبات الإدارية للنقل، وكذا رخص الدفن مع تبيان أسباب الوفاة وغير ذلك...
ثانيا، إن مسألة دفن أموات المسلمين بايطاليا هي إشكالية كبيرة لها علاقة بالهوية الدينية و بالتالي فيجب البحث أولا في الإطار القانوني لحق دفن موتى الغير الكاثوليك بايطاليا، وهو موضوع كبير جدا وشائك رغم أن الدستور الإيطالي سمح وحمى حرية المعتقد في الفصل الثامن منه...وهو ما جعل منظمات المجتمع المدني من المسلمين بايطاليا إلى تتقدم باقتراحات في هذا الخصوص، ونذكر منها مسودة " لُـوكُـويْ " سنة 1992 ..
ثم تقدم المركز الثقافي الإسلامي برسالة رسمية للدولة الإيطالية لنفس الغرض سنة 1993..ثم تكرر الأمر مع كل من جمعية المسلمين الإيطاليين سنة 1994 وجمعية التعريف بالإسلام بايطاليا سنة 1996...
كان المشكل دائما هو مَـنِ المخاطب الحقيقي مع السلطات الإيطالية لتوقيع اتفاق بالموضوع...؟ كما فعلت قبل ذلك مثلا مع الجالية اليهودية بايطاليا...بحيث أن استحالة توقيع اتفاقية في موضوع الدفن كان نتيجة عدم وجود إطار يجمع كل الحساسيات المسلمة بايطاليا ومن كل الدول الأصلية لمسلمي إيطاليا وأيضا كفيات تحضير الموتى مع احترام المرجعية الثقافية والدينية لموتى المسلمين بايطاليا ....
وهو موضوع عرف الكثير من الكتابات تأثرت بخلفيات كُـتابها ومُـؤلفيها الايدولوجية و الحساسيات السياسية والدينية...وهو ما يمكننا الرجوع اليه في مناسبة قادمة...
لكن الإشكالية تم التوافق بشأنها بشكل " ضمني " من خلال لجوء المستشفيات و المقابر بايطاليا إلى الجمعيات الدينية و أئمة المساجد من اجل تحضير الموتى حسب الشريعة الإسلامية لكل الراغبين أوالمضطرين للدفن بايطاليا...
لهذا لم يكن لكل تلك الضجة بخصوص دفن المغاربة ضحايا كورونا بايطاليا أي سبب مقنع مادامت إيطاليا والعالم يعيشون في ظروف استثنائية بفعل فيروس كورونا، كما أن الإيطاليين أنفسهم يعيشون نفس الأزمة أي أزمة مدافن و مقابر بعيدا عن كل زاوية نقاش عقائدي..
لكن حسنا فعلت بعض الفعاليات المغربية الجادة بإثارة الـنقاش حول مصاريف الدفن واحترام الشريعة الإسلامية ومن يتكلف بها ووفضح بعض السماسرة... خاصة وان مصاريف الدفن مرتفعة في ظل أزمة مالية خانقة بفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية أولا و أزمة كورونا ثانيا... وهو ما جعل القنصلية المغربية العامة بميلانو توضح من خلال بيان إخباري، أن جميع طلبات التكفل للأسر المعوزة من أجل تحمل مصاريف الدفن تم التفاعل معها إيجابيًا من طرف المسؤولين بالرباط...كما نهمس لقنصلية ميلانو أن كل الدول تعلن عدد وفياتها يوميا٫ فلماذا خلى البيان الإخباري للقنصلية من ذكــر عدد الضحايا المغاربة فيروس كورونا..؟ أم يعتبر هذا من أسرار القنصلية...؟
إلا أننا نود إثــارة مسألة أخرى، وهي غياب الأبنـاك ومـؤسسات تـأمين دفــن مغاربة العالـم و عـدم تـدخلها في أداء مصاريف الدفـن بايطاليا أو تقديم وعد لكل المُؤَمَنِين لديها بإمكانية إعادة دفنهم بالمغرب بعد مرور جائحة كورونا وعلى حساب مؤسسات التأمين نفسها...أوتقديم أي نوع من الدعم والتعويض لأهالي وأسـر مـوتى الـمؤمنين لـديها كما تفعل أغلـب مؤسسات الـتأمين العالمية...
من المؤكـد أن أزمة كــورونا ستفتح من جـديد نـقاش مقابر المسلمين بايطاليا وهو نقاش سيتأثـر بدون شك من خلفيات سياسية وأيديولوجية...وهي فرصة لــدعوة كل جمعيات الشأن الديني المغربية بايطاليا إلى الوحدة والتضامن وتهميش الخلافات جانبـا والبدء فــورا بتجهيز مقترحات موضوعية مبينة على أسس قانونية ودستورية ومن التجارب الدولية.