الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عاطف أحمد: حداثة الاجترار هي المشكلة وليس الدين!

عاطف أحمد: حداثة الاجترار هي المشكلة وليس الدين! عاطف أحمد

أفضل من يعتقد أنه ينتقد الإسلام ويعتبر نفسه متمكنا من الدين، أقصد تقدميين آخر زمن الذين ضيعوا طاقتهم في الكثير من الجدلية المرهقة والخلافية، التي كان يجب أن تذهب للتنوير وتثقيف العامة وتقرب لهم بلغتهم البسيطة وليس في مواجهة معتقداتهم كعذر للفشل في نشر الفكر بل وتجريم المجتمع كمجتمع جاهل في كل فشل!

لأن التراث ليس ضحلا أو تافها كما يصوره استعلاؤهم المتكبر عبر تهميش دوره الجميل والحضاري في التاريخ الإنساني وتركيز على فترات الانحطاط التي تشهدها كل الحضارات وتمر منها من خلال الحتمية التاريخية.

هذه النوعية من المثقفين التقليدانيين المجترة للصراع الكنسوتي الأوروبي مع العلم وقصصه وتعميمها على التاريخ الإسلامي برمته بدون موضوعية، هؤلاء للأسف لم يقدر أحد فيهم أن  يكتب مقدمة واحدة من مقدمات الغزالي أو يكون منهجا مثله في الكتابة..

فانتصار الإسلاموية مرده إلى هشاشة نخبة حداثوية متطرفة متكبرة على العامة ومهمشة للحقائق الاجتماعية لأنها تعاني من دونية ثقافية تعتبر الآخر أفضل في كل شيء وتعتبر ثقافته قداستها وهو الحل المقدس.

فهذا الفكر في دوغمائيته لا يختلف عن التطرف الديني السياسي لأنهما معا يقدسان فكرا ما ويعتبرانه مطلقا وليس نسبيا.

إن تقدميي العالم الثالث غالبا ما يعتبرون أن التراث مجرد أزبال وتخلف لكن حتى لو حللنا مفهوم الأزبال ودلالته نجده أنه فهم سطحي آخر لمنطق محدود وإقصائي، فالأزبال يعاد تصنيعها مرة أخرى لتوفير الوقت والمال بل قد تحتوي على كنوز لم تفهم ولم تكتشف بعد أو ضاعت منها الكثير نتيجة التقصير وبالتالي يجب أن يستفاد منها.

إن تهميش التراث والهوية الثقافية و العداء للفكر الطاغي عند الشعب مع تهميش حتمية التنشئة الاجتماعية والجهل بالعوامل المتحكمة فيها أو الكسل والجبن في محاربتها (ظلم، جهل، أمية، كبت،....) كان سببا أساسيا في فشل النخبة التقدمية في  تحقيق دورها لأنها تعزل نفسها عن الشعب و تعتقد أن الحداثة هي اجترار مفاهيم معينة نشأت في وضع ثقافي آخر لأن المفاهيم والفكر ذو طابع نسبي يجب تنميقه وتحديثه حتى لو سمي كذبا ما بعد الحداثي، والحداثة ليست مجرد ضمان حرية الفعل والفكر والعيش فقط، بل هي الوصول لأكبر مكتسبات ممكنة لتحقيق الرفاهية والعدالة وحقوق الإنسان وتحريره من كل تبعية تجعله متخلفا، لكنها لا يجب أن تحارب إيمانه وراحته الروحية عبر الدين لأنها مكون أساسي في هويته النفسية والشخصية والثقافية يجب أن توجهها فقط في صالح المجتمع وليس عبر مَؤْسَسَة الدين ذات طابع الديكتاتوري، فهي لا تختلف عن الأنظمة الشمولية التي تُدَيِن المؤسسات، لأن الدخول في حرب مع هوية وثقافة الشعوب يسقط هذا الفكر الحداثي الاجتراري في تناقض مع الحداثة نفسها وتصبح عائقا عوض أن تكون الحل.